رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

جماعة الإرهاب وأوهــــام استنســــاخ أحــــداث سوريــــا


28-8-2025 | 13:59

.

طباعة
بقلـم: حلمى النمنم

صح ما توقعناه منذ شهور وهو أن ما جرى فى سوريا الشقيقة، ديسمبر الماضى، أسال لعاب جماعة حسن البنا وتصوروا أن التجربة قابلة للتكرار، وهكذا حاولوا فى الأردن وباءوا بالفشل الذريع، تم اكتشاف ما يخططون له، فتقرر حظر الجماعة نهائيا وسحب ما كان لديهم من امتيازات.. كانت المملكة الأردنية منذ أيام الملك حسين رحمه الله تتسامح معهم، تختار منهم وزراء ويدخلون مجلس العموم ولهم مقرات رسمية، لكن كعادة الجماعة الغدر والخيانة، فاكتشف أمرهم وتم حظر الجماعة نهائيا، مخازن السلاح التى اكتشفت، الخطط المجهزة أثبتت أن لا عهد لهم ولا ولاء عندهم لوطن فى لحظة الخطر، ينتظرون لحظات الخطر للقفز على الأوطان وهدم الدول.

وهكذا ازدادوا فى التحريض على الدولة ومؤسساتها، قاموا بتحريك خلايا «حسم» للقيام بعمليات إرهابية فى القاهرة، وأجهضت «الداخلية» هذه المحاولة، ثم راحوا يحرضون على مصر باسم معبر رفح وقضية غزة وانقلب السحر على الساحر، فقد تبين للجميع أن الجماعة تعمل فى خدمة نتنياهو، وأن هدفها إسقاط مصر وليس تحرير فلسطين ولا إقامة الدولة الفلسطينية، ولا حتى سد رمق أهل غزة.

بإزاء هذا الفشل راح بعضهم من إسطنبول يطالبون بالحوار مع الدولة المصرية، ثم إن أحدهم يتساءل: لماذا لا نأخذ بالتجربة السورية، حيث تم إدماج من كانوا إرهابيين «سابقاً» فى العملية السياسية؟!

والمقصود تحديداً، الرئيس السورى الشرع، الجولانى سابقاً، فقد كان فى تنظيم القاعدة ثم ذهب إلى داعش، وكان مدرجا على لائحة الخارجية الأمريكية باعتباره إرهابيا شديد الخطورة، وكان مرصوداً عدة ملايين من الدولارات لمن يدلى بمعلومات عنه، رغم أنه كان موجوداً فى إدلب وكان السفير الأمريكى السابق لدى دمشق، يلتقيه ويعمل على تقييم مدى صلاحيته لتوسيع نفوذه، وربما يتسلم سوريا بأكملها.

وقبل الدخول فى أى نقاش أو الرد على هذه التصورات، من المهم أن نتوقف عند قضية كبرى، وهى ما جرى فى سوريا العام الماضى، حيث سقط نظام الرئيس بشار الأسد، بهروب الرئيس وكبار رجال الدولة خارج البلاد، وتم عمليا تسريح الجيش السورى، وكذلك أجهزة الأمن، ومن ثم دخل أحمد الشرع – الجولانى سابقاً، إلى القصر الجمهورى فى دمشق، يوم الأحد 8 ديسمبر 2024.

راح البعض يعتبرون ما حدث«ثورة» وهللت جماعة حسن البنا، وذهب من إسطنبول أحد أعضائها إلى باحة المسجد الأموى وراح يهاجم الدولة المصرية، كما هاجم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، كان ذلك دليلا جديدًا على غباء وحمق مجموعة إسطنبول، لأنهم لم يفهموا ما جرى فى دمشق، ولا فسروه على وجهه الصحيح، بل تصوروا أن مصر يمكن أن تكون سوريا وأنهم ليسوا أقل من «الشرع» ومن حوله.

منذ سنة 2011 شهدت سوريا ما يمكن أن نعده حربا أهلية، بدأت بمظاهرات غضب فى منطقة درعا، بعيداً عن العاصمة أساء النظام التعامل معها، فحدثت أمور كثيرة، وتدخلت روسيا لإنقاذ النظام وتدخلت إيران أيضا، وانتهت الأمور سنة 2016 إلى ما يشبه انقساما سوريا حادا، دولة فى دمشق يسيطر عليها الرئيس بشار ومفروض عليها عقوبات أمريكية وأوروبية، فضلاً عن مقاطعة عربية ودولة أخرى فى منطقة إدلب شمال سوريا قريبة من الحدود التركية تسيطر على حوالى 40 فى المائة من مساحة سوريا، وارتضى بشار الأسد بالتقوقع بدمشق، معتبرا أنها الدولة ومكتفيا بها.

وفى إطار ذلك انخرط الرئيس بشار مع إيران عسكريا وسياسيًا، وكان ذلك مصدر قلق لتركيا وإسرائيل وعدد من الدول العربية التى تخوفت مما أطلق عليه «الهلال الشيعى» فى المنطقة.

لم يكن الصراع فى سوريا بين حكومة ومعارضة، نظام وخصومه، بل فى جوهره فهم على أنه صراع سنى- علوى، الرئيس بشار وهو علوى فى مواجهة الجولانى وهيئة تحرير الشام وهو سنى، ومع حدة التأزم فى الأمور بعد 7 أكتوبر 2023، بدا أن بشار الأسد صار أزمة لكل الأطراف، نتنياهو حذره مرارًا، الرئيس أردوغان طالبه بالحوار والجلوس معًا، لكنه لم يرد، وهكذا بات الخلاص من بشار مطلبا إقليميا، إلى جوار أنه جزء من الحسابات الدولية فى المواجهة مع إيران، وهنا تم اعتماد الجولانى والتفاهم معه.

منذ أن بدأت قوات الجولانى الزحف على بقية سوريا يوم 27 نوفمبر 2024، راح الإعلام السورى يتحدث عن مقاومة وعمليات يقوم بها الجيش السورى، ثم اتضح فيما بعد أن شيئا من ذلك لم يحدث، بل كانت عملية تسليم وتسلم، تم إخراج بشار من دمشق قبل ساعات من وصول الجولانى وجماعته إلى دمشق.. إذن لم تكمن حربا ولا ثورة، بل عملية دولية وإقليمية مرتبة بدقة.

حينما أخرجت روسيا بشار الأسد من دمشق، ذكر مسئول روسى رفيع أن بلاده أنقذت دمشق من حرب أهلية ومذابح لا يعلم غير الله المدى الذى كان يمكن أن تذهب إليه، ولم يكن المسئول الروسى يبالغ، ذلك أن سوريا بلد متعدد الأقليات والمذاهب، هناك الأغلبية من المسلمين السنة، وهناك الشيعة وهناك العلويون، وكذلك الدروز، فضلا عن المسيحيين من مختلف المذاهب، وهناك العرب والأكراد وغيرهم والمشكلة أن أتباع كل مذهب يتركزون فى منطقة جغرافية بعينها.. بلد بهذه التركيبة لا يحتمل أى عبث ولا خفة فى التعامل، لذا كانت العملية تسليما وتسلما، لأنها لو كانت ثورة بحق لقادت فعلاً إلى حرب أهلية وفوضى لا أول لها ولا آخر. يقول بعض العارفين بدقائق سوريا إن المجتمع هناك به «16» أقلية مذهبية ودينية وعرقية، فضلاً عن أقليات أخرى، لكنها محدودة العدد.

ولعل هذا ما دفع عددا كبيرا من الدول العربية مثل السعودية والإمارات وقطر إلى مساندة الوضع الجديد بقوة، ومدت يد المساعدة.

أما مصر فقد قدمت نصائحها من اللحظة الأولى، للحفاظ على سوريا موحدة وحماية أراضيها. ولما زار الرئيس الشرع مصر لحضور اجتماع بالجامعة العربية استقبله الرئيس عبدالفتاح السيسى بحفاوة، ذلك أن علاقتنا بسوريا الشقيقة جذرية وتاريخية، نحن خضنا معا حربين 1967و 1973.

ونجحت المملكة العربية السعودية فى أن تدبر لقاء بين الرئيس ترامب أثناء زيارته للمملكة مع الرئيس الشرع، وبدا أن أمريكا على استعداد لمساندة الوضع فى سوريا وتخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة منذ أيام سنة 2011، وتم رفع اسم الجولانى من قائمة الإرهاب وعومل كرئيس دولة وإن كان تحت الاختبار، لكن الأيام وحدها تثبت لنا هل الإرهابى يغادر الحالة والفكر الإرهابى بمجرد ارتداء رابطة عنق جذابة وبدلة أنيقة، بدلا من الجلباب؟!

ورغم الدعم العربى الهائل لسوريا وكذلك الدعم الدولى، هل نجحت المجموعات التى تولت أمور سوريا فى تهدئة الأوضاع والسير بالمجتمع نحو مصالحة حقيقية وبناء دولة سوريا وطنية - مدنية، تضم كل السوريين، فضلا عن الحفاظ على السيادة الوطنية لسوريا؟!

حتى هذه اللحظة المؤشرات شديدة السلبية، فى عدة أمور، تهدد وحدة سوريا فعلاً.

حدثت فى شهر مارس الماضى مذابح فى الساحل السورى بالشمال، حيث انطلقت مجموعات من المحسوبين على النظام الجديد ليهاجموا قرى ومناطق يسكنها العلويون والمسيحيون!

وجرت عمليات قتل جماعى، بلا سبب، قتل على المذهب والديانة، وكانت الحصيلة بالآلاف، آلاف من القتلى والضحايا، وفى تقرير أخير أعلنته الأمم المتحدة - الأسبوع الماضى- انتهى إلى أن ما حدث فى الساحل السورى، يرى إلى أن يكون مذابح جماعية، منظمة وممنهجة فى الجانب السورى، أعلن عن تشكيل لجنة للتحقيق وللمحاسبة، وفى النهاية لم تتم محاسبة ولا حتى اعتذار لسكان الساحل، ولا زيارة رسمية للمنطقة من باب تهدئة الخواطر.

المشكلة الأكبر فى محافظة السويداء بالجنوب السورى، المحافظة يسكنها الدروز الموحدون، وهى محافظة على حدود إسرائيل مباشرة، فضلا عن أن الدروز فى إسرائيل تربطهم بالدروز فى سوريا صلات عائلية وعشائرية، والذى حدث أن تمت هجمات على سكان السويداء من بعض رجال الحكم الجدد والمحسوبين عليهم، جرت الاعتداءات والهجمات بدعاوى مذهبية وعقائدية مما فجر الموقف، وهب الدروز فى إسرائيل لنجدة أقاربهم، ثم أعلنت إسرائيل أنها سوف تتصدى لأى اعتداء على الدروز، وطالبت بإبعاد الجيش السورى والأمن كذلك عن المحافظة، مع ذلك فوجئ العالم من أسبوعين بدخول أفراد من الأمن السورى أحد المستشفيات ويطلقون الرصاص على الأطباء والممرضين، فيما أطلق عليه «إعدام ميدانى»، باختصار دخلت إسرائيل على الخط.

حتى الآن هناك استجابة وتجاوب رسمى سورى مع مطالب إسرائيل وشروطها، وقبل ذلك، كان هناك صمت سورى تام على قيام إسرائيل بتدمير كل مخازن سلاح وذخيرة الجيش السورى فى كل بقعة داخل سوريا، نفذ الطيران الإسرائيلى غارتين على محيط القصر الجمهورى فى دمشق.

وفى محافظة القنيطرة السورية، تدخل وتخرج القوات الإسرائيلية يومياً، تفتش بعض البيوت وتستوقف الأهالى وتستجوب البعض، كل هذا يتم دون حتى بيان رفض أو شجب واستنكار، حتى أضعف الإيمان لا يبدو لديهم.

وسط هذا كله، لم تصدر وثيقة رسمية ولا تصريح سورى عن «العيش المشترك» بين مكونات المجتمع ولا حديث عن احترام عقائد الآخرين ومذاهبهم، وعدم التعرض لهم، عكس ذلك يحدث.. مكبرات صوت تجوب الشوارع التى يقطنها مسيحيون فى دمشق تدعوهم إلى الإسلام وهكذا.

وفى ظل التهديدات الإسرائيلية، كان المفروض أن يتم العمل على بناء جيش وطنى، لكن هناك إصرارا على عدم فعل ذلك، هناك جيش يتم تكوينه، لكن رئيس الأركان به ليس سوريا، وعدد من كبار القادة هم من «المجاهدين» القدامى فى القاعدة وداعش، كما أنهم ليسوا عربا ولا سوريين، فى إحدى الهجمات على سكان السويداء أمسك الأهالى بأحد المهاجمين، وتبين أنه لا ينطق كلمة واحدة عربية وليس عربيا ولا سوريا.

السوريون أشقاء لنا وسوريا بلد عزيز علينا جميعا، ومن المحزن أن يتم ذلك فيها، نتمنى الخير والاستقرار للشعب السورى، ونتمنى كذلك احترام تاريخ سوريا .. دمشق كانت عاصمة الأمويين، الدولة الإسلامية العربية الخالصة، ومن سوريا انطلقت سنة 1916 الثورة العربية الكبرى، ولدت فيها أفكار القومية العربية وشعاراتها، ثم ينتهى الحال أن غير العرب يتولون المواقع الحساسة بالجيش السورى ولا يدركون معنى التعدد الإنسانى.

نحن لا نتدخل فى الشأن السورى، وأهل سوريا أدرى بشعبها، لكن لأن غلمان جماعة حسن البنا، يطالبون بتكرار التجربة عندنا أو يحلمون بها، فإنه لابد من بسط بعض جوانبها والكشف عن بعض ما جرى هناك ومآلات الأمور بهذا البلد الشقيق.

ما جرى فى سوريا ينطبق عليها فقط ويخصها هى، دون غيرها، والتجارب التاريخية فى أى بلد غير قابلة للتكرار فى بلدان أو مجتمعات أخرى، وإلا كان التاريخ الإنسانى وحياة المجتمعات والدول نسخة واحدة مكررة شرقا وغربا وهذا مستحيل، لأن سنة الله فى الخلق، التعدد والتباين والتنوع حتى فى الطبيعة كذلك، هناك البلدان شديدة الحرارة وهناك المناطق الجليدية.. المشكلة أن جماعة البنا تصر على الإنكار .. إنكار كل ما جرى فى مصر منذ 30 يونيو 2013، ينكرون ما جرى ويتعلقون بما جرى ويجرى فى سوريا ويتصورون إمكان تكرار التجربة، لم يقتنعوا بالفشل فى الأردن..

رفعت الجماعة السلاح على المصريين سنة 2013 وهاجموا رجال الشرطة وعملوا على احتلال شمال سيناء، وهزموا أمام تصميم المصريين وبطولة رجال الجيش والشرطة، موقف وطنى وسياسى صلب اتخذه المصريون ضد الجماعة، ولما اكتشفوا فشلهم، هربوا إلى الخارج للاستقواء على مصر والمصريين بالخارج، وفى الوجدان المصرى الاستقواء بالخارج حالة من حالات الخيانة الكبرى.