رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

مصر.. شعبها جيشها


11-9-2025 | 21:12

.

طباعة
بقلـم: أحمد النبوى

يُخطئ منْ يعتقد بأن الشعب المصرى مغيب ولا يملك الوعى، فالشعب المصرى صابر لأقصى الدرجات التى لا يتخيلها أحد، ويعى جيدا المخططات التى تُحاك ضده، ودائما يملك الأمل فى الغد حتى لو كانت كل الطرق مغلقة أمامه، فهو يملك مفتاح الحل بكلمة بسيطة ترَدد ملايين المرات يوميا على لسان المواطن المصرى البسيط (ربنا هيفرجها من عنده). شعب مؤمن بالفطرة وليس بالمظاهر الدينية فقط، فهو الشعب الذى يعيش يجرى وراء لقمة العيش راضيا بما قسمه الله له؛ ورغم ذلك فهو شعب ساخر حتى من نفسه وناقم على الأوضاع، ولكنه صابر على الأزمات الاقتصادية ليس حبا فى الحكومة ولكن انتماء للوطن.

الشعب المصرى استطاع الشاعر الكبير عبد الرحيم منصور أن يصوره بكلمات فى أغنية حدوتة مصرية للملك محمد منير بكل ما تحمله من تناقضات وخضوع؛ حتى يصل إلى «خلتنى أخاف عليك يا مصر وأحكيلك على المكنون».

الشعب المصرى هو حدوتة لا يتوقع أحد نهايتها، فهى متغيرة دائما، وقد تكون مفاجأة للعالم أجمع نتيجة تركيبة الشخصية المصرية، تلك التركيبة التى تحمل كثيرا من التناقضات، ولكنها وقت الخطر الحقيقى على الوطن تنتفض الشخصية المصرية للدفاع عن الوطن بكل حب وعنف ليصبح شعبها جيشها.

لماذا أتحدث عن الشخصية المصرية الآن؟

الحديث بسبب التصريحات الاستفزازية من حكومة الكيان الصهيونى المحتل تجاه مصر، والتى عندما تركز فى جميع خطواتها بداية من شائعات أن مصر هى التى تغلق معبر رفح وترفض إدخال المساعدات لغزة؛ لتأتى بعدها المظاهرة الكوميدية أمام السفارة المصرية بدولة الاحتلال فى حراسة المحتل نفسه، مرورا بمحاولات التعدى على السفارات المصرية بالخارج، ثم الحديث عن إسرائيل الكبرى، وأخيرا وليس آخرا أن مصر سوف تغلق المعبر فى وجه أهالى غزة الذين يريدون الهجرة، وسوف تستمر الشائعات والاستفزازات من جانب الكيان الصهيونى وأعوانهم لأنهم يستخدمون نفس أسلوب جوزيف جوبلز (وزير الدعاية النازى) فى الحرب العالمية الثانية باستخدام التصريحات والدعاية فى الحرب النفسية الذى يمكن استخدامه لهزيمة العدو بأقل قدر من إراقة الدماء واكتشاف نقاط الضعف النفسية فى خصومهم، وتضمن هذا الضعف والخوف والرعب من الحرب.

سيناريو مكرر ولكن مع استخدام وسائل تكنولوجية أكثر حداثة أهمها السوشيال ميديا لنشر الأكاذيب والشائعات واستغلال الأزمات الاقتصادية لنشر حالة من الإحباط والتشاؤم عند المواطن المصرى؛ لخلق حالة من الغضب الشعبى تجاه الوطن والتى قد ينخدع بها البعض للأسف.

وهنا أذكر كلمة تاريخية لـ«جوزيف جوبلز» بنفسه عندما قال «كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسى»، ومعنى الكلام أن المثقف أو الثقافة هى الحصن والدرع الواقى تجاه أى شائعات أو حروب نفسية ضد أى دولة، وهنا يجب أن نذكر أن الفن المصرى لعب دورا خطيرا فى وعى الشعب على مدار تاريخه، بل وراهن على الشعب أكثر من مرة، وكمثال بسيط قد لا يعرفه أبناء الجيل الجديد أن «بهية» التى ترمز إلى المرأة المصرية جاءت من أغنية الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم والتى سميت على اسمها بطلت فيلم (العصفور) للمخرج المبدع يوسف شاهين، وجسدتها الفنانة القديرة محسنة توفيق، وكانت تغنى الأغنية بإحساسها، وهنا لا أتحدث عن الأغنية، ولكن عن الفيلم والمشهد الأكثر تأثيرا بعد النكسة عندما خرجت «بهية» رافضة الهزيمة والانكسار تجرى فى الشارع قائلة جملتها الشهيرة التى ارتبطت بوجدان الشعب المصرى (لا أبدا هنحارب هنحارب)، وهنا يبرز دور الثقافة والفن المصرى فى نشر الوعى والإيجابية خاصة عندما تعلم عزيزى القارئ أن فيلم العصفور تم إنتاجه عام 1972 وتم منع عرضه لمدة عامين داخل مصر؛ حتى وافق وزير الثقافة يوسف السباعى على عرضه، وكان العرض الأول يوم 26 أغسطس 1974 بسينما رمسيس.

هذا المثال كفيل بأن يوضح مدى أهمية الثقافة والفن فى مواجهة الحرب النفسية ضد الدول، ومع تكرار التاريخ وتصريحات نتنياهو القديمة المتجددة ستجد أنها رد فعل طبيعيا من جانب الكيان الصهيونى تجاه مصر نظرا لأن مصر تحبط مخطط تهجير أهالى غزة، وتسعى لوحدة البيت الداخلى فى فلسطين المحتلة، وتقوم بتدويل القضية الفلسطينية ككل، ولا تنخدع بمحاولات الكيان الصهيونى تقسيمها؛ لذا لا تتعجب من تزايد حملات الهجوم على مصر أو تزايد عمليات الاستفزاز للقيادة السياسية المصرية أو مزيد من الضغوط أو طرح مزيد من الحلول غير المنطقية مثل نقل تبعية قطاع غزة لمصر وغيرها من الاقتراحات، التى يسعى الكيان الصهيونى من خلالها الضغط على مصر، ومنها ورقة اتفاقية كامب ديفيد التى أعادت الأرض لمصر، ولم ينعم العدو بالتطبيع الشعبى رغم مرور 47 عاما على الاتفاقية، فالشعب المصرى ما زال رافضا لها ويجهض أى محاولات ساعية للتطبيع، ويكفى أن تعرف عزيزى القارئ أن الأكاديمية العسكرية المصرية ما زالت حريصة على تدريس اللغة العبرية لطلابها رغم استبعاد قيام حرب لأسباب عديدة أهمها تحديث أجهزة الجيش المصرى باستمرار وتطويرها وتنوع مصادرها، بالإضافة إلى وجود قيادة سياسية واعية تدعو إلى السلام العادل ويحافظ على النهج المصرى العسكرى بألا يكون معتديا، ولكنه فى حالة أى عدوان يدافع الجيش عن الوطن.

وأخيرا أستطيع أن أقول إن تصريحات نتنياهو وحملات الهجوم الدائمة على مصر هى خير دليل على قوة وأهمية مصر ودورها فى المنطقة، كما أن تلك التصريحات الاستفزازية توقظ الشخصية المصرية، وتجعل الشعب المصرى ينسى كل ما يتحمله من ضغوط اقتصادية، وما يعانيه من مشكلات، ويصطف بجانب القيادة السياسية للدفاع عن الوطن؛ ليظل دائما وقت الشدة (شعبها جيشها).

أخبار الساعة