«الاستثمار الأجنبى المباشر»، عنوان الفصل الثانى للسردية الوطنية التى تتضمن خمسة فصول وخاتمة، تمثل المستهدفات الكمية للسردية الوطنية للتنمية الاقتصادية، ليمثل «الاستثمار الأجنبى المباشر» فصلها الثانى امتداداً طبيعياً لتحليل محددات الاستقرار الاقتصادى الكلى، والذى طُرح فى فصلها الأول، كأحد المحركات الأساسية للنمو الشامل والمستدام.
«التحول الهيكلى نحو تصور الدولة المصرية للنشاط الاقتصادى لتمكين القطاع الخاص ليقود جهود التنمية الاقتصادية»، أبرز المحاور التى تطرحها السردية فى فصلها الثانى، عبر استعراض السياسات والإصلاحات الخاصة بتحسين مناخ الاستثمار، وتهيئة بيئة الأعمال التنافسية والجاذبة، والتى تتماشى مع معايير تقرير جاهزية بيئة الأعمال Business-ready.
«نهج صناعى جديد».. هكذا وصفت السردية سياستها الإصلاحية، فهى تقوم على تعميق التصنيع وتعزيز التعقيد الاقتصادي، عبر دعم الصناعات عالية التقنية وكثيفة العمالة، وهو ما يُحسن من موقع مصر على خارطة التعقيد الاقتصادى العالمية، ويرفع مستويات الأجور، كما أنه يزيد من القيمة المضافة فى الناتج المحلي.
«الترابط بين أولويات جذب الاستثمار وقطاعات الصناعة»، محور آخر يتناوله الفصل الثانى، بما يعكس توجه الدولة المصرية نحو توجيه الاستثمارات نحو الأنشطة الإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية، وفى الوقت ذاته تتسق مع الاستراتيجية الوطنية للتشغيل، عبر التركيز على القطاعات ذات الإمكانات المرتفعة للنمو وتوليد فرص العمل المستدامة.
«الفرص الاستثمارية» محور هام يتم سرده فى الفصل الثانى للسردية الوطنية من خلال الفرص الواعدة فى الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والدور المتزايد لريادة الأعمال والشركات الناشئة فى جذب الاستثمارات، مع التأكيد على أهمية «ميثاق الشركات الناشئة فى مصر» كأداة تنظيمية داعمة لتوسيع هذا الدور.
«السردية» فى فصلها الثانى أكدت أن الإجراءات التى تم استعراضها ضمن فصل «الاستثمار الأجنبى المباشر» هى ترجمة عملية للمحور الثانى من البرنامج الوطنى للإصلاحات الهيكلية.
كما أقرت «السردية الوطنية» بأن تهيئة بيئة استثمارية أكثر جذباً واستقراراً يتطلب استمرار التنسيق المؤسسى الفعال، وربط الإصلاحات الهيكلية بأهداف التنمية الشاملة، مع المتابعة الدقيقة لتأثير هذه السياسات فى الواقع، بما يسهم فى تحقيق رؤية وطنية واضحة للنمو الاقتصادى المستدام.
خمس ركائز استقرت عليها «السردية الوطنية» فى فصلها الثانى «الاستثمار الأجنبى المباشر»، وهى ما حددتها الاستراتيجية الوطنية الجديدة للاستثمار الأجنبى المباشر من أجل جذب استثمارات أجنبية مستدامة ومتنوعة وتعظيم العائد التنموى منها، وهى «التقدم السريع فى التقنيات الرقمية، والاستثمارات المستدامة والخضراء، على أن يتم جذب استثمارات أكثر تنوعاً ومرونة، وتعزز الابتكار، وتضمن نموا اقتصاديا طويل الأجل».
الركائز الخمس تتمثل فى أولاً «الاستقرار الاقتصادى الكلي، والقدرة على التنبؤ بالسياسات، لتكون البيئة الاقتصادية الكلية مستقرة والبيئة السياسية مواتية للاستثمار الأجنبي، بما يوفر إطاراً موثوقاً به لبيئة الأعمال، وفى الوقت ذاته إصلاح فى السياسات المالية والنقدية تمثل عاماً تحفيزيًا للاستثمار.
«بيئة تمكين الأعمال»، الركيزة الثانية، وتتمثل فى تنظيم بيئة الأعمال وإصدار التراخيص وتعزيز آليات المنافسة، وتحسن القدرة على الاستيراد والتصدير، والتنسيق بين روابط سلسلة القيمة، وتوفير المعلومات الخاصة بتخصيص الأراضى بشكل موحد وأكثر شفافية، على أن يتم تعزيز التعليم الأساسى والعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بما يمثل ارتباطا أقوى باحتياجات سوق العمل، وتطوير خيارات التمويل طويلة الأجل.
الركيزة الثالثة هى «الترويج للاستثمار»، وذلك عبر تعزيز دور الهيئة العامة للاستثمار باعتبارها الجهة الوطنية المسئولة عن الترويج للاستثمار من خلال زيادة تمثيل القطاع الخاص فى مجلس الإدارة، وتعزيز التنسيق مع الوزارات الأخرى والكيانات التابعة لها، وتنفيذ برامج تدريبية للمسئولين الحكوميين لزيادة الوعى عن احتياجات الاستثمار وتعزيز قدرتهم على دعم جذب الاستثمار وتسهيله، وتعزيز التوافق الاسراتيجى للهيئة العامة للاستثمار.
«الإطار المنظم للاستثمار» الركيزة الرابعة، وتختص بمراجعة ومواءمة قانون الاستثمار الحالى ومعاهدات الاستثمار الثنائية والممارسات والمعاير الدولية المتطورة المتعلقة بحماية المستثمرين، وفى الوقت ذاته تطوير آليات لتعزيز التنسيق بين صناع السياسات والهيئات التنفيذية، وإعداد قائمة بحوافز الاستثمار الحالية لتوفير رؤية واضحة للمستثمرين، ووضع سياسة لإجراء تحليل منهجى لتكاليف وعوائد حوافز الاستثمار لتعظيم أثر سياسات الحوافز فى تحقيق الأهداف المرجوة.
أما الركيزة الخامسة فهى «السياسات والبرامج القطاعية»، والتى تهدف إلى تعزيز جاذبية القطاعات المستهدفة للاستثمار الأجنبى المباشر من خلال تبنى حزمة من الإصلاحات العميقة التى تعالج التحديات الهيكلية وتدعم القدرة التنافسية لتلك القطاعات، وصياغة وتنفيذ خطط تنمية قطاعية شاملة، وتطوير البنية التحتية والمهارات البشرية، ومواءمة الأطر التشريعية والتنظيمية مع أفضل الممارسات والمعايير الدولية.
وفى هذا السياق، قال الدكتور أيمن محسب عضو مجلس النواب ومقرر لجنة أولويات الاستثمار بالحوار الوطني: السردية الوطنية جاءت لتجمع بين الاثنين فهى بمثابة إطار تفسيرى عملى يربط الأهداف بالتمويل، ويضعها فى مسار تطبيقى أوضح من خلال مستهدفات محددة مرتبطة باستقرار الاقتصاد الكلى مثل الانضباط المالى وتعزيز دور القطاع الخاص وتجاوز فخ الدخل المتوسط، فضلا عن دمج البعد البيئى والحقيقة أن السردية بمثابة دليل مهم على مدى مرونة الحكومة فى التعامل مع التغيرات الراهنة، فما جاءت رؤية مصر 2030 إلا لوضع الأهداف الكبرى للتنمية المستدامة من العدالة الاجتماعية إلى الاقتصاد التنافسي، بينما الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للتمويل ركزت على الأدوات المالية وآليات تعبئة الموارد محليا وخارجيا.
«المستهدفات التى طرحتها السردية الوطنية قابلة للتنفيذ بدرجات متفاوتة»، هكذا يراها مقرر لجنة أولويات الاستثمار بالحوار الوطنى، الذى قال: على سبيل المثال الانضباط المالى يمكن تحقيقه عبر سياسات رشيدة لإدارة الإنفاق والإيرادات، وزيادة التنافسية وهو ما يتطلب إصلاحا هيكليا لبيئة الأعمال والبنية التحتية.
وتابع: أما فيما يتعلق بدور القطاع الخاص فيمكن تعزيزه عبر إزالة العقبات الإجرائية أمامه، وفيما يتعلق بتجاوز فخ الدخل المتوسط يحتاج وقتا لكن يمكن تحقيقه من خلال دعم الابتكار والصناعات ذات القيمة المضافة، وفى دمج البعد البيئى فهو واقعى جدا والدولة المصرية بدأت بالفعل دمج البعد البيئى فى جميع خطط التنمية، بالإضافة إلى أن التمويل الدولى بات مشروطا بالتحول الأخضر.
«محسب»، أوضح أن «هناك عدة ركائز أساسية لتحقيق الأهداف أولها إصلاحات تشريعية ومؤسسية لتبسيط بيئة الاستثمار، وثانيها شراكات حقيقية مع القطاع الخاص، على أن يتم تطوير رأس المال البشرى عبر التعليم والتدريب وتأمين تمويل مستدام من خلال أدوات مبتكرة مثل الصكوك والسندات الخضراء، لكن الأهم أن يتم إيجاد حوكمة فعالة تتابع التنفيذ وتغلق منافذ الفساد والبيروقراطية».
«الضغوط المالية الحالية تمثل تحديا كبيرا مع ارتفاع أعباء خدمة الدين»، أمر آخر تحدث عنه مقرر لجنة الاستثمارات الخاصة بالحوار الوطنى قبل أن يضيف: لا يمكننا أن نغفل التقلبات الخارجية مثل أسعار الطاقة والأزمات الجيوسياسية، ومحدودية الموارد التمويلية بالعملة الأجنبية، إضافة إلى ضعف تنافسية بعض القطاعات المحلية بجانب عقبة البيروقراطية التى تبطئ خطوات الاستثمار، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مخاطر التغير المناخى وتأثيره على الزراعة والمياه.
كما أشار إلى أن «السردية دعت إلى تعزيز دور سوق المال المحلي، وتفعيل التعاون مع شركاء التنمية والمؤسسات الدولية، بالإضافة إلى تقديم حوافز استثمارية تشجع الاستثمار الأجنبى المباشر فى القطاعات ذات الأولوية».
