رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

من مؤتمر «بون» إلى «COP30» بالبرازيل التمويل فى مواجهة الحقيقة المناخية


13-7-2025 | 19:54

.

طباعة
د. أحمد ماجد باحث فى شئون البيئة والسياسات الدولية

فى مدينة بون الألمانية، التى تعد المركز العملياتى للأمانة العامة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، انعقد مؤتمر SB62 ببون خلال الفترة من 16 إلى 26 يونيو 2025، وهو الاجتماع نصف السنوى للأجهزة الفنية التابعة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للمناخ (UNFCCC)، ويُعد هذا المؤتمر منصة تحضيرية أساسية تمهد الطريق أمام صناع القرار والمفاوضين لمؤتمر المناخ القادم «COP30» فى البرازيل. شهد المؤتمر حضورا دوليا لافتا ضم أكثر من 9,400 مشارك من 188 دولة، إلى جانب ممثلى 996 منظمة مراقبة غير حكومية و308 أعضاء من الإعلام والمجتمع المدنى، شاركت تحالفات قوية مثل G77+ الصين، دول الجنوب مثل AOSIS والـ LDC، ووفد قوى من الكتلة الإفريقية (AGN)، بقيادة الهند فى ملف تمويل المناخ.

حت شعار التقدم نحو التنفيذ، شهد المؤتمر مناقشات مكثفة حول التكيف، تمويل المناخ، الخسائر والأضرار، ونقل التكنولوجيا، وسط مطالب الدول النامية بتسريع الالتزامات، وتباطؤ ملحوظ من بعض الدول المتقدمة، وقد أكدت بيانات رسمية للأمم المتحدة فى البيان الختامى أن «الزخم لا يزال بعيدًا عن المستوى المطلوب»، وأن التفاوت بين الالتزامات والتطبيق «يهدد الهدف العالمى المتمثل فى حصر الاحترار عند 1.5 درجة مئوية”.

ضمن هذا السياق الدولى شديد التعقيد، جاءت مشاركتى فى إحدى الجلسات الرئيسية المعنونة بـ «Reflection Session – Building capacities for nationally determined financial sector development»، (بناء القدرات من أجل تطوير القطاع المالى المحدد وطنيًا) وهى جزء من ورش «حوار شرم الشيخ»، الذى تأسس ضمن مخرجات مؤتمر «COP27» بمصر، وقد ركزت الجلسة على قضية مفصلية للدول النامية: كيف نبنى قطاعًا ماليًا وطنيًا يمتلك القدرة على إدارة التحديات المناخية، والتفاعل مع آليات التمويل الدولية، دون أن يفقد هويته الاقتصادية أو استقلالية قراراته.

ما أثار اهتمامى هو تأكيد المتحدثين أن عملية بناء القدرات لا تعنى فقط تدريب الأفراد، بل تتطلب إصلاحًا هيكليًا للمؤسسات، ومواءمة السياسات المالية مع الأهداف المناخية من خلال أدوات مرنة وواقعية، تعكس خصوصية كل دولة. كما طُرحت تجارب واقعية من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بيّنت أن غياب النماذج المناخية الدقيقة والبيانات طويلة الأجل يمثل عائقًا جوهريًا أمام صياغة خطط مالية ذكية مناخيًا.

المناقشات اتفقت على أن التمويل المناخى لا يمكن فصله عن العدالة المناخية، فالمجتمعات الأكثر تضررًا غالبًا ما تكون الأقل وصولًا للموارد، وهو ما استدعى التأكيد على إدماج المجتمعات المحلية، والنساء، والسكان الأصليين فى خطط التكيّف من أجل حلول مستدامة وعادلة.

فى موازاة ذلك، لعب المجتمع المدني، خاصة من الشباب والمتطوعين وسفراء المناخ، دورًا لافتًا فى فعاليات المؤتمر، وقد شهدت جلسات «SB62» تواجدًا مصريًا مشرفًا من متطوعى المناخ وممثلى المبادرات المجتمعية التى نشأت بعد«COP27» فى شرم الشيخ. لم تكن المشاركة رمزية، بل مثّلت صوتًا حقيقيًا للميدان، حمل قضايا التعليم البيئي، وتمكين الفئات المهمشة، وربط خطط التنمية بالمناخ فى برامج واقعية قابلة للتطبيق. وطرحت الوفود الشبابية نماذج عن مشاريع مجتمعية منخفضة الكلفة عالية الأثر، داعية إلى تمويل مباشر للمبادرات المحلية، والاعتراف بدورها فى تنفيذ أهداف اتفاق باريس على الأرض. مثل هذه المشاركة تؤكد أن العمل المناخى لا ينحصر داخل الجدران الحكومية، بل هو منظومة متعددة المستويات، لا تكتمل دون إشراك الحلقات القاعدية فى المجتمع.

التقرير الختامى للأمانة التنفيذية لاتفاقية المناخ، بقيادة سيمون ستييل، حذّر من استمرار ما وصفه بـ«التنصل الضمني» من التزامات التمويل، خاصة فيما يتعلق بصندوق الخسائر والأضرار الذى لا يزال دون تمويل كافٍ، رغم إطلاقه رسميًا. كما نوّه التقرير إلى أن التكيف لا يزال الحلقة الأضعف فى هيكل العمل المناخي، داعيًا إلى ربطه مباشرة بالمنظومات المالية والسياسات الاقتصادية الكلية.

التوصيات الدولية الختامية تضمنت:

تسريع التمويل المناخى، خاصة لبرامج التكيّف والخسائر والأضرار، مع التركيز على التمويل الحكومى المباشر (قروض ومنح).

إصلاح صندوق الخسائر والأضرار وضمان توفير التمويل الكافى عبر منهج منظم وواضح.

تعزيز جمع وتحليل البيانات المناخية، واعتماد نماذج دقيقة لتقييم المخاطر طويلة الأمد.

ربط التكيف بالسياسات المالية الوطنية، عبر إنشاء منصات قطرية تشرك القطاعين العام والخاص.

تعزيز دور المجتمعات المحلية والنساء والسكان الأصليين فى تصميم وتنفيذ الحلول، بوصفهم من أكثر الفئات تضررًا.

الدعوة إلى تقديم المساهمات الوطنية المحدثة (NDCs) قبل«COP30»، بهدف تقييم مدى التقدم عالميًا وتكثيف الجهود وفق الحاجة.

التوجه نحو إصلاح آليات التفاوض وضبط حجم وكفاءة الوفود، لتفادى التباطؤ المرتبط بتعدد جدول الأعمال .

فتح قنوات تمويل جديدة، تشمل الدعم المالى الميسر، وحث الدول المتقدمة على تحمل مسئولياتها التاريخية.

بناء رؤية مستقبلية تستوعب الأبعاد التقنية، والتنموية، والاجتماعية، وتؤسس لعملية تدعم العمل الملموس وليس مجرد الخطط والالتزامات النظرية.

فى تقديري، تكشف هذه المشاركة بوضوح أن التمويل المناخى لم يعد ترفًا أو مجرد مسألة فنية تخوضها الوفود فى قاعات التفاوض، بل بات معركة تنموية وجودية. إن بناء قدرات الدولة على إدارة ملف المناخ لم يعد خيارًا، بل أصبح مسئولية وطنية تتقاطع مع أبعاد الأمن الاقتصادى والاجتماعى والبيئي. وعلى الرغم من الطابع الفنى لتلك اللقاءات، فإنها تمثل رافعة استراتيجية لإعادة تشكيل منظومة تمويل مناخى أكثر عدالة وفعالية وشمولاً.

 
 
 
 
 
    كلمات البحث
  • مؤتمر
  • بون
  • البرازيل
  • أحمد ماجد
  • COP30

أخبار الساعة

الاكثر قراءة