على مدى أيام معرض الرياض الدولي للكتاب 2025، يلفت الزائرون الانتباه إلى طاقةٍ شبابيةٍ متدفقةٍ تحيط بكل تفاصيل الفعالية، من لحظة دخولهم البوابة وحتى وداعهم بعد جولة ثرية بين الأجنحة ودور النشر.. هؤلاء الشباب، الذين يقفون خلف نجاح كل ركنٍ من أركان المعرض، لم يكونوا مجرد متطوعين أو منسقين، بل أصبحوا رمزًا لروح التنظيم السعودي الحديثة، وللوجه الثقافي الحضاري الذي تقدمه المملكة للعالم.
منذ الساعات الأولى لافتتاح المعرض، كان واضحًا أن التنظيم يقوم على كفاءات شابة مدرّبة تمتلك حماسًا كبيرًا وشعورًا عميقًا بالمسؤولية، يرحبون بالزوار بابتسامة ولباقة، يجيبون عن الأسئلة بكل دقة، ويوجهون القادمين نحو الأجنحة المناسبة أو الفعاليات التي يبحثون عنها، ويكفي أن تلاحظ انسجامهم في العمل لتدرك أن هؤلاء الشباب يمثلون جيلًا جديدًا من السعوديين الذين يجمعون بين الانضباط المهني والوعي الثقافي والقدرة على التواصل الإنساني الراقي.
طاقة متجددة وروح المبادرة
في ممرات المعرض الكبرى وأجنحته المتعددة، ينتشر الشباب الذين ينتمون إلى مبادرات التطوع الثقافي والجامعات السعودية، إضافة إلى موظفي هيئة الأدب والنشر والترجمة والجهات المنظمة.. كلٌّ منهم يؤدي دوره بدقةٍ واتقان، سواء في استقبال الوفود الرسمية، أو في إدارة الفعاليات المصاحبة، أو في الترجمة الفورية للضيوف الأجانب، أو حتى في تنظيم حركة الزوار داخل الأجنحة المزدحمة.
يقول أحد المتطوعين الشباب: "العمل في معرض الرياض للكتاب تجربة لا تُنسى، نحن لا نخدم فقط الزوار، بل نشارك في تقديم صورة المملكة الحديثة، ونظهر للعالم كيف أصبح شبابها شريكًا أساسيًا في النهضة الثقافية".
وأضاف أن حضور الشباب في تنظيم هذا الحدث العالمي لا يقتصر على الجانب اللوجيستي، بل يمتد إلى المضمون ذاته، فالكثير من الجلسات الحوارية وورش العمل يشرف عليها أو يشارك فيها شباب من الكتّاب والمترجمين وصناع المحتوى، الذين باتوا اليوم قوة مؤثرة في المشهد الثقافي العربي.
جيل مثقف ومؤهل
تُظهر المشاركة الشبابية في المعرض مدى اهتمام المملكة بتأهيل كوادرها الثقافية والإدارية، ضمن رؤية 2030 التي تراهن على الشباب بوصفهم الركيزة الأساسية لمستقبل الوطن، فالشباب الذين يشرفون على التنظيم لم يأتوا من فراغ، بل خضعوا لدورات تدريبية متخصصة في مهارات الاتصال، وإدارة الفعاليات، والضيافة الثقافية، بالإضافة إلى معرفتهم العميقة بثقافات الشعوب ولغاتهم.
وهو ما جعل تعاملهم مع الزوار الأجانب مميزًا، سواء في الشرح أو المرافقة أو في عرض المبادرات السعودية الثقافية. كثير من ضيوف المعرض عبّروا عن إعجابهم بتلك الروح، مؤكدين أن "الابتسامة السعودية" أصبحت علامةً مميزة في كل فعالية تُقام بالمملكة.
بين الحماس والانتماء
يعيش الشباب العاملون في المعرض حالة من الفخر والانتماء، إذ يدركون أنهم لا يؤدون مجرد مهمة تنظيمية، بل يسهمون في حدثٍ يعبّر عن وجه المملكة الثقافي أمام العالم. في أروقة المعرض، تجد الشاب الذي يشرح لطفلٍ صغير كيف يختار كتابه الأول، وتجد الشابة التي ترافق كاتبًا عربيًا لتسهيل مشاركته في ندوةٍ ثقافية، وآخرين يلبّون نداء الاستفسار بابتسامةٍ صافيةٍ وحرصٍ على أن يغادر الزائر بانطباعٍ طيب.
ويجمع الجميع على أن تجربة التنظيم تمنحهم شعورًا بالإنجاز، وتفتح أمامهم آفاقًا جديدة للعمل الثقافي التطوعي، وتكسبهم مهاراتٍ حياتيةٍ ومهنيةٍ تعزز مكانتهم كمواطنين فاعلين في التنمية الوطنية.
لمسات إنسانية في التفاصيل
ما يميز مشاركة الشباب في معرض الرياض للكتاب هذا العام هو الحس الإنساني الذي يطبع تعاملهم مع الزوار، فإلى جانب مهامهم التنظيمية، لا يترددون في مساعدة كبار السن، أو إرشاد الأطفال التائهين، أو تقديم يد العون لأي شخص يحتاج دعمًا.. هذا السلوك العفوي يعكس التربية الوطنية والثقافية التي يتسم بها جيل الشباب في المملكة، والذين يجمعون بين الأصالة والانفتاح.
كما يظهر التناسق الواضح بين مختلف الفرق الشبابية العاملة، سواء في تنظيم الفعاليات الأدبية أو إدارة التقنية الرقمية للمعرض، ما يدل على مستوى الاحترافية العالية التي وصلت إليها الفرق التنظيمية المحلية.
ويؤكد كثير من المسؤولين أن نجاح معرض الرياض الدولي للكتاب لا يُقاس فقط بعدد الزوار أو حجم المبيعات، بل في نوعية التجربة التي يعيشها الزائر، وهي تجربة يصنعها هؤلاء الشباب بحماسهم وإصرارهم ولباقتهم. ومن خلالهم، يبرز المعرض كواجهة حضارية تعبّر عن التحول الثقافي في المملكة، حيث أصبح الشباب في قلب المشهد، لا على هامشه.
فهم الجيل الذي يؤمن بأن الثقافة ليست ترفًا، بل ركيزة من ركائز التنمية، وأن الكتاب يظل جسرًا للتواصل بين الشعوب والحضارات.. ومن خلال دورهم النشط في تنظيم هذا الحدث العالمي، يقدمون نموذجًا حيًا لشبابٍ وطنيٍّ واعٍ، يضع بصمته في صناعة المستقبل، ويعكس صورة المملكة كحاضنةٍ للثقافة والمعرفة والإبداع.