رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الجدار المضاد للمسيّرات.. استراتيجية أوروبا الدفاعية ضد الدب الروسى


8-10-2025 | 13:08

.

طباعة
تقرير: سلمى أمجد

وسط انتهاكات متكررة للمجال الجوى الأوروبى، وتحذيرات من حرب هجينة تلوح فى الأفق، اجتمع قادة الاتحاد الأوروبى فى العاصمة الدنماركية، كوبنهاجن؛ لوضع خارطة طريق تلبى الاحتياجات الدفاعية الأكثر إلحاحًا فى ظل تصاعد التهديدات الروسية وشكوك حول مدى التزام الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بدعم أوكرانيا، وأمن حلف شمال الأطلسى «الناتو».

خلال الاجتماع، ناقش قادة الاتحاد الأوروبى مجموعة من مشاريع الدفاع الرئيسية التى اقترحتها المفوضية الأوروبية فى خطتها لتعزيز القدرات الدفاعية للتكتل بحلول عام 2030، وفى مقدمة هذه المشاريع، بناء جدار مضاد للمسيّرات، مراقبة الجناح الشرقى، وإنشاء درع الدفاع الجوى، ودرع الفضاء الدفاعى، ولم تكن فكرة بناء جدار مضاد للمسيرات جديدة حيث يمتلك العديد من الدول بالفعل، أو تعمل على تطوير تقنيات مضادة للطائرات المسيرة، كما سبق وأطلقت ألمانيا مبادرة «درع السماء الأوروبية» (ESSI) فى 2022 بهدف تعزيز الدفاع الجوى والصاروخى، لكن الفكرة عادت للسطح مرة أخرى بعد إعلان عدة دول أوروبية، منها بولندا وإستونيا ورومانيا والدنمارك، عن اختراق طائرات بدون طيار لمجالها الجوى، ووُجهت أصابع الاتهام إلى موسكو التى بدورها نفت ذلك.

ولن يكون الجدار المضاد حاجزًا ماديًا، بل شبكة منسقة من أجهزة تتبع الطائرات المسيرة -قد تستخدم أدوات مثل الرادار وأجهزة التشويش وأجهزة الاستشعار الصوتية- إلى جانب تحسين تبادل المعلومات والبيانات، على طول الجناح الشرقى، وفقًا لما أفادت به صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، وسيعتمد المشروع على الخبرة التى تم تطويرها فى أوكرانيا، التى تقدم بالفعل المشورة لحلفائها الأوروبيين، ومع ذلك يتساءل الخبراء عما إذا كانت القارة العجوز تمتلك من المال أو الوقت أو الإدارة السياسية اللازمة لتحقيق ذلك، خاصة أن المقترح لاقى بعض المعارضة من دول جنوب أوروبا التى لا تربطها حدود مع روسيا مثل إسبانيا وإيطاليا، والتى طالبت بمفهوم أشمل يتضمن حماية حدودها، كما أبدت فرنسا وألمانيا شكوكًا حول إدارة المفوضية لـ»جدار المسيرات».

التمويل المالى والعسكرى لكييف نقطة نقاش أخرى على طاولة القادة الأوروبيين، حيث تقدمت المفوضية الأوروبية بمقترح لإصدار «قرض تعويضات» دون فوائد بقيمة 140 مليار يورو (165 مليار دولار)، لأوكرانيا، للاستفادة من الأصول الروسية دون الاستيلاء عليها، ولن يتم سداد القرض إلا إذا عوضت موسكو أوكرانيا عن الأضرار التى لحقت بها خلال الحرب، وقد اكتسبت فكرة استغلال الأصول زخمًا مع جفاف المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، وزيادة الضغوط على الاتحاد الأوروبى لتكثيف جهوده، على الصعيد الروسى، حذر الكرملين من أن المصادرة المحتملة للأصول الروسية لن تمر مرور الكرام، وهدد بإجراءات مماثلة.

من فرنسا، أوضح الدكتور طارق وهبى، خبير العلاقات الدولية، أن بناء جدار مضاد للمسيّرات هو مشروع قديم حديث، فمنذ دخول المسيّرات فى الحرب الأوكرانية، استرجع الجميع حقبة الحرب الباردة، ومرور الغواصات الروسية بالقرب من سوحل «الناتو»، وبالتحديد السواحل الإسكندنافية، والبريطانية، والفرنسية، والإسبانية، وكان هناك مشكلة كبرى متعلقة بهذا الموضوع بالتحديد لمفهوم أن هناك تجسسا من هذه الغواصات الروسية تجاه الغرب، ومع إرسال المسيّرات، من الواضح أن هناك مَن يريد أن يضع الاتحاد الأوروبى فى نوع من الخلخلة الأمنية على غرار ما حدث فى الماضى، لكنه أصبح كذلك بمثابة جرس إنذار لأوروبا.

«وهبى» أضاف أن بناء جدار مضاد هو أمر فى غاية الأهمية، يدفع نحو ما يسميه الأوروبيون بالاستراتيجية العسكرية المتحدة التى تستطيع أن تخفف الأعباء، ليس فقط على دولة، بل على كل الدول الأوروبية لحماية الأجواء من المسيرات، فضلًا عن تطوير ما يسمى كيفية التوصل إلى مراقبة هذه المسيرات خاصة التى يصعب على الرادارات التقاطها.

أما فيما يتعلق باستخدام الأصول الروسية المتجمدة،  أكد " وهبى " أن هناك مخاوف كبرى حتى هذه اللحظة من المفهوم القانوني، وحتى بعض الدول مثل بلجيكا علقت على ذلك . وحتى هذه اللحظة ما يسمح به فقط هو استخلاص الفائدة على هذه الأصول و استعمالها في دفع الفواتير التي لها علاقة باستخدام الأسلحة التي تشترى وتباع إلى أوكرانيا ، دون استعمال الأصول ذاتها . لأنها– بالمفهوم القانونى- ليست ملكًا للبنوك ولا للدول، التي لا تستطيع استخدامها إلا في حالة نشوب حرب بين روسيا ودول أوروبا.

من موسكو، قال الدكتور أديب السيد، الخبير فى الشئون الروسية والعلاقات الدولية، إن العالم دخل حاليًا مرحلة جديدة من سباق التسلح، لكن هذه المرة أصبحت محصورة فى الأسلحة الرخيصة والفعالة فى نفس الوقت وخاصة الطائرات المسيّرة، كانت تركيا وبعدها إيران سباقة فى هذه المجال، ورأى العالم تأثيرها فى الحرب الأذرية الأرمنية فى بداية الأمر ثم من خلال الاعتداءات الإسرائيلية على الدول العربية، وفتحت الحرب بين روسيا وأوكرانيا أعين العالم على ضرورة اللحاق بالركب.

وفيما يتعلق بردود الفعل الروسية على إقامة أوروبا لجدار مضاد للمسيّرات، أوضح «أديب» أن موسكو لا تقف مكتوفة الأيدى حيال هذه التطورات فهى تعمل بوتائر سريعة على اتخاذ سلسلة من الإجراءات التى من شأنها إحباط فاعلية مثل هذا الجدار من خلال تصنيع طائرات مسيّرة قادرة على اختراق منظومات الرادار الأوروبية وتفادى السقوط كفريسة للمضادات المعمول بها فى حلف الناتو أسوة بالصواريخ الاستراتيجية الروسية القادرة على تخطى منظومات الدفاع الجوية لحلف الناتو، ويبدو أن الطائرات المسيّرة ستتحول على المدى المنظور إلى سلاح أساسى فى الحروب والمواجهات العسكرية المحدودة على ضوء عدم رغبة الدول النووية فى التورط فى حروب الدمار الشامل.

وعن إقدام الدول الأوروبية مصادرة الأصول الروسية، أكد «أديب» أنها ستكون ضربة كارثية ليس لروسيا بل للنظام المالى العالمي، حيث ستؤدى إلى إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بمفهوم trust (الثقة) الذى على أساسه يقوم نظام الودائع المالية، وهذا سيكون بمثابة تحذير قوى للصين والهند وكذلك الدول العربية التى تملك ودائع مالية هائلة فى البنوك الغربية، وروسيا أعلنت أنها لن تسمح بمصادرة أموالها المودعة لدى الغرب وأنها ستعمل على استرادادها. وهذا يمكن أن يتم من خلال مصادرة أصول الشركات الغربية التي غادرت الأسواق الروسية بصورة غير رسمية ، ومصادرة الأملاك الغربية في الأراضي الروسية الرسمية وغير الرسمية . وحث المستثمرين الروسية على سحب ودائعهم من الدول الغربية وأخيرًا شن حملة إعلامية واسعة النطاق ضد النظام المالي الغربي وخلق حالة من الشكوك في التزام الدول الغربية بعدم استخدام الودائع والاصول المالية لأهداف سياسية وأخيرًا إقناع الدول ذات الاقتصاد القوى والنامي بإنشاء منظومات مالية كبرى قادرة على استقطاب الودائع من كافة دول العالم.

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة