القوات البحرية المصرية أكدت للعالم أجمع أن قواتنا المسلحة قادرة على مواجهة أى تحديات لحماية سيادة الوطن وأعادت للأمة العربية ثقتها
فى أربعينيات القرن الماضى، وتحديدًا 30 يونيو 1946، أُنشئت القوات البحرية بقرار ملكى تحت اسم السلاح البحرى الملكى، وعُين محمود حمزة باشا قائدًا للسلاح بالإضافة إلى عمله مديرًا عامًا لإدارة المرافئ والمنائر، وشكل ضباط البحرية والبحارة الذين كانوا يعملون فى مصلحة خفر السواحل نواة القوات البحرية. وفى 30 سبتمبر 1959، أُطلق عليها اسم القوات البحرية لتمثل أحد الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة.
هنا «رأس التين» فى محافظة الإسكندرية، حيث مقر قيادة القوات البحرية المصرية، حيث كانت «المصوّر» حاضرة وقائع المؤتمر الصحفى لاحتفال القوات البحرية بعيدها الـ 58 داخل أحد الفروع الرئيسية للقوات المسلحة المصرية، وهى المسئولة عن حماية أكثر من 2000 كم من الشريط الساحلى المصرى بالبحرين الأبيض والأحمر، وتأمين الحدود البحرية والمجرى الملاحى لقناة السويس وجميع الموانئ المصرية، بخلاف الأهداف الساحلية والبحرية على البحر، ما يجعلها أقوى سلاح بحرى فى الشرق الأوسط وإفريقيا، وتحتل المرتبة السابعة عالميًا من حيث عدد السفن، وتعد من أكبر وأعرق الأسلحة البحرية فى العالم وتمتلك سفن إبرار وقيادة قادرة على نقل الطائرات المروحية والجنود والمعدات إلى مناطق القتال خارج حدود الدولة.
تحتفل القوات البحرية بعيدها يوم 21 أكتوبر من كل عام، وهو اليوم الذى شهد إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات عام 1967، والتى يحدثنا عنها اللواء بحرى أركان حرب محمود فوزى، قائد القوات البحرية المصرية، فى الحوار التالى:
يوم 21 أكتوبر يشكّل علامة فارقة فى تاريخ القوات البحرية المصرية، فما السبب فى تخليد هذا اليوم عيدًا لها؟
إن ما تحقق يوم 21 أكتوبر عام 1967 يمثل لنا يوم العزة والكرامة واستعادة الثقة للقوات البحرية المصرية، ذلك اليوم الذى سطر رجال القوات البحرية المصرية صفحة ناصعة من صفحات المجد الوطنى، حين أُطلقت صواريخ الحق فى عرض البحر، فحطمت حاجز الهزيمة بإغراق المدمرة «إيلات» أمام سواحل مدينة بورسعيد الباسلة، ويعتبر هذا الإنجاز هو أول عمل عسكرى مصرى فى أعقاب نكسة 1967، حيث تم تنفيذ هجمة ضد أكبر الوحدات البحرية الإسرائيلية فى هذا الوقت، وهى المدمرة «إيلات» التى اخترقت المياة الإقليمية المصرية، وعلى متنها طلبة الكلية البحرية، كنوع من إظهار فرض السيطرة الإسرائيلية على مسرح العمليات البحرى، وعلى الفور صدرت الأوامر باستهدافها، لتقوم القوات البحرية بواسطة عدد (2) لنش صواريخ بتنفيذ أروع المعجزات العسكرية فى ذلك الوقت، فقد تمكنت القوات البحرية المصرية باستخدام الصواريخ البحرية (سطح/سطح) من إغراق المدمرة «إيلات» مما أدى إلى حدوث تغيير فى الفكر الاستراتيجى العالمى، لذا تم اختيار يوم 21 أكتوبر ليكون عيد القوات البحرية المصرية.
ما الرسالة التى أرسلتها مصر للعالم من خلال هذا الإنجاز؟
لقد تمكنت القوات البحرية المصرية من التأكيد للعالم أجمع أن قواتنا المسلحة قادرة على مواجهة أى تحديات لحماية سيادة الوطن، كما أعادت للأمة العربية ثقتها بأن الانتصار ممكن وأن الإرادة لا تُهزم، وأثبتت قوة العقيدة القتالية المصرية أن البحار رغم اتساعها لا ترهب قلوب الرجال إذا إمتلأت بالإيمان والعزم.
تُعرف القوات البحرية بمختلف دول العالم كإحدى الوسائل الرئيسية لتحقيق سياسة الدول الخارجية وخاصة الدول التى تمتلك سواحل كبيرة وتطل على البحار أو المحيطات، هل يمكن إلقاء الضوء على دور القوات البحرية المصرية؟
تعتبر مصر «دولة بحرية بامتياز» لما تمتلكه من سواحل على البحر المتوسط والبحر الأحمر، كما تمتلك أحد أهم الممرات البحرية العالمية وهو ممر «قناة السويس»، وهو ما يتطلب وضع استراتيجية تطوير شاملة تهدف إلى الوصول بقواتنا البحرية إلى أعلى معدلات التطور والوصول إلى ما نحن عليه اليوم، بما يسمح بتحقيق السياسة الخارجية للدولة فى التوقيت والمكان المناسب، وقد دعمت القيادة السياسية للدولة، وكذا القيادة العامة للقوات المسلحة هذا التوجه.
كما تُعد مصر بصفة مستمرة ودائمة دولة سلام، وتدعم الأمن والسلم الدوليين، ومنها الأمن البحرى بموضوعاته المختلفة، ولكى تحافظ على الأمن البحرى بمسرحين منتشرين بأبعاد كبيرة، يجب أن تمتلك قوة بحرية قادرة على أن تتواجد 24 ساعة/7 أيام/365 يوما فى العام، بالإضافة إلى تواجد قوى بشرية مدربة ومحترفة وواعية قادرة على استيعاب التكنولوجيا.
تداخل العلوم والتكنولوجيا الحديثة أدى إلى اختلاف الحروب الحالية القائمة عن شكل ومفهوم الحروب التقليدية، هل يمكن إلقاء الضوء على ذلك الاختلاف؟
هناك مجموعة عوامل تتوقف على نوعية القوات والسلاح المستخدم، فمثلا التكلفة المالية وقدرات الدولة الاقتصادية للصناعات الدفاعية (Defense Industry) تعتبر أغلى والأكثر كلفة على اقتصادات الدول، فالفكر الحالى يشجع إنجاز ما يمكن تنفيذه بالاعتماد على مُسيّرة آلية لا تتعدى تكلفتها آلاف الدولارات؛ لأن الأثر التدميرى لها قوى ومؤثر، لذلك فإن التوسع فى الاعتماد على المسيّرات أفضل كثيرا من استخدام صواريخ أو تسليح يتكلف ملايين الدولارات.
أيضًا طبيعة وبُعد مسرح العمليات ومدى توافر حدود اتصال، سواء كانت برية/ بحرية، فما يمكن أن يستخدم فى المعارك بين الدول ذات الحدود البحرية المشتركة يمكن أن يختلف فى حالة عدم وجود حدود بحرية أو بحار مشتركة.
وأريد أن أشير هنا، على سبيل المثال، إلى ما حدث بين (إسرائيل وإيران)، إذ لم يكن هناك مسرح بحرى مشترك بين كلا الطرفين، وبالتالى ظهر استخدام أنواع مختلفة من الذخائر والتسليح وأسلوب مختلف.
كيف تتعامل القيادة مع التطورات الإقليمية والدولية الحالية؟
نظرًا لما تشهده الساحة الدولية والإقليمية من تطورات سريعة ومتلاحقة من تداعيات الحروب وتأثيرها السلبى على دول المنطقة، أولت القيادة العامة للقوات المسلحة، وبدعم كامل من القيادة السياسية الحكيمة، اهتماما كبيرا بالكفاءة القتالية وبناء وتطوير القوات البحرية فى العديد من المجالات، مثل البنية التحتية والتصنيع العسكرى وامتلاك وحدات بحرية ذات اتزان قتالى عالٍ، وبأحدث نظم التسليح.
تتقارب بعض الدول التى تمتلك قوات بحرية حديثة فى نوعية الوحدات البحرية وتشابه أنظمة التسليح المتوافرة بها، ما العوامل الإضافية التى يمكن أن ترجح كفة طرف على كفة طرف آخر؟
تُعد العقيدة المصرية للفرد المقاتل عاملا حاسما بالإضافة إلى العنصر البشرى الذى يعد حجر الأساس، وهو بمثابة ثروتنا الحقيقية، ونحرص كل الحرص على تنمية مهاراته للوصول إلى مستوى المقاتل المحترف القادر على استيعاب واستخدام التكنولوجيا الحديثة فى كافة المجالات، كما تنفذ القوات البحرية المصرية تدريبها من خلال عدة محاور متدرجة للمستويات المختلفة (الفرد- السفينة - مجموعة السفن) مع التنوع فى أنماط التدريب، فمنها تدريبات بالمحاكيات، ومنها تدريبات بالذخيرة الحية.
ولدى القوات البحرية المصرية قناعة رئيسية بأن التدريب يتغلب على الفارق فى الإمكانات، فالتدريب الجاد الواقعى، والتدريب على كل ما هو جديد، والتدريب فى ظل محاكاة الظروف -يساعد على تقليل الخسائر فى المستقبل.
بالإضافة إلى التدريبات المشتركة والتى تعتبر أرقى صور التدريب التى تمثل أحد المحاور الرئيسية لزيادة فاعلية التدريب وتبادل الخبرات وزيادة التعاون مع الدول الصديقة والشقيقة، فالقوات البحرية المصرية تمتلك سمعة طيبة متميزة بين بحريات الدول المختلفة ويتم تحقيق استفادة متبادلة لجميع الأطراف، وهناك العديد من التدريبات المشتركة التى تشارك فيها القوات البحرية المصرية خارج وداخل جمهورية مصر العربية تم تنفيذها وأخرى مخططة خلال الفترة الحالية، ولعل آخرها والذى تم تنفيذه داخل جمهورية مصر العربية التدريب المشترك (النجم الساطع) وخارج حدود جمهورية مصر العربية التدريب البحرى المشترك (بحر الصداقة).
فى مثل هذه المناسبة الوطنية، ما الكلمة التى يحرص قائد القوات البحرية على توجيهها لرجاله من أبطال القوات البحرية ولأبناء الشعب المصرى؟
أوصيهم بالاستمرار فى المحافظة على كافة عناصر الكفاءة القتالية واليقظة التامة والإدراك والوعى بالمستجدات الحالية العالمية والإقليمية التى تؤثر على الأمن القومى المصرى (سياسيًا - اقتصاديًا - أمنيًا) وأيضًا الظروف الراهنة التى تمر بها بلدنا الحبيبة مصر من أجل الحفاظ على مكتسبات الشعب المصرى والحفاظ على الاستعداد القتالى العالى والدائم لقواتكم البحرية لتكونوا جاهزين لتنفيذ المهام والتوجيهات الصادرة لكم من القيادة العامة للقوات المسلحة بأسلوب احترافى وراقٍ يدعمه العزيمة والإصرار، ولتكونوا جديرين وحافظين للأمانة الموكلة إليكم، معاهدين الله والوطن ببذل التضحيات لإعلاء ورفعة مصرنا الغالية.
أخيرًا، ما أمنيتكم الختامية؟
رحم الله شهداءنا الأبرار، وحفظ الله مصر وشعبها العظيم، وحفظ الله قواتنا المسلحة الباسلة على كلمة الحق وقلب رجل واحد، ولتحيا مصر عزيزة أبية آمنة