رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

بقرارات تحمى الاستثمارات.. عصر «صناعى» جديد


15-8-2025 | 07:32

.

طباعة
بقلـم: د. عبد المنعم السيد

الصناعة هى أحد أعمدة الاقتصاد وقاطرة التنمية الاقتصادية لتحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة، وتسعى الدولة المصرية لتوطين التكنولوجيا الصناعية وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية فى قطاع الصناعة، بهدف زيادة المنتج المحلى، وتقليل فاتورة الاستيراد الخارجية، وزيادة مساهمة قطاع الصناعة فى الناتج المحلى الإجمالى والتى تبلغ حاليًا 18 فى المائة، وكذلك زيادة الصادرات غير النفطية التى تجاوزت 36 مليار دولار فى عام 2024، حيث إن 85 فى المائة من الصادرات المصرية غير النفطية من منتجات صناعية.

وتبذل الدولة جهودًا لتمكين التكنولوجيا الصناعية وزيادة عدد المصانع من خلال تسهيل إجراءات التراخيص واستصدار الرخصة الذهبية ومحاولة تقليل المعوقات والتحديات التى تواجه قطاع الصناعة، وجاء قرار عدم غلق أى منشأة صناعية إلا بقرار من نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل بعد العرض على رئيس الوزراء، حيث تم تشكيل لجنة فى وزارة الصناعة برئاسة الهيئة العامة للتنمية الصناعية وعضوية كلّ من (وزارة الصحة – وزارة البترول – وزارة البيئة – وزارة التنمية المحلية – وزارة الداخلية – وزارة الزراعة - وزارة العمل – اتحاد الصناعات المصرية – هيئة سلامة الغذاء – هيئة الدواء المصرية) وهى الجهة الوحيدة المنوط بها التفتيش على المصانع، ولا يُسمح بالتفتيش لأى جهة بصورة منفردة، أو من خلال أشخاص، أو من خلال مفتشين من الجهات المعنية.

هذه القرارات جاءت بمثابة رسالة طمأنة للمستثمرين فى القطاع الصناعي، ولتأكيد أن الدولة جادة فى دعم قطاع الصناعة والنهوض به وإزالة كل المعوقات والتحديات التى تواجه هذا القطاع، خاصة التضارب فى القرارات الإدارية من جهات الولاية والتفتيش والمتابعة على المصانع، وتوحيد ذلك فى جهة واحدة وهى اللجنة المشكّلة والتى من حقها بمفردها التفتيش والمتابعة.. ومن ثم سيتم التنسيق مع مختلف أجهزة الدولة للتيسير على المستثمرين وتقديم التيسيرات لهم لمساعدتهم على الإنتاج، مما يحقق مستهدفات الدولة المتمثلة فى زيادة معدلات التنمية الصناعية وتوظيف العمالة وزيادة المنتج المحلى وزيادة الصادرات المصرية، مما يساعد على توفير وزيادة الحصيلة الدولارية.

ولا شك أن قرار عدم غلق أى منشأة صناعية إلا بقرار من الوزير يعد خطوة على الطريق الصحيح تسهم فى النهوض بالصناعة المصرية، كما أن هذا القرار سيكون أثره الإيجابى على جذب الاستثمارات فى قطاع الصناعة وأيضًا تشجيع صغار المصنّعين الذين كانوا يتعرضون بكثرة لقرارات الغلق، كما أن هذا القرار سيساهم فى عدم تسريح العمالة من المصانع والإبقاء عليها.

ويتسق هذا التوجه مع سياسة الدولة الحالية بمساندة ومساعدة المصانع المغلقة والمتعثرة والتى تجاوز عددها 13 ألف مصنع وإعادة تشغيلها من جديد ودخولها فى العملية الإنتاجية، فليس من المقبول أن تحاول الدولة حل مشاكل المصانع المتعثرة والمغلقة منذ زمن فى ظل وجود مصانع وورش صناعية معرضة للغلق حاليًا، خاصة فى ظل مبادرة وزارة الصناعة والنقل لدعوة جميع المصانع المتعثرة للتقدم للوزارة بأسباب التعثر لحل هذه المشكلات فورًا، بهدف زيادة حجم النشاط وزيادة الطاقة الإنتاجية، وتقديم الدعم الفنى للمصانع من خلال مساعدتها فى الحصول على شهادات المطابقة الدولية، وتشغيل العمالة بما يساهم فى خفض معدلات البطالة، مما ينعكس على جودة الصناعة وتصديرها للخارج لجلب العملة الصعبة، وهو ما يتطلب توفير الأراضى الصناعية المرفّقة.

وفى هذا الإطار، أولت الحكومة اهتمامًا بالغًا بملف المصانع المتعثرة، باعتباره أحد أكثر الملفات حساسية فى الاقتصاد الوطني. فوفق بيانات وزارة الصناعة، فإن عدد المصانع المتعثرة والمغلقة كان يتجاوز 13 ألف مصنع، وقد نجحت الدولة بالفعل فى حل مشاكل نحو 13 فى المائة من هذه المصانع خلال فترة وجيزة، وهو ما يعد إنجازًا ملموسًا. هذه النسبة، رغم كونها بداية، فإنها تعكس الجدية فى التعامل مع الملف، وتفتح الباب أمام استكمال إعادة تشغيل بقية المصانع تدريجيًا.

إن لقطاع الصناعة قدرة كبيرة على تقليل معدلات البطالة، إذ تشير الإحصاءات إلى أن معدل البطالة فى مصر يدور حاليًا حول 6.7 فى المائة، وهو من أدنى المعدلات فى السنوات الأخيرة، بفضل المشروعات القومية وتوسعات القطاع الصناعي. وإعادة تشغيل المصانع المتعثرة تسهم بشكل مباشر فى خفض هذه النسبة، حيث توفر فرص عمل مباشرة داخل المصانع وأخرى غير مباشرة فى سلاسل التوريد والخدمات اللوجستية. وكل مصنع يعود للإنتاج يضيف طاقة إنتاجية جديدة، ويعزز من القدرة التصديرية، ويساعد على خفض الواردات وزيادة تدفقات النقد الأجنبى.

كما تمثل هذه الخطوة رسالة ثقة للمستثمرين المحليين والأجانب بأن الدولة تحمى الاستثمارات القائمة وتدعم استمرارها وتوسعها، وهو ما ينعكس على جذب المزيد من المشروعات الصناعية الجديدة. هذا التوجه يتجلى بوضوح فى ارتفاع صادرات الصناعات الهندسية المصرية التى تجاوزت 3.1 مليار دولار فى النصف الأول من عام 2025، وهو رقم قياسى يعكس تنامى القدرة التنافسية للصناعة الوطنية وفتح أسواق جديدة لها، خاصة فى إفريقيا والدول العربية.

هذا النمو فى الصادرات، إلى جانب زيادة الإنتاج المحلى وتقليل الاعتماد على الواردات، ساهم فى تحسن الاحتياطى النقدى لمصر الذى تجاوز 49 مليار دولار مؤخرًا، وهو ما يعزز استقرار سعر الصرف، ويقوى موقف الدولة فى مواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية، ويدعم خططها التنموية الطموحة.

وشملت جهود الدولة فى ملف المصانع المتعثرة عدة محاور، منها إعادة هيكلة الديون وتسهيل التمويل عبر التعاون مع البنوك لإعادة جدولة الديون ومنح قروض تشغيلية بفوائد مدعمة، وحل مشكلات الطاقة والبنية التحتية بمد شبكات الغاز والكهرباء للمصانع بأسعار مناسبة، وتيسير الإجراءات الإدارية عبر إنشاء وحدات خاصة لتسريع إصدار التراخيص وتطبيق النافذة الواحدة، والدعم الفنى والتكنولوجى بتحديث خطوط الإنتاج والحصول على شهادات الجودة، والتسويق وفتح أسواق جديدة أمام المنتجات.

ومن أبرز المصانع والقطاعات التى تمت إعادة تشغيلها إعادة تشغيل «النصر للمسبوكات»، كما أُعيد تشغيل هذا المصنع المعروف بإنتاج الزهر والسبك الحديدى بعد توقف طويل، وقد أسهم ذلك فى عودة العمل لمئات العمال وتحقيق إنتاج مهم للمشروعات القومية، وأيضا إعادة تشغيل 987 مصنعًا متعثّرا حيث تم إصدار تصديق فورى لإعادة تشغيل 987 مصنعًا كانت متعثرة ضمن خطة أوسع تشمل آلاف المصانع.

ولا شك أن إعادة تشغيل المصانع المتعثرة لها أثر بالغ على الاقتصاد، إذ يؤدى إلى زيادة الناتج المحلي، وخفض معدلات البطالة، وزيادة الصادرات، وتقليل الواردات مما يخفف الضغط على العملة الأجنبية ويعزز الاحتياطى النقدي، وتحسين مناخ الاستثمار، فضلًا عن تعميق التصنيع المحلى وتقوية سلاسل الإمداد الداخلية. كما أن له أثرًا اجتماعيًا مهمًا يتمثل فى استقرار دخول الأسر المرتبطة بهذه المصانع، وخلق فرص عمل غير مباشرة فى سلاسل التوريد والخدمات المساندة.

ومن هنا يأتى الدور الهام للمطورين الصناعيين فى ترفيق وتطوير المناطق الصناعية وتوفير أراضٍ صناعية مرفّقة أمام المستثمرين فى مختلف القطاعات الإنتاجية، بما يسهم فى توطين وتعميق الصناعة المصرية. وتعميق التصنيع المحلى يتطلب تحديد عدد من المنتجات المستوردة التى يمكن تصنيعها محليًا بالتنسيق بين الوزارات الاقتصادية والقطاع الخاص، وبدء إنتاجها محليًا ووقف استيرادها فورًا لإعطاء أولوية للمنتج المحلي، مع تقديم المحفزات الاستثمارية والضريبية وإزالة العوائق وسرعة إصدار التراخيص وتوفير الأراضى الصناعية، إضافة إلى دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر ومساعدتها فى التسويق والتصدير.

ومما لا شك فيه أن زيادة نسبة المكون المحلى فى المنتجات المصنعة والمصدرة للخارج تعظم من الصناعة الوطنية وتزيد من الناتج المحلى والصادرات، ولهذا تسعى وزارة الصناعة حاليًا لتحديث الخريطة الاستثمارية الصناعية لمصر، وهو أمر مهم لأنه يعزز مناخ الاستثمار ويسهم فى جذب المزيد من رءوس الأموال الجديدة، خاصة مع إطلاق منصة مصر الرقمية الصناعية للتسهيل على المستثمرين وتقليل الإجراءات.

 

أخبار الساعة