تسابق إيران الزمن لإصلاح أجهزتها الأمنية والاستخباراتية، حيث وافقت على إنشاء مجلس الدفاع الإيرانى الجديد فى زمن الحرب، وهى خطوة تعكس الحاجة إلى تعزيز التنسيق بين المؤسسات السياسية والعسكرية فى ظل متغيرات إقليمية متسارعة وصراع بين التيارات السياسية والعسكرية بالداخل عقب الاختراقات الأمنية. ويبقى السؤال: ما أهمية مجلس الدفاع فى هذا التوقيت؟
فى خطوة لتعزيز التنسيق والاستعداد الاستراتيجى، وافق المجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى على إنشاء مجلس دفاع جديد يضم ممثلين عن المرشد الأعلى آية الله على خامنئى، وهم على أكبر أحمديان وعلى شمخانى، ووزير الاستخبارات، ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة، بالإضافة إلى قادة من الحرس الثورى والجيش، ومقر “خاتم الأنبياء” المركزى الذى يلعب دور غرفة العمليات فى الجيوش التقليدية، والذى لم يكن موجودًا فى تشكيلة المجلس الأعلى للأمن القومى، ومن المقرر أيضًا أن يكون رئيس القضاء محسن إيجئى، ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، أعضاءً فى الهيئة الجديدة، فيما سيرأس مجلس الدفاع الوطنى الإيرانى الرئيس مسعود بزشكيان.
يتميز مجلس الدفاع بصلاحياته وتكوينه، إذ يركز حصريًا على الشئون الدفاعية، ويهدف إلى العمل كمركز قيادة دائم فى زمن الحرب، وتسريع عملية اتخاذ القرار الدفاعى فى أوقات الأزمات ضمن إطار دستورى واضح. وتتطلب قراراته موافقة نهائية من المرشد الأعلى، مثل المجلس الأعلى للأمن القومى، وتتمثل أهم وظائف مجلس الدفاع فى تنظيم العلاقات بين الجيش وقوات الحرس الثورى من جهة، والتنسيق بينهما وبين الحكومة والقضاء والبرلمان من جهة أخرى. فإيران، على عكس معظم دول العالم، تمتلك جيشين نظاميين، ودخول كليهما فى ساحة المعركة أو الدفاع يتطلب التماسك والتنسيق من الناحية الإدارية. ويُكلَّف المجلس بمركزية الاستراتيجيات وتطويرها، ويرفع تقاريره رسميًا إلى المجلس الأعلى للأمن القومى. كما تم تعيين على لاريجانى، السياسى المخضرم المعروف بمواقفه المعتدلة فى مجال العلاقات الدولية، على رأس المجلس الأعلى للأمن القومى فى إيران، وهو هيئة استراتيجية مكلّفة بوضع السياسات فى مجالى الدفاع والأمن، وتحظى قراراته بموافقة المرشد الأعلى آية الله على خامنئى.
وذكرت وكالة “تسنيم” أن التهديدات الأمنية الجديدة والمعقدة، إقليميًا ودوليًا، تبرر إعادة إحياء مجلس الدفاع لما يوفره من مرونة وسرعة فى اتخاذ القرار الدفاعى، ويعيد هذا القرار إلى الأذهان مجلس الدفاع الأعلى الذى تولى الشئون القيادية خلال الحرب العراقية – الإيرانية (1980–1988)، لكن الهيئة الجديدة تُعدّ نسخة مطوّرة كهيكل فرعى تابع للمجلس الأعلى للأمن القومى. وعلى الرغم من أن المجلس الأعلى للأمن القومى يتمتع منذ فترة طويلة بالسلطة النهائية على شئون الأمن القومى، إلا أن عضويته الواسعة – التى تشمل القادة السياسيين والعسكريين والاقتصاديين – تجعله غير قادر على التعامل مع الحالات الطارئة بالسرعة المطلوبة، وتعمل تحت مظلته بالفعل عدة مجالس فرعية أقل شهرة، من بينها مجلس الدفاع السلبى للبنية التحتية الحيوية، ومجلس تنسيق الاستخبارات المكوَّن من رؤساء الوكالات، ومجلس الأمن القومى الذى يرأسه وزير الداخلية.
تأتى هذه الخطوة فى ظل تصاعد التوترات مع إسرائيل والولايات المتحدة، وتزايد الشكوك حول قدرة إيران على الاستجابة السريعة فى أوقات الأزمات، وذلك بعد أسابيع قليلة من حربها مع إسرائيل التى استمرت 12 يومًا، كانت تلك الحرب، وفقًا للتقارير، عصا استخدمتها واشنطن عبر تل أبيب لتأديب إيران على تصلبها خلال المحادثات التى جرت تارة فى مسقط وتارة فى روما بشأن عملية تخصيب اليورانيوم الإيرانى. كما اعتُبرت حرب يونيو الماضى التحدى العسكرى الأخطر الذى واجهته إيران منذ حرب الثمانينيات مع العراق، حيث كشفت عن ثغرات واضحة فى إدارة القرار الدفاعى، إلى جانب سياقات داخلية تتعلق بإعادة ترتيب البنية الأمنية وتوزيع الأدوار بين مختلف القوى. وأفادت أمانة المجلس الأعلى للأمن القومى، نقلًا عن وسائل إعلام رسمية، بأن المجلس الدفاعى الجديد – المسمى “مجلس الدفاع الوطنى” – سيُعنى بمراجعة الخطط الدفاعية وتعزيز قدرات القوات المسلحة الإيرانية بشكل مركزى. ويأتى هذا الإعلان فى وقت حذر فيه أمير حاتمى، القائد العام للجيش الإيرانى، من استمرار التهديدات الإسرائيلية وعدم الاستهانة بها.
ويرى الدكتور هانى سليمان، مدير المركز العربى للبحوث والدرسات والباحث فى الشأن الإيرانى، فى حديثه للمصور، أن سعى إيران لإصلاح أجهزتها الأمنية والاستخباراتية يأتى ضمن محددات ودوافع مختلفة. أولًا، محاولة تعويض القيادات التى تم استهدافها خلال حرب الاثنى عشر يومًا مع إسرائيل، والتى فقدت فيها إيران شخصيات مهمة وحساسة، ما استدعى إعادة تشكيل هذه الأجهزة بإحلال عناصر جديدة محل تلك التى فقدتها. ثانيًا، محاولة تدوير القيادات الأمنية والاستخباراتية، وإحداث انتقال يضخ نشاطًا جديدًا ويبحث عن استراتيجيات وآليات مبتكرة، ربما لإعادة النظر فى فاعلية القيادة الحالية وتحقيق أقصى استفادة ممكنة داخل النظام. أما العنصر الثالث، فهو مواجهة مشكلة بقاء بعض القيادات لفترات طويلة، ما يؤدى إلى البيروقراطية ويحد من الاستفادة الكاملة منها، فضلًا عن منح الفرصة للاختراق من قبل الاستخبارات الخارجية، وخصوصًا الإسرائيلية، وهو ما برز بوضوح خلال الحرب الأخيرة، حيث شكّل حجم الاختراق الأمنى والاستخباراتى مفاجأة كبيرة، وأدى إلى خلل فى قدرة إيران على إدارة المواجهة، إذ تزامنت التحركات العسكرية مع تحركات من داخل إيران نفسها، بما يؤكد تورط العديد من العناصر.
وأشار الدكتور سليمان إلى أن إنشاء مجلس دفاعى جديد يأتى ضمن سياقات إقليمية ودولية متغيرة للغاية، تحتم على النظام الإيرانى التحرك على المستوى السياسى. وعلى الرغم من أن البعض يرى فى هذا التشكيل خطوة ظاهرية أكثر من كونها عملية وفعالة، فإنه – برأيه – يعكس هدف النظام فى إعادة إنتاج مؤسساته ومحاولة إضفاء قدر أكبر من الحيطة فى تكوين هذه الأجهزة، لتكون عصية على الاختراق، ويرى أيضًا أن ذلك قد يخلق فجوة وأزمة ثقة داخل الأجهزة التقليدية القائمة، ما قد يدفع إلى تشكيل أو استحداث مؤسسات جديدة أخرى ذات طابع شديد الانغلاق، لحماية مصالح النظام فى ظل الاختراقات الأمنية والاستخباراتية التى شهدتها الفترة الماضية، وبذلك، فإن إعادة التشكيل تأتى بغرض الحماية والانغلاق الأمنى والاستخباراتى، ولتحقيق أهداف محددة بدقة تتناسب مع طبيعة المرحلة والتحديات القائمة.