رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

د. عمرو صبحى.. خبير أمن المعلومات: الشاشات.. ساحات قتال


18-12-2025 | 09:37

.

طباعة
حوار: رانيا سالم

فى عصر الرقميات والذكاء الاصطناعى، لم تعد الحروب تقاس بالدبابات والصواريخ، بل بقدرة الأعداء على التسلل إلى عقول الشعوب، وتشويه وعيها، وزرع الشك والخوف بين المواطنين وقيادتهم. ما كان يُعتبر خيالًا علميًا أصبح واقعًا يهدد الدول من الداخل: الشائعات تصبح أسلحة، والفيديوهات المزيفة تُقنع ملايين، وخوارزميات التواصل الاجتماعى تُسخر لنشر التضليل بسرعة البرق.

فى هذا الحوار، يكشف د. عمرو صبحى، خبير أمن المعلومات والتحول الرقمي، أسرار حروب الجيل الخامس، ويشرح كيف تحولت الشاشات إلى ساحات قتال، وكيف أصبح الحفاظ على وعى المجتمع نفسه من أهم أدوات الدفاع عن الوطن.

 

 

بداية كيف يتم استغلال حروب الجيل الخامس فى هدم الشعوب والمجتمعات؟

حروب الجيل الخامس أو الحروب الإلكترونية ليست حروبًا تقليدية تُدار بالسلاح النارى، بل هى حروب تُدار بالمعلومات والوعى والإدراك، تهدف إلى تفكيك المجتمع من الداخل دون إطلاق رصاصة واحدة، فهى تعتمد على استغلال انفتاح المجتمعات رقميًا، ونشر الشائعات والأخبار المفبركة بسرعة البرق عبر منصات التواصل الاجتماعى، بالإضافة إلى الهجمات السيبرانية على البنية التحتية الحيوية، وصولًا إلى تزييف الوعى الجماعى من خلال عمليات التأثير المنهجية المنظمة، حتى استخدام الذكاء الاصطناعى لإنتاج فيديوهات وتسجيلات صوتية مزيفة تبدو حقيقية 100فى المائة.

لهذا فهذه الحروب هى أشد فتكًا بكثير من الحروب التقليدية، لأن الحرب التقليدية تدمر حجارة يمكن إعادة بنائها، أما حروب الجيل الخامس فتدمر شعبًا بأكمله، فهى تدمر الثقة بين المواطن ودولته، وبين المواطنين أنفسهم، وهذا الدمار قد يستغرق أجيالًا للشفاء منه، لأنها تؤثر على الوعى والتصورات البشرية والإدراك والرأى العام والسلوك الاجتماعى، عبر وسائل متعددة من الإعلام التقليدى إلى وسائل التواصل الاجتماعى، لتدخل تقنيات الذكاء الاصطناعى للتلاعب بالمعلومات، وهو ما يصعب تغييره بسهولة، وتحديدًا فى العالم الرقمى الذى يتيح دمج كافة الآليات لتكوين صورة مُشوَّهة أو مُضللة عن الواقع، تنجح هذه الصورة فى أن تُؤثر فى قرارات الأفراد، والجماعات، وتوجهاتهم السياسية والاجتماعية.

وحروب الجيل الخامس لا تكون فى مكان واحد أو ساحة معركة معروفة، حتى أنها ليست محصورة فى منطقة جغرافية واحدة، بل إنها تتسع لتشمل شبكات المعلومات العالمية، فتتداخل الدول والأقاليم والمصالح الاقتصادية والجهات الفاعلة غير الحكومية فى عمليات معقدة من الاستهداف والتأثير.

ما أبرز الأمثلة لحروب الجيل الخامس؟

استُخدمت هذه الأسلحة فى التدخل المزعوم بانتخابات الرئاسة الأمريكية بين المرشحين وقتها دونالد ترامب وهيلارى كلينتون فى 2016، وفى إثارة الفتن الطائفية فى دولة البلقان، وفى حملات منظمة استهدفت دولًا عربية خلال ما سُمى بالربيع العربى، حيث انقسمت شعوب بأكملها بسبب فيديوهات ومنشورات تبيّن لاحقًا أنها مفبركة بالكامل.

ففى حروب الجيل الخامس التى وجهت ضد المنطقة العربية تم تدفق كم ضخم من المعلومات المغرضة والمفبركة، واتخذت من وسائل الإعلام الإلكترونية موضوعًا، لتنتقل بعدها للإعلام التقليدى، وزادت معدلات الأخبار الزائفة عبر المنصات المختلفة.

ونجحت منصات التواصل الاجتماعى فى الترويج لمعلومات بصورة مكثفة ومستمرة، وبوسائط متعددة شملت الفيديوهات والمنشورات والصور والنقاشات، ليصبح المستخدم محاطًا بسيل متواصل من المحتوى الموجّه. ولم يقتصر هذا الاستهداف على القضايا الوطنية الحساسة فحسب، بل امتد إلى القضايا الاجتماعية، بهدف واحد يتمثل فى إضعاف المجتمعات نفسيًا وزعزعة ثقتها بقيادتها وبانتماءاتها الدينية أو القومية أو السياسية.

وقد لعبت هذه الحروب دورًا محوريًا فى تغذية الانقسامات المجتمعية على اختلاف أشكالها، تمهيدًا لهدم الدول من الداخل، وتحويلها إلى ساحات صراع مفتوحة بين أبناء المجتمع الواحد فى مختلف المجالات، عبر تضليل الرأى العام وإرباك الشعوب بشأن مصادر المعلومات الموثوقة والمرجعيات الرسمية.

دور منصات التواصل الاجتماعى والتكنولوجيا المتطورة التى جرى استخدامها كان توليد محتوى مرئى (صوت وصوة) مقنع بشكل أسرع، لتأتى بعدها دور الخوارزميات «أهل الشر» إذا جاز تسميتها لتلعب دورًا أكبر فى نشر هذه المحتويات بشكل كثيف وسريع على منصات التواصل الاجتماعى.

كيف تأثرت الدولة المصرية من هذ الحروب؟

للأسف كان لهذه الحروب تداعيات كثيرة على الدولة المصرية، منها على سبيل المثال لا الحصر، أنها خلقت حالة من فقدان الثقة بالمؤسسات الإعلامية المحلية، وخلقت حالة من عدم المصداقية مع الجهات الرسمية، بسبب شيوع الروايات المتناقضة بشكل مكثف ومستمر وعبر روايات متنوعة، فى الوقت ذاته كانت هناك تأثيرات للأخبار الكاذبة والمفبركة، فأحدثت اضطرابات اقتصادية واجتماعية، وهذا أثر على القرارات الاستثمارية والسلوك الاستهلاكى، وزاد من التوتر الاجتماعى، ونتيجة لذلك زادت حدة الانقسامات، وانعكس ذلك فى زيادة العنف الكلامى، وتآكل الخطاب المدنى، والحوار الديمقراطى حول القضايا الوطنية، وهذا كله تسبب فى خلق تهديدات للأمن القومى غير تقليدية لأن هذه التهديدات تتجه نحو استنزاف الموارد الاجتماعية وتفكيك نسيج المجتمع.

وتعرضت الدولة المصرية منذ 2011 ولا تزال تتعرض حتى اليوم إلى حملات شرسة ومنظمة؛ لم تستهدف فقط الجيش والشرطة والاقتصاد والقيادة السياسية ولكنها استهدفت كل ركائز الدولة، فكانت هناك محاولات مستمرة ومتلاحقة ودون توقف لاختراق المؤسسات الحيوية، عبر شائعات يومية تهدف إلى إحباط المواطن وإضعاف ثقته فى دولته، لكن مصر نجحت – ولا تزال تنجح – فى الصمود بفضل ركائز ثلاث وهى وعى القيادة السياسية المبكر بالخطر، وإصرارها على بناء قدرات وطنية قوية فى الأمن السيبرانى قادرة على حماية أمن مصر القومى بكافة سبل التكنولوجيا الحديثة، وتطوير منظومة رصد وتحليل المحتوى الرقمى، وفى الوقت ذاته عملت على حملات توعوية من أجل تماسك الشعب المصرى، ورفضه للشائعات، ونجحت فى الرد على الشائعات بالمعلومات الرسمية السريعة والموثوقة عبر المركز الإعلامى لمركز الوزراء ومركز دعم المعلومات التابع لمجلس الوزراء والذى تصدى للشائعات وعرضها وجاورها بالمعلومة الصحيحة.

أخبار الساعة