مع دخول فصل الشتاء تؤثر برودة الطقس على جسم الإنسان بشكل عام، وخاصة على البشرة والجلد والعظام أيضاً، ولهذا يشعر الكثيرون بآلام في العظام والمفاصل خلال الشتاء. نحاولُ في هذا التحقيق الوقوف على أسباب الإصابة ببرد العظام، وطرق الوقاية منه.
في البداية، يقول الدكتور أشرف جابر استشاري جراحة العظام والعمود الفقري إن فصل الشتاء له تأثير كبير على العظام والمفاصل لأنه يزيد من حساسية المفاصل للألم، وأيضاً من أهم تأثيرات برودة الطقس أنه يسبب تقلص العضلات وضيق الشرايين مما يساعد على عدم وصول الدم بشكل طبيعي للمفاصل مما يؤدي إلى زيادة الضغط عليها.
ويضيف أنه على عكس ما هو شائع فبرودة الطقس لا تؤدي للإصابة بالروماتيزم ولكنها تزيد من أعراضه فقط، لأن مرض الروماتيزم عبارة عن التهابات مزمنة بالمفاصل يصاب بها الإنسان غالباً بسبب عامل وراثي ونتيجة خلل بالجهاز المناعي فبدلاً من أن يقوم الجهاز المناعي بحماية الجسم، يحدث أنه يتعامل مع خلايا الغضاريف على أنها خلايا غريبة عن الجسم وبالتالي يقوم بمحاربتها، لذلك إذا كان الإنسان لديه استعدادا وراثيا للإصابة بمرض الروماتيزم فتزيد أعراضه في فصل الشتاء الذي يساعد في ذلك فقط ولكن برودة الطقس ليست سبباً مباشراً للإصابة كما يتصور البعض.
ويشير أشرف جابر إلى أن مفاصل الجسم يمكن أن تصاب بالبرد عند تعرض الإنسان لموجة باردة مفاجئة دون ارتداء الملابس المناسبة التي تحمي المفاصل والغضاريف من البرودة، كما أنه عند الخروج المفاجئ من مكان دافئ إلى مكان آخر بارد يحاول الجسم التكيف بسرعة على التغير المفاجئ في الطقس مما يجعل المخ يعطي إشارات بضخ كميات كبيرة من الدم في بعض أجهزة الجسم للمحافظة على درجة حرارته مما يؤدي إلى قلة كمية الدم التي تصل للمفاصل مما يشعر الإنسان ببعض الآلام البسيطة، كما يجب التوضيح بأن الهواء المتحرك في فصل الشتاء يسبب بعض التشنجات بعضلات الجسم.
ويتم تشخيص التهابات المفاصل أولاً باستقبال المريض وسماع شكواه تفصيلياً بالسؤال عن طبيعة المرض وأوقات الشعور به وإن كانت هناك عوامل أخرى يمكن أن تكون سبباً في الإصابة، ثم الكشف عليه، وبعد ذلك يقوم الطبيب بتحديد أنواع الأشعات التي يحتاجها على المفصل أو المنطقة التي يشكو منها المريض للتأكد من حالة المريض بشكل أكثر دقة، حيث يمكن أن تكشف الأشعة عن وجود تغيرات في العظام أو الغضاريف أو داخل المساحة بين العظام، فكلما قلت المسافة بين العظام في مكان المفصل يؤكد ذلك على احتمالية الإصابة بخشونة أو تآكل أو اهتراء للغضروف، وبالرغم من أن التهاب المفاصل يمكن أن يصيب أي مفصل في جسم الإنسان مثل: مفصل الظهر أو الكتف إلا أن مفصل الركبة هو الأكثر تعرضا للالتهابات على الإطلاق بسبب أنه مفصل مساحته صغيرة نوعاً ما، كما أن هذا المفصل هو الذي يحمل على عاتقه وزن الإنسان بالكامل مما يجعله أكثر تعرضاً للإصابات خاصة إن كان المريض يعاني من السمنة المفرطة وقلة ممارسة الرياضة.
من جانبه، يوضح الدكتور محمد الديب استشاري جراحة العظام بطب قصر العيني أن الأمراض التي تصيب العظام والأطراف خلال فصل الشتاء مختلفة منها على سبيل المثال: مرض يدعى (متلازمة رايوناود) وهي عبارة عن نوبات من الانقباض في الأوعية الدموية الدقيقة في كل من اليدين والقدمين مما يسبب تغيرا في لون أصابع الأطراف إلى اللون الأبيض أو الأزرق، كما يمكن أن يزيد الأمر ويحدث تقرحات في الأصابع نتيجة عدم وصول الدم بشكل كاف لتلك المناطق.
كما أن آلام المفاصل من أكثر الأمراض الشائعة في فصل الشتاء، والمفصل عبارة عن عظمتين يرتبطان ببعضهما بحيث تكون هناك حركة بينهما، ولتسهيل تلك الحركة المستمرة يكسو طرف كل عظمة غشاء غضروفي وبين تلك العظمتين كبسولة تحتوي على سائل يدعى السائل الزلالي (السينوفي) لها غلاف يسمى الغلاف السينوفي، بالإضافة لأنه هناك ما يربط بين هاتين العظمتين بما يسمى (الرباط) مثل: الرباط الصليبي والرباط الجانبي، وأيضاً يوجد في المفصل (الأوتار) وهي التي تكون مغروسة في العظام وحول المفصل وتنتهي بها العضلات، وبهذا يكتمل تكوين المفصل ليستطيع الحركة، وبالتالي أي من تلك المكونات يحدث به إصابة يؤدي ذلك للشعور بالألم، وهناك فرق بين ألم المفصل والتهاب المفصل، حيث إن الأول هو مجرد شعور بالألم ولو لفترة وجيزة، أما التهاب المفصل فهو يحدث نتيجة التهاب مناعي عن طريق تكون مواد محدثة لهذا الالتهاب مثل ما يحدث عند الإصابة بمرض الروماتيزم.
وتنقسم أسباب ألم المفصل إلى ثلاثة أسباب :-
- آلام ناتجة عن الصدمات والكدمات نتيجة السقوط.
- آلام ناتجة عن التحميل على المفصل نتيجة الوقوف لفترات طويلة أو استخدام اليدين لفترة دون راحة أو الجلوس الخاطئ لفترات طويلة، بالإضافة لآلام بسبب خشونة المفاصل نتيجة تآكل في الغضروف أو جفاف في السائل الزلالي وغالباً ما يحدث ذلك في الركبتين.
- آلام ناتجة عن التهاب المفاصل التي قد تكون التهابات بكتيرية أو التهابات مناعية روماتيزمية.
ويشرح محمد الديب أن آلام المفاصل الأكثر انتشاراً في الشتاء نتيجة برودة الطقس، حيث إنه من المعروف أن الجو قارس البرودة لا يسبب التهاب المفاصل، بل يحدث نتيجة خلل أو اضطراب في الجهاز المناعي يؤدي إلى تمدد الشعيرات الدموية حول المفصل مما يسبب الالتهاب، وهذا هو الفرق الجوهري بين الألم والالتهابات.
في النهاية يلفت الدكتور أمير محمد عاصم استشاري جراحة العظام إلى أن الإصابة بورم أو احمرار في المفصل أو ألم نبضي مستمر دون توقف، من أشهر الأعراض، حيث أن الألم العادي بالمفصل يكون مصاحباً لحركته فقط أياً كانت، وبالتالي يزول الألم بمجرد عدم تحريك المفصل، لأن الألم يشعر به الإنسان نتيجة حدوث إجهاد للمفصل ويزول مع الراحة، بينما آلام الالتهاب المفصلي تحدث في أي وقت دون حدوث إجهاد وخاصة عند الاستيقاظ من النوم نتيجة تيبس المفصل طوال فترة النوم.
ويقدم أمير عاصم عدة نصائح للوقاية من برد العظام وآلام المفاصل في الشتاء من خلال تجنب التعرض للبرودة المباشرة بقدر الإمكان، واستخدام الماء الدافئ في غسيل الأيدي والاستحمام في فصل الشتاء، مع شرب الماء والسوائل الدافئة، وبالتأكيد تجنب الخروج مباشرة بعد الاستحمام، وأيضاً الاهتمام بتناول الأطعمة التي تحتوي على الكالسيوم وفيتامين (د) لتقوية العظام والجهاز المناعي للجسم، وذلك للمساعدة على تقوية الجسم والمساعدة على المحافظة على المفاصل بقدر الإمكان خاصة في فصل الشتاء، أما في حالة الإصابة بالتهابات المفاصل يجب إتباع إرشادات الطبيب مع الاستمرار على تناول الأدوية الموصوفة التي تساعد على تخفيف آلام العظام بقدر الإمكان.