يعد الروائي الأمريكي توماس كلانسي، الذي تحل ذكرى وفاته اليوم 1 أكتوبر، أحد أشهر من كتب عن التجسس والعلوم العسكرية، خلال الحرب الباردة وما بعدها، حيث شغفه بالتاريخ العسكري، الذي استخدمه في تغيير قواعد الأدب السياسي والعسكري، ليجعل من الرواية الاستخباراتية فنًا جماهيريًا يجمع بين الدقة التقنية والتشويق الروائي. لم يشارك كلانسي في الحرب لكنه وثّقها بأسلوب من يكتب من الجبهة، ليمنح القارئ نافذة على عالم النخبة الأمنية.
ميلاده وبدايته
وُلد توماس ليو كلانسي الابن في 12 أبريل 1947 في مدينة بالتيمور بولاية ماريلاند، وتخرّج في جامعة لويولا بتخصص اللغة الإنجليزية، ولم يتلقَ تدريبًا عسكريًا ولم يعمل يومًا في مؤسسة استخباراتية، لكنه امتلك فضولًا نهمًا، وبحثًا عظيمًا عن التفاصيل، وخيالًا خصبًا.
أصدر كلانسي في 1984، روايته الأولى "البحث عن أكتوبر الأحمر"، وهي رواية سياسية عسكرية تدور حول انشقاق قبطان سوفيتي وغواصته النووية إلى الولايات المتحدة، وعلى الرغم من أن الرواية رفضت من معظم دور النشر بسبب أسلوبها "المتخصص جدًا"، لكن دار نشر صغيرة تابعة للمعهد البحري الأمريكي قبلتها، ومن هنا بدأ كلانسي مسيرته، ولم يكن أحد يتوقع أن يتحوّل هذا العمل إلى ظاهرة أدبية.
واقتنى الرئيس الأمريكي حينها رونالد ريغان نسخة من الرواية، واصفًا إياها بأنها "قصة مثيرة لا يمكن تركها"، وهو التصريح الذي أطلق كلانسي إلى سماء النجومية.
أعمال كلانسي
تميّزت روايات كلانسي بالدقة التكنولوجية والعسكرية المذهلة، إلى حد أن البعض في البنتاغون اعتقد أنه حصل على معلومات سرية بطريقة ما، حيث استندت رواياته إلى أبحاث معمّقة، وقراءة دقيقة للمصادر العلنية، وتقارير مفتوحة، ومجلات عسكرية متخصصة.
وأثارت أعماله إعجابًا عالميًا بسبب قدرتها على تبسيط مفاهيم معقدة مثل أنظمة الصواريخ الباليستية، والتكتيكات البحرية، وحرب السيبرانية، بلغة روائية سلسة جذبت القارئ العادي والمتخصص معًا.
ولا نستطيع إغفال بطل روايات توم كلانسي الشهير، الذي يدعى "جاك رايان"، محلل الاستخبارات الذي أصبح لاحقًا رئيسًا للولايات المتحدة على صفحات الروايات.
وتتشابه شخصية رايان مع كلانسي بصورة كبيرة، لكونه ذكيًا، ومحللا قبل أن يكون محاربًا، ويعتمد على العقل والمنطق أكثر من القوة الغاشمة.
ظهر رايان في سلسلة طويلة من الروايات مثل "خطر واضح وقائم" و"أوامر تنفيذية" و"لعبة البطريرك"، وتم تجسيده سينمائيًا بعدة وجوه مثل هاريسون فورد، أليك بالدوين، وبن أفليك، قبل أن يتحوّل لاحقًا إلى مسلسل تلفزيوني ناجح من إنتاج أمازون.
أطلق توم كلانسي سلسلة من الروايات تحت اسمه كتبها آخرون بإشرافه، وتوسّع إلى مجال ألعاب الفيديو مثل سلسلة "Tom Clancy's Splinter Cell" و"Rainbow Six"، التي شكّلت ثورة في مجال الترفيه التفاعلي.
وفاته
رحل كلانسي في 2013، لكن إرثه لا يزال حيًا. فكتبه لا تزال تطبع وتُقرأ، وأفكاره لا تزال تؤثر على نظرة الناس إلى السياسة الدولية والحروب المعاصرة، خصوصًا في عالم ما بعد 11 سبتمبر، حيث اندمجت التكنولوجيا بالاستخبارات في صراع عالمي جديد.