يُعد الفنان الروسي الألماني فاسيلي كاندينسكي أحد أبرز رواد الفن التجريدي في القرن العشرين، حيث جمع بين الإحساس الموسيقي العميق وفن الرسم التشكيلي ليبتكر لغة بصرية جديدة تتجاوز الواقع الطبيعي، رحلة كاندينسكي الفنية حملت طابعًا استكشافيًا ومغامرًا بين روسيا وأوروبا وشمال إفريقيا، وأسست لجماعات فنية شكلت نقلة نوعية في تاريخ الفن الحديث، من أبرزها جماعة "الفارس الأزرق".
وُلِد فاسيلي كاندينسكي في 16 ديسمبر 1866م في موسكو، وعمل في شبابه لدى إحدى الشركات المختصة بالإحصاء في المقاطعات الريفية، حيث أعد دراسة شاملة عن الفلاحين في مقاطعة فلوغدا بنجاح، مما أهله للانضمام إلى الهيئة الإدارية للشركة ومواصلة مساره الأكاديمي لاحقًا.
في عام 1892، اجتاز كاندينسكي امتحانات كلية الحقوق بنجاح، والتقى خلالها بزوجته آنية تشمياكين، التي كانت تدرس في القسم الخارجي من نفس الجامعة.
مع نهاية القرن التاسع عشر، وجد كاندينسكي نفسه أمام خيار مصيري بين الاستمرار في المسار الأكاديمي كأستاذ بجامعة Tartu أو الانطلاق في عالم الفن الذي كان ينبض في داخله.
تأثره بلوحة كومة القش لمونيه واستماعه لموسيقى فاجنر شكلا لحظتين فارقتين في حياته، مما عزز إيمانه بأن الفن هو قدره الحقيقي.
قرر كاندينسكي التخلي عن المسار الأكاديمي والانطلاق في رحلة الفن التشكيلي، التي جعلته أحد أبرز رواد الفن التجريدي.
هاجر إلى ألمانيا عام 1896 ليستقر في ميونخ ويدرس في أكاديمية الفنون الجميلة، وعاد إلى موسكو بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914، كما قام برحلات استكشافية فنية إلى إيطاليا، هولندا، وشمال إفريقيا، وأقام أول معرض منفصل له عام 1902، وعرض أعماله لاحقًا في صالون الخريف بباريس.
في ميونخ، اعتمد كاندينسكي على طباعة الخشب لتصميم أعماله الغرافيكية، مثل لوحة «المغنية» عام 1903، التي جسدت العلاقة بين الموسيقى والرسم من خلال الخطوط الطولانية والألوان المبتكرة، مؤكدًا ارتباط الإحساس الموسيقي بالإبداع البصري.
عام 1911، أسس كاندينسكي مع صديقه فرانتس مارك حركة تشكيلية جديدة عُرفت باسم «الفارس الأزرق»، وسُميت بهذا الاسم لتقدير حبهما للون الأزرق، إضافة إلى شغف مارك برسم الخيول وكاندينسكي برسم الفرسان.
انضم كاندينسكي عام 1921 إلى مدرسة باوهاوس في ألمانيا، قبل أن يغلقها النازيون عام 1933، فانتقل إلى فرنسا حيث عاش حتى نهاية حياته، وأصبح مواطنًا فرنسيًا عام 1939.
رحل عن عالمنا في نويي سور سين الفرنسية في 13 ديسمبر 1944 عن عمر يناهز 78 عامًا، تاركًا إرثًا فنيًا شكل حجر الأساس للفن التجريدي الحديث.