وأضاف «عبداللطيف»، أن«المدارس مزودة بمعامل حديثة، وشبكات إنترنت قوية، وكاميرات مراقبة تم تركيبها، لكن التحدى الحقيقى خلال السنوات الماضية كان يتمثل فى ضعف حضور الطلاب وانتظامهم داخل المدارس»، مضيفًا أن «الوزارة نجحت هذا العام فى إعادة طلاب الصفين الأول والثانى الثانوى إلى مقاعد الدراسة بانتظام»، مؤكّدًا أن «تطبيق نظام البكالوريا سيسهم بشكل كبير فى جذب الطلاب وتحفيزهم على الالتزام بالحضور».
وفيما يخص تفاصيل نظام شهادة البكالوريا، أوضح الوزير أن «الطالب يدرس فى الصف الأول الثانوى المواد العامة كما هو معمول به حاليًا، بينما يبدأ التخصص مع الانتقال إلى الصف الثانى الثانوى، حيث يختار الطالب أحد أربعة مسارات رئيسية تشمل الطب وعلوم الحياة، والهندسة والحاسبات، وقطاع الأعمال، والآداب والفنون، مع إمكانية التحويل بين المسارات من خلال تغيير مادتين فقط، وتظل هناك أربع مواد أساسية ثابتة لجميع الطلاب فى جميع التخصصات، وهى اللغة العربية، واللغة الأجنبية الأولى، والتاريخ المصرى، والتربية الدينية، بالإضافة إلى ثلاث مواد تخصصية بحسب المسار الذى يختاره الطالب».
وأكد الوزير أن الفلسفة الأساسية لهذا النظام تقوم على منح الطالب حرية اختيار مستقبله، بعيدًا عن الضغط المرتبط بنظام «الفرصة الواحدة»، موضحًا أن الطالب سيكون بإمكانه دخول الامتحان أكثر من مرة لتحقيق المستوى الذى يؤهله للالتحاق بالكلية التى يرغب بها.
كما أكد وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى أن نظام البكالوريا يهدف إلى تنويع مسارات التعليم الثانوى بما يتماشى مع معايير الجودة الدولية، ويواكب احتياجات سوق العمل المحلى والدولى، موضحًا أن النظام الجديد لن يكون مجرد بديل للثانوية العامة التقليدية، بل مسار تعليمى متكامل يركز على المهارات والكفاءة.
فى المقابل، عبّر عدد من الخبراء وأعضاء البرلمان عن تحفظهم على بعض المواد، مطالبين بالمزيد من الدراسة والمراجعة، والتأكيد على إشراك المتخصصين فى الصياغة النهائية، وبدأ الحديث فى هذا الإطار، محمد الغمرى، استشارى التنمية المهنية للمعلمين بوزارة التربية والتعليم، ومحاضر طرق التدريس، قائلًا إن «التعديلات التى عُرضت مؤخرًا على مجلس النواب بخصوص قانون التعليم أثارت الكثير من الجدل والنقاشات»، مضيفًا أن «ما تم عرضه ليس مشروع قانون جديد، بل هو تعديل على خمس عشرة مادة فى القانون الحالى، إضافة إلى حذف بعض الأجزاء من مواد أخرى لتعارضها مع هذه التعديلات».
وأضاف، أعتقد أن كثيرًا من الجدل والاعتراض جاء نتيجة عدم وضوح أو تعليل ما تم تعديله، وهو ما كان يمكن تفاديه بمزيد من التفسير والتوضيح للمضامين والأهداف»، مشيرًا إلى المادة السادسة، التى تنص فى جزء منها على إبقاء مادة التربية الدينية كمادة نجاح ورسوب خارج المجموع، ولكن باشتراط نسبة نجاح لا تقل عن 70 فى المائة.. هذا النص قد يثير تساؤلات مشروعة من جانب النواب والمهتمين بالتعليم؛ لماذا هذه النسبة العالية مقارنة ببقية المواد؟، وهل هناك بالفعل عدد كافٍ من المعلمين لشغل الحصص الدراسية؟، خصوصًا أنه لا يوجد مسمى رسمى لـ«معلم تربية دينية»، حيث يتم إسنادها عادة إلى معلمى مواد أخرى، وهو ما يشكل عبئًا إضافيًا على هؤلاء المعلمين»، هذا إلى جانب أن هناك تخوفات من أن يؤدى ذلك إلى «بزنس جديد» من الدروس الخصوصية، إذ قد يخشى بعض الطلاب الرسوب أو إعادة السنة.
وفى السياق، أكدت النائبة داليا الصادق، عضو لجنة التعليم والبحث العلمى بمجلس النواب، أن المشروع يحمل نوايا تطوير طموحة، لكنه لا زال يحتاج إلى الكثير من التدقيق المدروس، خاصة فيما يتعلق بآليات التقييم وتكافؤ الفرص والضوابط القانونية التى تضمن استقرار السياسات التعليمية على المدى الطويل، مشددةً على أهمية أن يكون الإصلاح التعليمى نابعًا من رؤية تشاركية تضع مصلحة الطالب أولًا، وتحترم دور المؤسسات الرقابية والتشريعية، مع توفير البيئة النفسية والاقتصادية الداعمة للأسرة المصرية.
من جانبه، أكد الدكتور عاصم حجازى، أستاذ علم النفس التربوى المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة، أن هناك العديد من الاعتراضات الجوهرية التى لم يتم التعامل معها بعد، رغم معالجة بعض النقاط فى التعديلات المقترحة، موضحًا أن مقترح إدخال مادة التربية الدينية ضمن المجموع الكلى أثار مخاوف بشأن تكافؤ الفرص، ما دفعه إلى اقتراح بديل يتمثل فى رفع درجة النجاح إلى 70 بدلًا من 50 فى المواد غير المضافة للمجموع، وقد تم تطبيق هذا المقترح فى التعديلات الخاصة بالتربية الدينية، إلا أنه لم يُعمم على باقى المواد المشابهة مثل اللغة الأجنبية الثانية.
كما انتقد «حجازى» آلية تطبيق فكرة تعدد فرص التقييم، رغم اتفاقه على أهميتها من حيث المبدأ، مؤكدًا أن تقسيم الامتحانات على فصلين دراسيين، والسماح بالدور الثانى فى حالات الضرورة مع الحفاظ على الدرجة الكاملة، هو الخيار الأكثر عدالة، مشددًا على ضرورة عدم تحميل الطلاب وأولياء الأمور أعباء مالية إضافية، خاصة أن بعض البنود المقترحة تعكس تمييزًا لصالح القادرين ماديًا، ما يقوض مبدأ العدالة التعليمية.
وأشار إلى خطورة منح الوزير صلاحية إجراء تعديلات جوهرية فى السياسات التعليمية دون العودة إلى البرلمان أو المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمى والابتكار، معتبرًا أن ذلك من شأنه تقليص دور المؤسسات الرقابية وتهميش الخبراء، الأمر الذى قد ينعكس سلبًا على استقرار النظام التعليمى وعلى الحالة النفسية للطلاب.
فى المقابل، أشاد الدكتور حسن شحاتة، الخبير التربوى وأستاذ المناهج وطرق التدريس، بالتوجه الجديد الذى تتبناه وزارة التربية والتعليم من خلال طرح نظام «البكالوريا المصرية» كخيار موازٍ لنظام الثانوية العامة التقليدى، معتبرًا أن هذه الخطوة تمثل نقلة نوعية تعكس فلسفة تعليمية حديثة تقوم على احترام التعددية والاختيار، وتستجيب لمتطلبات بناء الإنسان فى الجمهورية الجديدة.
وقال «شحاتة» إن المفاضلة بين نظامين للثانوية العامة ـ التقليدى والبكالوريا ـ تُعد توجهًا ديمقراطيًا غير مسبوق فى تاريخ التعليم المصرى، لأنها تتيح للطالب وولى الأمر حرية الاختيار بين نظامين مختلفين وفقًا للميول والقدرات والطموحات المستقبلية، مؤكدًا أن هذا التوجه يُظهر احترام الوزارة لكافة الآراء ويعكس نضجًا فى صنع القرار التربوى.
وأوضح أن نظام الثانوية العامة القائم حالياً، يعانى من عدة مشكلات جوهرية، أبرزها اعتماده على الحفظ والتلقين، ووضع مستقبل الطالب بالكامل على امتحان واحد دون إتاحة فرصة للتحسين، فضلًا عن كونه لا يُهيئ الطالب للمرحلة الجامعية من حيث التخصصات أو المهارات المطلوبة، ولا يواكب متغيرات سوق العمل أو يفتح المجال أمام برامج تعليمية جديدة.
وأضاف «شحاتة» نحن أمام نظام تقليدى لا يضع التعليم المصرى فى سياق المنافسة العلمية العالمية، ولا يُراعى احتياجات المستقبل، مشيرًا إلى أن البكالوريا المصرية جاءت لتتلافى تلك السلبيات السابقة والراهنة، من خلال مسارات متنوعة، ومناهج أكثر عمقًا وارتباطًا بالعلوم الحديثة، وتقييمات متعددة تعزز من فرص الطالب فى تحسين مستواه.
بدروه، أكد الدكتور تامر شوقى، الخبير التربوى، أن التعديلات المقترحة على قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981 تمثل خطوة جوهرية لتطوير المنظومة، وتأتى استجابة حقيقية لمتغيرات العصر واحتياجات المجتمع المصرى، بعد مرور أكثر من أربعة عقود على صدور القانون الأصلى.
وقال «شوقى» إن هذه التعديلات تستند إلى مبررات قوية، فى مقدمتها ضرورة مواءمة التشريعات التعليمية مع الدستور المصرى، مشيرًا إلى أن المادة الرابعة من القانون القديم اختزلت التعليم الإلزامى فى مرحلة التعليم الأساسى فقط، وهو ما يتعارض مع المادة 19 من الدستور التى تنص على أن التعليم حتى المرحلة الثانوية إلزامى، وقد جرى تعديل النص ليتسق مع هذا التوجه.
وأضاف أن المادة السادسة من القانون أيضًا كانت بحاجة إلى تعديل، إذ نصت فقط على أن التربية الدينية مادة أساسية فى جميع المراحل التعليمية، بينما أهملت مواد أخرى لا تقل أهمية فى بناء الهوية الوطنية مثل اللغة العربية والتاريخ، وقد تم تصحيح هذا الخلل لتصبح المواد الثلاث أساسية بدرجة نجاح 70 فى المائة دون احتساب درجاتها فى المجموع الكلى، حفاظًا على الهوية دون التأثير على فرص الطلاب فى التنسيق.
وأوضح «د.تامر» أن التعديلات الجديدة تُراعى التطور الذى يشهده التعليم فى مصر، وخاصة فى مجال التعليم التقنى والتكنولوجى، فى ظل التوسع الملحوظ بإنشاء مدارس التكنولوجيا التطبيقية، التى بلغ عددها 96 مدرسة، إلى جانب 10 جامعات تكنولوجية حتى الآن، وهو ما يستوجب تكييف القانون ليعكس هذه التحولات العصرية.
ومن بين الإيجابيات التى تضمنها التعديل، وفقًا لـ «شوقى»، إدخال مسميات أكثر دقة للمدارس الفنية، مثل «مدارس التعليم التقنى والتكنولوجى المتقدم» بدلاً من «المدارس الفنية المتقدمة»، بالإضافة إلى استحداث مسار جديد للتعليم الثانوى المهنى لمدة عام أو عامين، يُسهم فى تخريج فنيين مهرة فى تخصصات حيوية كادت تندثر مثل السباكة والحدادة والنجارة.
وفيما يخص نظام الثانوية العامة، أوضح «شوقى» أن التعديل يحافظ على النظام القائم منذ سنوات طويلة، لكنه فى الوقت نفسه يقترح نظامًا موازيًا أكثر تطورًا وهو نظام «البكالوريا المصرية»، الذى وصفه بأنه يمثل رؤية متقدمة لمستقبل التعليم فى مصر، وقال: البكالوريا المصرية ليست فقط بديلًا لنظام امتحان الفرصة الواحدة، لكنها نظام تعليم متكامل يقوم على تعدد المسارات، حيث يختار الطالب من بين أربعة مسارات (الطب وعلوم الحياة – الهندسة وعلوم الحاسب – إدارة الأعمال – الآداب والفنون)، وهو ما يُراعى تنوع ميول وقدرات الطلاب، ويرتبط بشكل مباشر باحتياجات سوق العمل المحلى والعالمى.
واختتم الدكتور تامر شوقى تصريحاته قائلًا إن «التعديلات المقترحة على قانون التعليم تمثل بداية حقيقية لإصلاح مستدام، يوازن بين الحفاظ على الهوية المصرية ومواكبة التطورات العالمية فى مجالات التعليم والرقمنة والتكنولوجيا».

