رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

استقرار سوق الدواء مطلب حتمى


25-9-2025 | 17:39

.

طباعة
بقلـم: محمد الحنفى

منذ أيام قليلة أطلّ علينا الدكتور على عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، عبر أحد البرامج التليفزيونية وأدلى بتصريحات صادمة تمس سوق الدواء فى مصر.. الرجل قال إن حوالى 100 شركة دواء، من إجمالى 120 شركة، تقدمت بطلبات رسمية لزيادة جديدة فى أسعار 500 منتج دوائى بنسبة تصل إلى 30 فى المائة، لكن هيئة الدواء المصرية رفضت.

 

شركات الدواء، كما ورد على لسان رئيس شعبة الأدوية، لم تسعَ إلى رفع أسعار الأدوية فى السوق المصرى من منطلق تعظيم الأرباح، بل نتيجة ارتفاع كبير فى تكاليف الإنتاج، فمعظم هذه الشركات تعمل بهوامش ربحية ضئيلة وفق رؤيتها هى، لكنها فى المقابل تتأثر مباشرة بارتفاع أسعار الكهرباء، والوقود، والمواد الخام، فضلًا عن الرسوم المفروضة من الجهات التنظيمية، ومنها رسوم هيئة الدواء التى تتراوح ما بين 2 إلى 3 مليارات جنيه من إجمالى مبيعات، بلغت 309 مليارات جنيه فى عام 2024.

واقترح الرجل أن يكون تخفيف الأعباء المفروضة على الصناعة الدوائية من قِبل الدولة، بديلًا عن رفع الأسعار، وقال حرفيًا: «نحن لا نطلب زيادة الأسعار، ولكن نطالب بتقليل التكاليف، فإذا تم تخفيض رسوم الخدمات، والضرائب، والجمارك، وأسعار الطاقة، فإننا -أى شركات الدواء- مستعدون للاستمرار بنفس أسعارنا دون أى زيادة على المواطن»، لكنه تناسى أن الدولة أعفت شركات الدواء من ضريبة القيمة المضافة منذ عام 2022.

وفى المقابل، رفضت هيئة الدواء المصرية التى تعمل وفق آليات تسعير متكاملة ومرنة تستند إلى أحدث المعايير الدولية، بما يعزز الشفافية فى السوق الدوائى ويدعم تحقيق الاستقرار فى تسعير المستحضرات الدوائية طلبات الزيادة، ﻷﺳﺒﺎﺏ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ القدرة الشرائية ﻟﻠﻤﻮﺍطنين ﻭﻣﺮﺍﻋﺎﺓ للبعد ﺍﻻﺟﺘﻤﺎعى وتخفيف الأعباء عن كواهلهم، ﻣﻌﺘﺒﺮﺓ ﺃﻥ ﺍﻟﺰﻳﺎﺩة التى تمت فى ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﻤﺎضى كانت ﻛﺎﻓﻴﺔ.

السؤال الأهم: ماذا لو تمسّكت هيئة الدواء برفضها، واضطرت شركات الأدوية إلى تصعيد الأمر، كما قال رئيس شعبة الدواء، واللجوء إلى الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، برفع مذكرة تفصيلية لوضع حلول عاجلة للأزمة والموافقة على دعم هذه الصناعة الاستراتيجية، التى توفر فيها الشركات الوطنية ما يقرب من 92 فى المائة من احتياجات السوق المحلى من الأدوية، وتمتلك كفاءة إنتاجية عالية توفر العلاج للمرضى بأسعار مناسبة؟

المشكلة أو الكارثة تكمن فيما يمكن أن يترتب على ذلك الرفض من الجانبين، سواء هيئة الدواء المصرية، أو الحكومة، والذى من المؤكد أن المواطن أو بمعنى أدق المريض هو مَن سيدفع الثمن.

إن أولى المشكلات التى يمكن أن تواجه سوق الدواء، وفق تصريحات رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، تتمثل فى امتناع ﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺕ ﺍﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﻋﻦ توريد ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ ﻟﻠسوق ﺍﻟﻤﺼﺮﻳﺔ، ومن ثم ربما ينشأ عنه ﻧﻘص حاد جديد ﻓﻴﻬﺎ.. مؤكدًا أن أزمة الدواء حقيقية وليست ابتزازًا من أجل زيادة الأسعار، هذه الأزمة نشأت نتيجة اختلال المعادلة بين تكاليف الإنتاج الحالية وثبات أسعار البيع، وانعكاس لوضع اقتصادى صعب تمر به صناعة الدواء فى مصر.

المقلق فى الأمر أن بعض الشركات الأجنبية التى تعمل فى السوق المصرية منذ سنوات طويلة بدأت تقلل بالفعل من إنتاجها، وتخفض عدد العاملين بها، وامتنعت عن توريد بعض الأدوية الأساسية التى تعتبر منقذة للحياة، مما أدى إلى نقصها، وشكلت تهديدًا صريحًا كبيرًا لصحة المواطنين، وبالتالى نشأت سوق سوداء تُباع فيها الأدوية المستوردة التى لم يعد يتوافر لها بديل محلى، مُهرّبة من الصين وتركيا والهند والخليج بأسعار خيالية تجاوزت أربعة أضعاف سعرها الحالى، بل إن ثمن أحدها قد بلغ 50 ألف جنيه للعبوة الواحدة.

حقيقة، كان الله فى عون هيئة الدواء المصرية، إنها فى موقف لا تُحسد عليه ومهمة صعبة، «ترضى مين ولا مين»، إذ يقع على عاتقها ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗﺴﻌﻴﺮ الدواء، التى تعتبرها قضية معقدة، ففى الوقت الذى تسعى فيه إلى ﻮﺿﻊ ﺗﺴﻌﻴﺮ ﻣﻨﺎسب ﻳﺮﺍعى ﺍﻟبعد ﺍﻻﺟﺘﻤﺎعى ﻭقدرة ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟشراء، ﺗﺴﻌﻰ ﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺕ المنتجة نحو اﻠﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻋﻠﻰ ﺳﻌﺮ، وإلا لن تطرح إنتاجها فى السوق.

وفى الوقت الذى تعتبر فيه الهيئة تسعيرها عادلًا، ترى الشركات الأجنبية الكبرى أنه تسعير غير عادل، بل يكبدها خسائر ضخمة، «من الآخر كده» الهيئة مطالبة بتحقيق توﺍﺯﻥ ﺑﻴﻦ مطالب ﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺍﻟقدرة ﺍﻟﺸﺮﺍﺋﻴﺔ للمواطنين.

من وجهة نظر الهيئة أنها بالفعل وافقت على زيادة أسعار معظم المستحضرات الدوائية بنسبة 30 فى المائة فى منتصف العام الماضى، وأن هذه الزيادة حققت أرباحًا كبيرة وكافية لتلك الشركات، ومن غير المعقول أن تكرر نفس الزيادة حاليًا، لكن شعبة الأدوية ترى أن هذه الزيادة لم تشمل كافة الأصناف، بل اقتصرت على متوسط يتراوح بين 20 فى المائة و30 فى المائة منها، وتجاهلت موافقة الدولة على تصدير نسبة غير قليلة من إنتاجها للخارج، من المفترض أن تعوض بمكاسبها منها، ما ترى أنها خسائر نتيجة البيع فى السوق المصرى، الذى يعد واحدًا من أكبر أسواق الدواء فى الشرق الأوسط، ومن المتوقع ارتفاع إجمالى مبيعاته من 309 مليارات جنيه العام الماضى إلى 340 مليار جنيه بنهاية العام الحالى، ويضم 20 شركة دواء كبرى محلية وأجنبية، وحوالى 100 شركة دواء محلية صغيرة، هذه الشركات مجتمعة تعمل من خلال ما يقرب من 180 مصنع دواء، بحسب تقديرات شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية وغرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات المصرية.

لا شك أن تحقيق الاستقرار لهذه السوق الضخمة يعتبر مطلبًا حتميًا وأمنًا قوميًا، يتطلب بالضرورة تحقيق المعادلة الصعبة.. ﺗﺴﻌﻴﺮ ﻣﻨﺎسب ﻳﺮﺍعى ﺍﻟبعد ﺍﻻﺟﺘﻤﺎعى ﻭقدرة ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟشراء، مقابل تسعير عادل ومقبول من قِبل شركات لمنتجاتها الدوائية.

إذن، من المتوقع حدوث اضطرابات ﺣﺎﺩﺓ فى ﺳﻮﻕ الدواء، وربما نقص جديد فى ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ، إذا لم توافق الحكومة على دعم مواد الطاقة لتلك الشركات، وإذا لم تأخذ استعداداتها بشكل ﻛﺎﻑٍ لمواجهة الأزمة، أما إذا تم الضغط على هيئة الدواء المصرية ووافقت على مطلب الـ100 شركة، فإنه من المتوقع ﺯﻳﺎﺩﺓ ﺃﺳﻌﺎﺭ 1600 ﻣﺴﺘﺤﻀﺮ ﺩﻭﺍئى ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺍﻟﻤﻘﺒلة، وفى هذه الحالة سيكون المتضرر الحقيقى المواطن المصرى الذى عانى من زيادة كبيرة فى أسعار الأدوية، بلغت نسبتها 400 فى المائة خلال السنوات الماضية.. والضرب فى المريض حرام.

الاكثر قراءة