رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الخيال العلمى بين «حرب العوالم» و«أكتوبر»


3-11-2025 | 14:38

.

طباعة
بقلم: د. عطيات أبوالعينين

حين كتب هربرت جورج ويلز روايته «حرب العوالم» عام 1898، لم يكن يكتب عن غزو فضائى فحسب، بل عن صراع أعمق بين الإنسان وغروره العلمي. ففى زمن انبهرت فيه أوروبا بالآلة والتكنولوجيا، تخيّل ويلز كائنات من المريخ تهبط إلى الأرض لتغزوها، فينعكس المشهد: المتمدّن يصبح مستعمَرًا، والغازى القديم يصير فريسة. ومن هنا، تحولت الرواية إلى حجر الزاوية فى أدب الخيال العلمى الذى يختبر وعى الإنسان وحدود إنسانيته.

 

المريخيون فى الرواية ليسوا وحوشًا بالمعنى الحيوانى، بل رموزٌ للعقل المنفصل عن الضمير. إنهم يملكون العلم الخالص بلا أخلاق، والقوة المجردة بلا رحمة، بينما البشر فى المقابل يتخبطون فى ضعفهم وفوضاهم، غير قادرين على توحيد صفوفهم أو مواجهة الخطر الكونى. وحين ينهار كل شيء، تكون الطبيعة -لا الجيوش- هى التى تحسم المعركة، حين تُهلك المريخيين بأبسط عناصرها: الميكروبات. هنا تبرز المفارقة التى بنى عليها ويلز فلسفته: أن الغرور البشرى هو نقطة ضعفه الكبرى، وإن الكائن الذى يظن نفسه سيد الكون قد يهزمه ما لا يُرى.

أما من حيث البنية الفنية، فقد صاغ ويلز عمله بلغة تمزج بين التقرير العلمى والتصوير الدرامى، فجعل من الأحداث العلمية المتخيلة تجربة وجودية. الراوى المجهول يعيش بين الخوف والفضول، والكاهن يرمز إلى انهيار الإيمان أمام الكارثة، والجندى يجسّد الغريزة الباقية للبقاء. الرواية لا تكتفى بوصف الغزو، بل تكشف سقوط المعنى أمام قوة لا تُقاوَم، وتعيد تعريف «الحرب» باعتبارها امتحانًا للوعى قبل أن تكون صراعًا للسلاح.

هذه الحرب الخيالية التى دارت فى صفحات ويلز وجدت صداها الواقعى فى حرب أكتوبر 1973، حيث تكرّر المشهد نفسه بصورة مادية: طرفٌ يمتلك التفوق العلمى والتكنولوجى، وآخر يعتمد على الإيمان والإرادة والوعى بالهدف. فالمريخيون فى الرواية يشبهون إسرائيل فى لحظة الغرور والاعتقاد بالتفوّق المطلق، بينما يقف الإنسان الأرضى مثل الجندى المصرى، محدود الوسائل، لكنه مفعم باليقين. وكما هُزم المريخيون بقدرة الطبيعة التى لا تُقهر، هُزمت أسطورة «الجيش الذى لا يُقهر» بقوة الإنسان الذى استعاد وعيه وكرامته.

ولقد جمع بين الحربين «حرب ويلز الخيالية» وحرب «أكتوبر الواقعية» رابطٌ رمزى واحد: الأولى كشفت أن التقدّم العلمى بلا إنسانية يقود إلى الفناء، والثانية أثبتت أن الإرادة الواعية تستطيع قلب موازين التاريخ. فى كلتيهما ينتصر «الإنسان» حين يتصالح مع طبيعته، ويهزم حين يتوهّم أنه تجاوزها.

وأهم مميزات الرواية أنها سبقت عصرها بقرن كامل، فطرحت لأول مرة فكرة الغزو الفضائى وصراع الحضارات الكونية. وقدمت الخيال العلمى كأداة للتفكير الأخلاقى لا للتسلية، فجعلت من الرعب وسيلة للتأمل فى معنى الحضارة. كما تتميز بلغة دقيقة، متماسكة البناء، وسردٍ يخلق توترًا متصاعدًا من الدهشة إلى الرعب إلى الفلسفة. وقدرة ويلز على الجمع بين المشهد العلمى والتحليل النفسى جعلت العمل نموذجًا لرواية الفكرة الكبرى.

أما أوجه القصور فتتمثل فى ضعف البناء العاطفى للشخصيات الثانوية، التى بدت رموزًا أكثر منها كائنات حية، وفى النهاية المفاجئة التى جعلت الهزيمة بالميكروبات تبدو تبسيطًا مفرطًا رغم رمزيتها العميقة. كذلك يلاحظ النقاد أن الرواية انشغلت بالعقل على حساب الإحساس، فجاءت باردة أحيانًا كالمختبر الذى وُلدت فيه.

ومع ذلك، تبقى «حرب العوالم» نصًا مؤسسًا للخيال العلمى الفلسفى، يجمع بين علم الفلك وأخلاق الوجود. وإذا كان ويلز قد حذّر من علمٍ بلا ضمير، فإن حرب أكتوبر قدّمت الرد الواقعي: أن الضمير الواعى هو السلاح الأصدق فى وجه الغطرسة. فى الحالتين ينتصر مَن يحمل الوعى، لا مَن يحمل السلاح.

تضعنا الرواية، كما تضعنا الحرب، أمام سؤال واحد يتجاوز الزمان والمكان: من يستحق البقاء؟ ويلز أجاب بأن الطبيعة تختار الأقدر على التوازن بين القوة والرحمة، والتاريخ أجاب بأن الإنسان الذى يعرف ذاته يستطيع أن يهزم المستحيل. بين حرب المريخيين وحرب أكتوبر، يمتد خيط واحد من الخيال إلى الواقع، يقول إن الحضارة لا تُقاس بما نملك من آلة، بل بما نحمله من وعى.

الفن فى المعركة..

حكايات الفنانين والأدباء على الجبهة

 

يشكل كتاب «الفن فى المعركة.. حكايات الفنانين والأدباء على الجبهة» الصادر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب لمؤلفه محمد سيد ريان إضافة وافية وهامة فيما يخص الأعمال الاستقصائية البحثية للأرشيف الثقافى والفنى معا. ففى هذا الكتاب يرصد الكاتب رد فعل ومجهودات ملموسة من قطاع محدد من المجتمع المصرى تجاه مجابهة هزيمة 67 وهو قطاع أهل الفن والثقافة بمختلف توجهاتهم،

تقرير : نورا محمد

 
 

حيث يسلط الكتاب الضوء على أعداد مجلة ثقافية وفنية نادرة يعود تاريخها لما يقرب من 55 عاما عُرفت باسم مجلة «الفن فى المعركة»، التى كانت تصدر عن دار الهلال كباب فى مجلة الكواكب أو كمجلة داخل مجلة كما أسمتها الكواكب تحديدا آنذاك.

وهى المجلة التى أسندت مسئولية تحريرها للفنانة نادية لطفى وكتب بها نخبة من أبرز نجوم الفن والأدب، فى مقدمتهم نجيب محفوظ ويوسف السباعى ويوسف إدريس وأمين الهنيدى وعادل إمام ورشدى أباظة، وهى المجلة التى صدر منها 13 عددا، صدر العدد الأول منها فى 8 يوليو 1969 بينما صدر العدد الأخير فى 14 أكتوبر من العام ذاته، وعنيت المجلة بتوثيق زيارات الفنانين والأدباء والمثقفين إلى الجبهة ومقابلة الجنود هناك، وهى الزيارات التى نظمتها الدكتورة حكمت أبو زيد مقررة لجنة الفنون والآداب باللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى وقتها، وهى الجولات التى بدأت فى 18 مايو 1969.

ينتظم محتوى الكتاب فى مقدمة وثمانية فصول وخاتمة أشفعها المؤلف بملحقين للصور، يوضح المؤلف فى المقدمة مغزى الكتاب وعنوانه وفصوله، ويسرد بها حقيقة مجلة «الفن فى المعركة» وتاريخها، وكيف شكل الأدباء والفنانون جبهة للإبداع لتقف فى مساندة جبهة السلاح والقتال. وكيف أثبتت المجلة التى يصفها «ريان» بالتجربة الرائدة أهمية القوى الناعمة ممثلة فى القلم والريشة والأغنية والمشهد السينمائى فى تشكيل الوعى ورفع الروح المعنوية للشعب. وكيف كان لمثل هذه المجهودات فى مجال الفن والثقافة وغيرها من المجالات أثرها فيما بعد، ليكون نصر أكتوبر هو محصلة لسنوات من العمل الجاد والتضحيات المهمة فى مختلف المجالات.

عنْوَن «ريان» الفصل الأول من كتابه بـ «البداية والنهاية»، وفيه يسرد الكاتب وقائع مبادرة د. حكمت أبو زيد لتنظيم رحلات للفنانين والمثقفين لزيارة الجبهة، والتى بدأت بزيارة لمدينة السويس ومن بعدها بورسعيد وبورفؤاد، وقدم عرضا لكلمة د. حكمت، والتى وضحت بها المغزى من زيارات الجبهة قائلة «يسعدنا أن نحج إلى هذا المكان المقدس؛ ليحس كل منا بهذه القيم النضالية التى يعيشها جنودنا على خط المواجهة جنبا إلى جنب مع أهالى محافظات القناة».

فى الفصل الثانى من الكتاب «مصر والعالم سنة 1969» يوجز المؤلف أهم الأحداث العالمية والمحلية التى حدثت فى عام 1969، والتى كان فى مقدمتها إرسال أول إنسان إلى سطح القمر؛ وصولا إلى أهم حدث مصرى فى ذلك العام وهو استشهاد الفريق عبد المنعم رياض فى شهر مارس 1969، ومن رصد أبرز الوقائع العسكرية خلال حرب الثلاث سنوات ينتقل «ريان» ليرصد أحوال الثقافة المصرية فى العام ذاته، والتى كان من أهم إنجازاتها افتتاح معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الأولى وعرض بيان وزير الثقافة وقتها د. ثروت عكاشة؛ موضحا دور وزارة الثقافة فى حرب الاستنزاف ووعيها الشديد بدور الأدباء والمثقفين فى تلك الحرب، وكيفية التعايش الحقيقى بين حملة السلاح وحملة القلم، وينتقل «ريان» من رصد الواقع الثقافى إلى رصد الوقائع الفنية فى هذا العام وطرح أبرز أفلام الموسم الفنى لسنة 1969 والتى جاء فى مقدمتها «شىء من الخوف» و«الأرض» و«ميرامار» و«أبى فوق الشجرة» و«نائب فى الأرياف».

يمكن القول إن الفصلين الأولين للكتاب هما عرض تمهيدى له، وإن فكرة الكتاب الرئيسة تبدأ من الفصل الثالث والذى جاء بعنوان «الفن فى المعركة.. كنز ثقافى مجهول»، وبه شرح وافٍ ومفصل عن مجلة الفن فى المعركة؛ حيث عرض المقال الافتتاحى للعدد بقلم د. حكمت أبو زيد ومقال نادية لطفى والكاتب الكبير أحمد بهاء الدين وغيرهم. ثم تطرق الكاتب لعرض الشكل العام الذى ظهرت به المجلة وسياستها التحريرية، فعرض شعارها الممثل فى جندى وفتاة مع قلم وبندقية، بالإضافة إلى عرض المواد المقدمة بها كالأخبار والمقالات والحوارات والإعلاناتـ وعرض مساهمات الفنانين فى الدعم المادى للمجهود الحربى، وعرض «ريان» قائمة تفصيلية بأعداد المجلة وأسماء المشاركين بها فى كل عدد على حدة.

يفرد الكاتب الفصل الرابع من كتابه للحديث عن الفنانة نادية لطفى، وهو الفصل الذى اختار له عنوان «الكاتبة نادية لطفى»، وفيه يعرض السيرة الذاتية للفنانة الراحلة وكيف اتخذت من زملائها فى الفن مادة تحريرية لمجلتها الجديدة، وهو ما وثقته مجلة آخر ساعة فى أحد أعدادها، والذى عرضه المؤلف من ضمن وثائق الكتاب. وكيف التزمت الفنانة بكتابة مقال ثابت فى نهاية صفحات المجلة بعنوان همسة.

وعرض المؤلف فى الفصل ذاته عرضا موجزا لبعض ما نشر فى المجلة، ومنها خطاب أرسلة جندى معجب بالفنانة نادية لطفى إلى المجلة، كما عرض بطاقة معايدة كتبتها الفنانة الراحلة بمجلة الكواكب مع نهاية عام 1969 وبدايات عام 1970 والتى هنأت بها أبناء مصر متمنية لهم الانتصار، بينما انشغل الفنانون الآخرون بتهنئة أهلهم وزوجاتهم بمناسبة العام الجديد.

يضم الفصل الخامس والذى عنونه «ريان» بـ«أدباء وفنانون على الجبهة» عرضا لمجموعة من المقالات والحوارات التى كتبها الفنانون والأدباء بالمجلة، وكان فى مقدمتها حوار الأديب العالمى نجيب محفوظ مع أحد جنود الجبهة والذى كان يدعى بمحمد حميدة، كما عرض مقالا للأديب يوسف إدريس يدور حول رحلات الأخير للجبهة ومن ثم لقائه بواحد من الجنود القناصة.

إلا أن أبرز مفاجآت المجلة التى عرضها المؤلف هو مقال للفنان الراحل عبد الحليم حافظ والذى عرضه الكاتب كاملا فى كتابه. وضم هذا الفصل مجموعة ضخمة من المقالات والحوارات للفنانين والأدباء فى مقدمتهم يحيى حقى وعبد الرحمن الأبنودى وسعاد حسنى وعادل إمام وابن السويس محمد أحمد غزالى شاعر المقاومة الشعبية بحرب الاستنزاف.

جاء الفصل السادس من الكتاب بعنوان «رسائل إلى الجنود على الجبهة»، وعرض فيه الكاتب كما يدل العنوان رسائل الفنانين التى نُشرت بالمجلة إلى الجنود على الجبهة، وكان فى مقدمة هؤلاء الفنانين هدى سلطان ومرفت أمين وحسن يوسف وسهير المرشدى التى وثقت ثقتها فى الجنود وفى النصر قائلة «يا أسودنا البواسل إن ما تصنعونه من بطولات سينتهى بنا إلى النصر.»

اختار الكاتب عنوان «النضال بالريشة والقلم» للفصل السابع من كتابه، وبه قدم عرضا للفنانين التشكيليين ورسامى الكاريكاتير، الذين ساهموا بالمجلة بريشتهم أمثال الفنان الكبير بيكار وجورج بهجورى ورمسيس وعبد السميع عبد الله وعزت الأمير ومجدى نجيب، وعرض جزءا من أعمالهم ومنها لوحة فنية أهدتها الفنانة جاذبية سرى للمجلة بعنوان (النصر يحلق فوق القاهرة الجميلة).

وجاء الفصل الأخير من الكتاب بعنوان «بيان تاريخى ونهاية درامية»، وفيه عرض بيان الكتاب والفنانين والأدباء الذى نشر فى آخر أعداد المجلة الصادر بتاريخ 14 أكتوبر 1969 وهو البيان الذى ندد بالاعتداء على المسجد الأقصى ووقع عليه 164 فردا من الفنانين والأدباء، وقد عرض قائمة كاملة بأسمائهم كما جاء فى عدد المجلة.

واختتم الكاتب حديثه بأبرز ما لفت انتباهه أثناء مطالعة أعداد المجلة مثل إهداء نسخ كتب للأبطال على الجبهة وإسهامات ومساعدات الشركات الكبرى، ثم ذكر آخر جملة كُتبت بالمجلة بعددها الأخير وهى الآية الكريمة (وإن جندنا لهم الغالبون)، فرأى المؤلف أن هذه الآية «وكأنها إشارة إلى أن الكرة الآن فى ملعب الجنود والنصر قريب بإذن الله، وهو ما حدث بعدها بسنوات قليلة يوم السادس من أكتوبر المجيد».

أخبار الساعة