الأمر المؤكد أن هذه الثلاثية الإخوانية من أركان المخططات الإسرائيلية فى كل المراحل وجميع الأزمنة، ولم تتراجع ولن ترتد دولة الاحتلال عن هذا المسار الملعون أبدًا، وهذا ما يترجم التوافق الخفى مع التنظيم الدولى للإخوان لعدة عقود منذ تأسيس الجماعة، والذى ظهر للعلن مؤخرًا فى مظاهرة الفرع الإخوانى أمام سفارتنا فى تل أبيب لتبرئة مجرم الحرب نتنياهو وحكومته المتطرفة من دماء الفلسطينيين، وإنقاذهم من الاتهامات الأممية، والقضايا الدولية لمحاكمة قادة الدولة العبرية بجرائم التجويع الممنهج، والإبادة الجماعية عقابًا على ما اقترفته أيديهم الآثمة من مجازر بشعة، ومذابح وحشية تفوق مآسى التتار، وفواجع هتلر، فهى النازية على الطريقة الإسرائيلية، بقبول ورضا إخوانى، فهما وجهان لنفس العملة الرديئة، والطيور على أشكالها تقع.
ولا تكل ولا تمل تل أبيب وحليفتها الجماعة الإرهابية، ـ وهما كالأخطبوط لديهما أذرع متشعبة فى دول شتى ومناطق مختلفةـ، من التآمر على أمن العواصم العربية، والسعى المتواصل لزرع القلاقل فى طريق شعوبها، وزعزعة استقرار أنظمتها الحاكمة، تارة بالشائعات الهدامة والأكاذيب المضللة، وتارة بالتحريض المتعمد لتشكيك الناس فى كل السياسات، وإثارة القلق من جميع القرارات، وتشويه الإنجازات، وتضخيم المشكلات، وسلاح الصهاينة والإخوان فى السنوات الأخيرة هو مواقع التواصل الاجتماعى التى تسيطر على ملايين الحسابات فيها ميليشيات إلكترونية، تقف بالمرصاد للأمة العربية، وتتربص بأمنها القومى، وتنسج المخططات، وتدبر المكائد لهدم المؤسسات الوطنية حتى تجد منفذًا إلى السطو على مقدرات الدول، والسيطرة على صناعة القرار فيها، لتبدأ خطة التمكين والأخونة، وهو ما تعرضت له ثلة من العواصم العربية خلال أحداث ما يُسمى زورًا وبهتانًا «الربيع العربى» من تونس إلى مصر مرورًا باليمن وسوريا وليبيا وأخرها السودان.
ومن المعلوم بالضرورة، أنه لم ينجُ من مصائد التحالف الصهيوإخوانى إلا مصر باصطفاف شعبها الواعى مع قيادته الحكيمة وبمساندة جيشها القوى الأمين خلال ثورة يونيو العظيمة التى حافظت على هوية الوطن، وأنقذته من السقوط فى مستنقع الحرب الأهلية، ثم تونس التى حاصرت مخططات حركة النهضة الإخوانية قبل ابتلاع الدولة من خلال روشتة مصرية شافية لكل الفيروسات الإخوانية، وقادرة على علاج جميع مضاعفات حكمها المشئوم، أما بقية الدول مازالت تصارع طواحين الهواء، وتقاتل التنظيمات المتطرفة من أفرع التنظيم الدولى للإخوان من أجل العودة إلى سابق الزمان، لكن للأسف تفرقت بها السبل، وتاهت منها «بوصلة الطريق» فى جولات التناحر بين القوى السياسية، والصراعات المسلحة، مع تعدد اللاعبين الدوليين وأصحاب المصلحة فى بقاء الوضع على ما هو عليه.
وفى كل أزمة يتعرض لها استقرار دولة عربية من المحيط إلى الخليج، عندما نفتش عن المستفيد، ونتحرى عن المنتفع، ونتتبع المجرم للوقوف على السبب، بحكم أنه إذا عرف السبب بطل العجب، نكتشف أن الجانى الرئيسى الكيان الصهيونى محور الشر فى المنطقة منذ اُبتليت به، ومن وراء الستار تتخفى وراء الأقنعة الزائفة جماعة الإخوان الإرهابية، مرة بالتشكيك وإثارة الفوضى، ومرة بالضلوع فى أعمال العنف لتسريع مخطط الهدم، لتحقيق حلمها الذى لا رجعة عنه فى كل مراحلها وهو الوصول إلى كرسى الحكم، والتحكم فى مصائر البلاد والعباد، وتوظيفها لصالح التنظيم الدولى دون أدنى اعتبار لسيادة الأوطان أو سلامة أراضيها، فلا قيمة للوطن فى عقيدتهم الفاسدة، ولا تقدير لأمنها القومى طالما المكاسب من نصيب الجماعة تتواصل.
ورغم محاولات التمويه الإخوانية، وحيل التخفى، وحلقات التزييف من قيادات التنظيم للتغطية على كبائر الذنوب فى حق أوطانهم إلا أن الجماعة الإرهابية تضبط متلبسة مع سبق الإصرار والترصد فى كل مرة، وتكتشف الشعوب قبل الحكومات قذارة أفعالها وسوء سلوكها، فمن السهل أن تخدع بعض الناس كل الوقت، لكن من الصعب أن تخدع كل الناس كل الوقت، فما بالك بأبناء الدول العربية الذين أصابتهم نار الجماعة الإرهابية كثيرًا، وأحرقت بلادهم مؤامراتها بالتنسيق مع أجهزة استخباراتية معادية من الغرب والشرق، وفى القلب منها الموساد الإسرائيلى، وبداية الخيط من شعبة الإخوان فى تل أبيب بين ما يسمى عرب 48، خيب الله مساعيهم، ورد كيدهم فى نحورهم.
وعلينا جميعًا كعرب الانتباه والحذر لأن المؤامرة بين التنظيم الدولى للإخوان وإسرائيل على الأمة العربية تُمارس فى العلن، وتتحرك على الأرض، وتتخذ من مأساة غزة مدخلاً إلى المتعاطفين مع الأشقاء المحاصرين من جيش دولة الاحتلال، وترفع مجاعة أهل القطاع كقميص عثمان للإساءة إلى الدول العربية، صحيح، ضربة البداية ضد مصر كما حدث فى مظاهرة إخوان تل أبيب أمام السفارة المصرية لكن الحلقة ستتسع، ويأتى الدور على بقية العواصم لإشغالها بنفسها، وتفتيت جبهة الرفض العربى المتماسك لمواجهة مخطط تهجير سكان غزة، ومنع تصفية القضية الفلسطينية، وهنا تجدر الإشارة إلى صفقة القرن التى وافقت عليها الجماعة الإرهابية خلال عام حكم المرشد من أجل إقامة منطقة لتهجير ونقل أهل القطاع إليها، لكن خروج ملايين المصريين فى ثورة 30 يونيو العظيمة، وإسقاط حكم الجماعة الإرهابية أفسد هذه الدسيسة.
وهنا أجدنى مدفوعًا بقوة للتوقف أمام رسائل الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال زيارته التفقدية إلى الأكاديمية العسكرية المصرية مؤخرًا حول معالم المؤامرة على العرب خلال هذه المرحلة الفارقة فى عمر الأمة، ودعوته الصريحة لضرورة الاتحاد، والتحذير من مخططات «الوقيعة»، فقد أكد الرئيس «أن المنطقة العربية تمر بظروف استثنائية منذ عام 2011، وليس فقط منذ أحداث 7 أكتوبر 2023، مما يؤكد صحة السياسات المصرية المرتكزة على التوازن وعدم التدخل واحترام سيادة الدول، مع التحذير من محاولات بث الفُرقة بين الشعوب العربية عبر وسائل الإعلام، وتوضيح قوة العلاقات المصرية مع الدول العربية الشقيقة، وضرورة تجاوز الخلافات من أجل وحدة الصف العربى لأن الأمن العربى وحدة متكاملة ترتبط به مصر ارتباطًا وثيقًا، وأن أى تدخل خارجى يهدف إلى زعزعة استقرار الدول العربية».
وبالطبع، هذه ليست مجرد رسائل عابرة، بل هى عبارات قليلة الكلمات، كثيرة المعانى، شاملة المضمون، توضح خطورة المؤامرة على العروبة، وعلى الشعوب أن تدرك أنها على رادار الاستهداف الإسرائيلى الإخوانى لضرب التماسك العربى، وساحة المعركة ليست الحروب التقليدية برًا وبحرًا وجوًا، بل هناك ما هو أخطر تأثيرًا، وأكثر فاعلية، تلك الأسلحة الخفية، ذات الأداء الناعم، والعواقب الخفية، إنها الحروب بالأذرع الإعلامية، ومنصات السوشيال ميديا التى تتقنها دولة الاحتلال بشراسة من خلال وحدات تابعة لجيشها الدموى مثل الوحدة 8200 المسئولة عن قيادة الحرب الإلكترونية، وتجيدها الجماعة الإرهابية بضراوة عبر لجانها الإلكترونية الفتاكة وما أكثرها فى كل التطبيقات، وليس مجرد رواد أو مستخدمين عاديين كما يتخيل الشباب العربى، ويتعامل بحسن نية وسذاجة خلال تصفح الجروبات والصفحات وما بها من سيل الفيديوهات وفيضان البوستات وبحار الكوميكس، بل الحقيقة المؤكدة أن وراء هذه المواقع من الفيس بوك إلى إكس وإنستجرام ثم الواتساب واليوتيوب وغيرها، تقف خلف شاشاتها ذئاب مفترسة للعقول من إسرائيل والجماعة الإرهابية، وهو ما لفت الانتباه إليه الرئيس السيسى عندما أوضح أن «مواقع التواصل الاجتماعى ليست شرًّا فى حد ذاتها، وإنما يكمن الأثر فى كيفية استخدامها، فهى أداة نافعة إذا أُحسن توظيفها، لكنها قد تُستخدم لترويج الشائعات وهدم المعنويات، وهو ما يواجهه الشعب المصرى بوعى وإدراك متزايد».
ولمزيد من توضيح الصورة حتى لا نعطى الفرصة للمزايدين ومن لف لفهم فى رفض قصة المؤامرة على الدول العربية، والسير فى درب الجماعة الإرهابية وحليفتها إسرائيل فى كيل الاتهامات الباطلة والمزاعم الخسيسة ضد القاهرة والعواصم العربية بالزعم المفضوح صوتًا وصورة وعلى الهواء مباشرة فى مسألة المساعدات الإغاثية لأهل غزة لصرف النظر عن جرائم دولة الاحتلال، وتشتيت الانتباه عن العلاقة الوثيقة بين الكيان والجماعة، لا ينكر أحد أن كل البلدان العربية وفى مقدمتها مصر رفضت رفضًا قاطعًا مخطط التهجير، وتواصل مساعى وقف الحرب تمهيدًا لبدء مسار التفاوض حول إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة باعتبارها الحل الوحيد لضمان أمان واستقرار الشرق الأوسط كله.
وبعيدًا عن أكاذيب القنوات والمواقع الإسرائيلية والإخوانية التى يتم تسريبها بشكل مُتَعمَّد مرة حول قبول ليبيا باستقبال الفلسطينيين المهجّرين من غزة، وأخرى بخصوص الرغبة السودانية فى دخول البعض وهكذا، وكلها افتراءات مصنوعة وإفك بيّن، لأن القول الفصل هو الإجماع العربى على الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة واعتمادها، دون أن يخرج منها فلسطينى واحد، والبيان الختامى للقمة لا لبس فيه بالنص على أن «أى محاولات آثمة لتهجير الشعب الفلسطينى أو ضم أى جزء من الأرض الفلسطينية سيكون من شأنها إدخال المنطقة مرحلة جديدة من الصراعات»، مع الرفض القاطع لسياسات التجويع والأرض المحروقة لإجبار أهل غزة على الرحيل من أراضيهم.
ومن المعروف أن الخطة العربية بالصبغة المصرية لإعادة إعمار غزة تحظى بدعم دولى شبه كامل ما عدا مؤيدى إرهاب إسرائيل وحلفاء الجماعة الإرهابية وهم قلة، كما تنال أيضًا مساندة من منظمات الأمم المتحدة، وتلقى إشادات من الخبراء والمتخصصين الغربيين لأن هذه الخطة محددة المعالم، واضحة الخطوات، مدروسة المراحل، وهو ما يزيد غضب دولة الاحتلال، ويجعلها تواصل مؤامرة التفرقة بين الدول العربية لفتح الطريق إلى تنفيذ مخطط التهجير وتصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد، وهذا لم ولن يحدث أبدًا، إن القدس هويتنا، وفلسطين قضية القضايا العربية، وصمود الشعب الفلسطينى، وقوة الوعى العربى قادرة كلها لا محالة على حماية حقوق الفلسطينيين.
حمى الله الأمة العربية وشعوبها وقادتها
ومؤسساتها الوطنية من كل سوء.



