الفن فى المعركة..
حكايات الفنانين والأدباء على الجبهة
حيث يسلط الكتاب الضوء على أعداد مجلة ثقافية وفنية نادرة يعود تاريخها لما يقرب من 55 عاما عُرفت باسم مجلة «الفن فى المعركة»، التى كانت تصدر عن دار الهلال كباب فى مجلة الكواكب أو كمجلة داخل مجلة كما أسمتها الكواكب تحديدا آنذاك.
وهى المجلة التى أسندت مسئولية تحريرها للفنانة نادية لطفى وكتب بها نخبة من أبرز نجوم الفن والأدب، فى مقدمتهم نجيب محفوظ ويوسف السباعى ويوسف إدريس وأمين الهنيدى وعادل إمام ورشدى أباظة، وهى المجلة التى صدر منها 13 عددا، صدر العدد الأول منها فى 8 يوليو 1969 بينما صدر العدد الأخير فى 14 أكتوبر من العام ذاته، وعنيت المجلة بتوثيق زيارات الفنانين والأدباء والمثقفين إلى الجبهة ومقابلة الجنود هناك، وهى الزيارات التى نظمتها الدكتورة حكمت أبو زيد مقررة لجنة الفنون والآداب باللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى وقتها، وهى الجولات التى بدأت فى 18 مايو 1969.
ينتظم محتوى الكتاب فى مقدمة وثمانية فصول وخاتمة أشفعها المؤلف بملحقين للصور، يوضح المؤلف فى المقدمة مغزى الكتاب وعنوانه وفصوله، ويسرد بها حقيقة مجلة «الفن فى المعركة» وتاريخها، وكيف شكل الأدباء والفنانون جبهة للإبداع لتقف فى مساندة جبهة السلاح والقتال. وكيف أثبتت المجلة التى يصفها «ريان» بالتجربة الرائدة أهمية القوى الناعمة ممثلة فى القلم والريشة والأغنية والمشهد السينمائى فى تشكيل الوعى ورفع الروح المعنوية للشعب. وكيف كان لمثل هذه المجهودات فى مجال الفن والثقافة وغيرها من المجالات أثرها فيما بعد، ليكون نصر أكتوبر هو محصلة لسنوات من العمل الجاد والتضحيات المهمة فى مختلف المجالات.
عنْوَن «ريان» الفصل الأول من كتابه بـ «البداية والنهاية»، وفيه يسرد الكاتب وقائع مبادرة د. حكمت أبو زيد لتنظيم رحلات للفنانين والمثقفين لزيارة الجبهة، والتى بدأت بزيارة لمدينة السويس ومن بعدها بورسعيد وبورفؤاد، وقدم عرضا لكلمة د. حكمت، والتى وضحت بها المغزى من زيارات الجبهة قائلة «يسعدنا أن نحج إلى هذا المكان المقدس؛ ليحس كل منا بهذه القيم النضالية التى يعيشها جنودنا على خط المواجهة جنبا إلى جنب مع أهالى محافظات القناة».
فى الفصل الثانى من الكتاب «مصر والعالم سنة 1969» يوجز المؤلف أهم الأحداث العالمية والمحلية التى حدثت فى عام 1969، والتى كان فى مقدمتها إرسال أول إنسان إلى سطح القمر؛ وصولا إلى أهم حدث مصرى فى ذلك العام وهو استشهاد الفريق عبد المنعم رياض فى شهر مارس 1969، ومن رصد أبرز الوقائع العسكرية خلال حرب الثلاث سنوات ينتقل «ريان» ليرصد أحوال الثقافة المصرية فى العام ذاته، والتى كان من أهم إنجازاتها افتتاح معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الأولى وعرض بيان وزير الثقافة وقتها د. ثروت عكاشة؛ موضحا دور وزارة الثقافة فى حرب الاستنزاف ووعيها الشديد بدور الأدباء والمثقفين فى تلك الحرب، وكيفية التعايش الحقيقى بين حملة السلاح وحملة القلم، وينتقل «ريان» من رصد الواقع الثقافى إلى رصد الوقائع الفنية فى هذا العام وطرح أبرز أفلام الموسم الفنى لسنة 1969 والتى جاء فى مقدمتها «شىء من الخوف» و«الأرض» و«ميرامار» و«أبى فوق الشجرة» و«نائب فى الأرياف».
يمكن القول إن الفصلين الأولين للكتاب هما عرض تمهيدى له، وإن فكرة الكتاب الرئيسة تبدأ من الفصل الثالث والذى جاء بعنوان «الفن فى المعركة.. كنز ثقافى مجهول»، وبه شرح وافٍ ومفصل عن مجلة الفن فى المعركة؛ حيث عرض المقال الافتتاحى للعدد بقلم د. حكمت أبو زيد ومقال نادية لطفى والكاتب الكبير أحمد بهاء الدين وغيرهم. ثم تطرق الكاتب لعرض الشكل العام الذى ظهرت به المجلة وسياستها التحريرية، فعرض شعارها الممثل فى جندى وفتاة مع قلم وبندقية، بالإضافة إلى عرض المواد المقدمة بها كالأخبار والمقالات والحوارات والإعلاناتـ وعرض مساهمات الفنانين فى الدعم المادى للمجهود الحربى، وعرض «ريان» قائمة تفصيلية بأعداد المجلة وأسماء المشاركين بها فى كل عدد على حدة.
يفرد الكاتب الفصل الرابع من كتابه للحديث عن الفنانة نادية لطفى، وهو الفصل الذى اختار له عنوان «الكاتبة نادية لطفى»، وفيه يعرض السيرة الذاتية للفنانة الراحلة وكيف اتخذت من زملائها فى الفن مادة تحريرية لمجلتها الجديدة، وهو ما وثقته مجلة آخر ساعة فى أحد أعدادها، والذى عرضه المؤلف من ضمن وثائق الكتاب. وكيف التزمت الفنانة بكتابة مقال ثابت فى نهاية صفحات المجلة بعنوان همسة.
وعرض المؤلف فى الفصل ذاته عرضا موجزا لبعض ما نشر فى المجلة، ومنها خطاب أرسلة جندى معجب بالفنانة نادية لطفى إلى المجلة، كما عرض بطاقة معايدة كتبتها الفنانة الراحلة بمجلة الكواكب مع نهاية عام 1969 وبدايات عام 1970 والتى هنأت بها أبناء مصر متمنية لهم الانتصار، بينما انشغل الفنانون الآخرون بتهنئة أهلهم وزوجاتهم بمناسبة العام الجديد.
يضم الفصل الخامس والذى عنونه «ريان» بـ«أدباء وفنانون على الجبهة» عرضا لمجموعة من المقالات والحوارات التى كتبها الفنانون والأدباء بالمجلة، وكان فى مقدمتها حوار الأديب العالمى نجيب محفوظ مع أحد جنود الجبهة والذى كان يدعى بمحمد حميدة، كما عرض مقالا للأديب يوسف إدريس يدور حول رحلات الأخير للجبهة ومن ثم لقائه بواحد من الجنود القناصة.
إلا أن أبرز مفاجآت المجلة التى عرضها المؤلف هو مقال للفنان الراحل عبد الحليم حافظ والذى عرضه الكاتب كاملا فى كتابه. وضم هذا الفصل مجموعة ضخمة من المقالات والحوارات للفنانين والأدباء فى مقدمتهم يحيى حقى وعبد الرحمن الأبنودى وسعاد حسنى وعادل إمام وابن السويس محمد أحمد غزالى شاعر المقاومة الشعبية بحرب الاستنزاف.
جاء الفصل السادس من الكتاب بعنوان «رسائل إلى الجنود على الجبهة»، وعرض فيه الكاتب كما يدل العنوان رسائل الفنانين التى نُشرت بالمجلة إلى الجنود على الجبهة، وكان فى مقدمة هؤلاء الفنانين هدى سلطان ومرفت أمين وحسن يوسف وسهير المرشدى التى وثقت ثقتها فى الجنود وفى النصر قائلة «يا أسودنا البواسل إن ما تصنعونه من بطولات سينتهى بنا إلى النصر.»
اختار الكاتب عنوان «النضال بالريشة والقلم» للفصل السابع من كتابه، وبه قدم عرضا للفنانين التشكيليين ورسامى الكاريكاتير، الذين ساهموا بالمجلة بريشتهم أمثال الفنان الكبير بيكار وجورج بهجورى ورمسيس وعبد السميع عبد الله وعزت الأمير ومجدى نجيب، وعرض جزءا من أعمالهم ومنها لوحة فنية أهدتها الفنانة جاذبية سرى للمجلة بعنوان (النصر يحلق فوق القاهرة الجميلة).
وجاء الفصل الأخير من الكتاب بعنوان «بيان تاريخى ونهاية درامية»، وفيه عرض بيان الكتاب والفنانين والأدباء الذى نشر فى آخر أعداد المجلة الصادر بتاريخ 14 أكتوبر 1969 وهو البيان الذى ندد بالاعتداء على المسجد الأقصى ووقع عليه 164 فردا من الفنانين والأدباء، وقد عرض قائمة كاملة بأسمائهم كما جاء فى عدد المجلة.
واختتم الكاتب حديثه بأبرز ما لفت انتباهه أثناء مطالعة أعداد المجلة مثل إهداء نسخ كتب للأبطال على الجبهة وإسهامات ومساعدات الشركات الكبرى، ثم ذكر آخر جملة كُتبت بالمجلة بعددها الأخير وهى الآية الكريمة (وإن جندنا لهم الغالبون)، فرأى المؤلف أن هذه الآية «وكأنها إشارة إلى أن الكرة الآن فى ملعب الجنود والنصر قريب بإذن الله، وهو ما حدث بعدها بسنوات قليلة يوم السادس من أكتوبر المجيد».