وهذا التحول يتم بدعم خليجى وبرعاية أمريكية فى ظل قيادة سورية جديدة ممثلة فى «أحمد الشرع» رئيس المرحلة الانتقالية. ولهذا هناك تقارير تتحدث اليوم عن احتمال توقيع اتفاق أمنى بين سوريا وإسرائيل برعاية أمريكية فى الخامس والعشرين من سبتمبر القادم، ويأتى هذا بعد خطاب مرتقب لـ«أحمد الشرع» فى الأمم المتحدة.
على الرغم من نفى الخارجية السورية لهذه التوقعات إلا أن وكالة الأنباء السورية الرسمية نقلت أنباء عن لقاء تم مؤخرا جمع وزير الخارجية السورى «أسعد شيبانى» بوفد إسرائيلى لمناقشة ملفات تتعلق بخفض التصعيد وعدم التدخل، ومراقبة وقف إطلاق النار فى محافظة السويداء، وفى معرض التوضيح نقول: إن مجرد استعداد دمشق للتواصل مع إسرائيل رغم العدوان العسكرى الإسرائيلى المستمر فى غزة، فإن هذا يشير إلى براجماتية القيادة الجديدة فى سوريا والتى تضع مصلحة الدولة السورية فوق أى أجندة أيديولوجية أو طموح قيادى، كما أن الحكومة السورية لم تبسط سيطرتها الكاملة بعد، وهناك مخاوف من تمدد الجماعات المتطرفة. لذلك فإن حديث الشرع عن رفض التقسيم، ودعوته إلى إعادة توحيد سوريا دون اللجوء إلى العنف يجب أن يترجم إلى خطوات فعلية وخاصة فى ظل اتهام الشرع لبعض الجماعات السورية بالاستقواء بقوى إقليمية أو بإسرائيل.
الجدير بالذكر أن المبعوث الأمريكى «توم باراك» أدى دورا مباشرا فى دفع مسار التقارب السورى الإسرائيلى، ومعالجة التوترات الطائفية فى السويداء. واللافت أن هذا الدور الأمريكى يتم بالتنسيق مع تركيا ودول الخليج بهدف إبقاء سوريا فى الحاضنة العربية وجذب الاستثمارات. ولهذا بادرت الولايات المتحدة الأمريكية والقوى العربية الكبرى، فرحبت بتراجع النفوذ الإيرانى فى بلاد الشام لا سيما أن سوريا اليوم تعتبر حجر الأساس فى استراتيجيتها لكبح جماح طهران، ويرتبط ذلك بما يحدث فى لبنان، خاصة إذا تجاوبت إسرائيل مع قرار بيروت بنزع سلاح حزب الله، على أساس أن إصرار حزب الله على الاحتفاظ بسلاحه من شأنه أن يهدد بفشل كل المحاولات التى تريد الحل، ويدعو لمزيد من التصعيد.
ولا شك أن اتهام دمشق بالخيانة لمجرد انخراطها فى تفاهمات مع إسرائيل أمر ليس فى محله، حيث إنها ببساطة تسعى لاستعادة أراضيها من السيطرة الإسرائيلية، ولا شك أن مقترحا جديدا بشأن السويداء من شأنه أن يخلق معضلة صعبة للحكومة السورية، ولكن يناقش من خلاله مستجدات الساحة السورية فى ظل الحديث عن تقارب محتمل مع إسرائيل، ويشار هنا إلى مبادرة أمريكية إسرائيلية تقترح إنشاء ممر إنسانى يمتد من إسرائيل إلى محافظة السويداء.
وتأمل الولايات المتحدة الأمريكية أن تُسهم هذه المبادرة فى إعادة تفعيل محادثات التطبيع بين سوريا وإسرائيل، خاصة بعد تقارير سابقة أشارت إلى إحراز تقدم فى التفاهمات الثنائية قبل أن تقطع تلك الجهود نتيجة سوء تفاهم يغير مسار الأحداث جذريا.
ولقد أعقب سوء التفاهم تصعيد إسرائيلى خطير تمثل فى قصف وزارة الدفاع السورية وساحة القصر الرئاسى. وهى الضربة التى شكلت نكسة كبيرة بالنسبة لـ«أحمد الشرع» الذى كان قد استخدم مصطلح (دولة إسرائيل) فى خطابه السياسى كخطوة غير مسبوقة فى الخطاب الرسمى السورى. ورغم عداء تركيا لإسرائيل إلا أنها شجعت «الشرع» على المضى قدما نحو تفاهم أمنى مع إسرائيل. غير أن هذا التوجه لم يكن موضع إجماع داخلى لا فى صفوف هيئة تحرير الشام، ولا فى أوساط المعارضة السورية الأوسع.
وعلى الرغم من انتقادات شرسة وُجهت للشرع حتى من أقرب داعميه لم يتراجع عن التواصل مع إسرائيل. بل وصل به الأمر إلى حد التفكير فى انضمام سوريا إلى الاتفاقيات الإبراهيمية فى ظل ظروف معينة. ومع ذلك كان الشرع يدرك أن هذا المسار يحمل مخاطرة شديدة قد تزعزع تماسك قاعدته، وتمنح ما وصفها بالجماعات المتطرفة فرصة لاستغلال الغضب الشعبى.
لقد جادل كثيرون حول أن “إسرائيل لا تؤتمن، وأن الحوار معها ضرب من العبث. الأمر الذى دفع الشرع إلى التراجع عن خطاب «دولة إسرائيل»؛ ليعود إلى المصطلح التقليدى وهو الكيان الإسرائيلي». الثابت اليوم أن واشنطن تركز حاليا على بناء الثقة بين سوريا وإسرائيل. غير أن هذا الهدف قد يتحول إلى عبء على الشرع فيما إذا جرى تفسيره كتنازلات سورية أحادية، وإذا ما فقد الشرع الدعم الداخلى فإن هذا سيقوض الاستراتيجية الأمريكية ذاتها فى دعم استقرار سوريا عبر تطبيع تدريجى مع إسرائيل.