رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الخطة الإسرائيلية تشعل المواجهة الدبلوماسية.. والثلاثى الغربى يكسر تحالف الصمت


16-8-2025 | 14:13

.

طباعة
تقرير: إيمان السعيد

قبل أيام من كشف إسرائيل عن خطتها المثيرة للجدل لفرض سيطرة أمنية وإدارية على قطاع غزة، كانت كندا قد انضمت إلى فرنسا والمملكة المتحدة معلنة استعدادها للاعتراف رسميًا بدولة فلسطين فى سبتمبر المقبل، خلال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، الخطوة الكندية، التى شكّلت جزءًا من موجة دبلوماسية غربية متصاعدة، عكست تغيرًا جوهريًا فى مواقف بعض من أقرب حلفاء واشنطن، لكن الخطة الإسرائيلية الأخيرة، التى وُصفت أوروبيًا بأنها محاولة لإدامة الاحتلال تحت مسمى “إدارة انتقالية”، صعّدت حدة التوتر، ودَفعت حتى دولًا داعمة تقليديًا لتل أبيب إلى التحذير من عزلة دولية وفرض عقوبات إذا استمرت فى سياسات الضم والتوسع.

كان رئيس الوزراء الكندى مارك كارنى قد أعلن قبل نحو أسبوعين، فى مؤتمر صحفى مشترك مع وزيرة الخارجية أنيتا أناند، عن اعتزام بلاده الاعتراف بدولة فلسطين، مؤكدًا التزام كندا الطويل الأمد بحل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لضمان سلام دائم فى المنطقة، وأوضح أن القرار جاء بعد أن أظهرت السلطة الفلسطينية التزامًا جادًا بإجراء الإصلاحات الضرورية، وتأكيدها نيتها إجراء انتخابات طال انتظارها فى 2026، دون مشاركة حماس.

كندا ليست وحدها، ففرنسا سبقتها بإعلان مماثل، والمملكة المتحدة أعربت عن استعدادها للاعتراف بفلسطين ما لم تستجب إسرائيل لشروط محددة، فى مقدمتها وقف إطلاق النار فى غزة. ويعكس التقارب الواضح بين كندا وفرنسا تنسيقاً دبلوماسياً واسعاً. فقد أكد الإليزيه أن الرئيس إيمانويل ماكرون تحدث مع كارنى قبل الإعلان، وأضاف فى بيان رسمي: “سنواصل جهودنا لتشجيع الآخرين على الانضمام إلى هذا الزخم». كما زادت دول مثل مالطا وأستراليا ونيوزيلندا والبرتغال من زخم الإشارات الدولية، حيث وقعت بيانات تؤيد اعترافًا أو تعبر عن استعداد صارم لذلك خلال سبتمبر.

فى الوقت ذاته بدأت إسرائيل فى خسارة أقرب حلفائها، حيث صرح وزير الخارجية الألمانى يوهان فاديفول بأن إسرائيل تواجه خطرًا حقيقيًا فى أن تصبح معزولة دوليًا نتيجة الأزمة الإنسانية فى غزة والاعترافات المتزايدة بدولة فلسطين من قبل دول غربية كبرى. وأوضح فاديفول أنه رغم أن الاعتراف بدولة فلسطينية يجب أن يأتى فى نهاية عملية تفاوضية، فإن هذه العملية ينبغى أن تبدأ الآن، وأن ألمانيا ستكون مضطرة للرد على أى خطوات أحادية الجانب من إسرائيل، خاصة فى حالات التوسع أو الضم الأحادى للضفة الغربية.

التحركات الأخيرة ليست الأولى ضد سياسات إسرائيل، فقبل أسابيع انضمت كندا إلى المملكة المتحدة والنرويج ونيوزيلندا وأستراليا فى فرض عقوبات على وزيرين متشددين فى حكومة نتنياهو، بسبب العنف الاستيطانى فى الضفة الغربية، وجاء فى بيان مشترك: “نحن ملتزمون بحل الدولتين، لكن هذا المسار مهدد بسبب التوسع الاستيطانى والعنف الممنهج ضد الفلسطينيين”.

الخطوة الكندية لم تمر دون ردود فعل غاضبة، الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وصف إعلان كندا بأنه “كارثة”، وهدد بإفشال المفاوضات التجارية الجارية مع أوتاوا، متوعدًا بفرض رسوم جمركية بنسبة 35 فى المائة على بعض الواردات الكندية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق قبل الأول من أغسطس.

فى المقابل، اعتبرت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن القرار “مكافأة لحماس”، محذرة من أنه يضر بالجهود المبذولة للتوصل إلى وقف إطلاق نار وإطلاق سراح الرهائن. وكتب السفير الإسرائيلى لدى كندا، إدو موئيد، على منصة X: “لن نرضخ لحملات الضغط الدولية، ولن نسمح بفرض دولة جهادية تسعى لإبادتنا”، لكن كارنى شدد فى كلمته على أن الاعتراف لا يأتى على حساب أمن إسرائيل، بل العكس. وقال: “أى طريق نحو سلام دائم يتطلب دولة فلسطينية قابلة للحياة ومستقرة، تعترف بحق إسرائيل غير القابل للتصرف فى الأمن”.

ورغم أن الاعتراف بدولة فلسطين لا يغير الوضع على الأرض، فلا المستوطنات ستُزال، ولا الحصار سيتوقف، إلا أن رمزيته السياسية والقانونية ثقيلة، ففلسطين، منذ 2012، تحمل صفة دولة مراقب غير عضو فى الأمم المتحدة، وقد اعترف بها أكثر من 140 دولة من أصل 193، لكن ما يميز الموجة الحالية من الاعترافات هو أنها صادرة عن دول غربية ديمقراطية طالما كانت فى المعسكر الداعم لإسرائيل، وهذا ما أكده جوناثان بانيكوف، نائب رئيس الاستخبارات الوطنية الأمريكية سابقًا، حين قال إن الخطوة تهدف إلى “زيادة الضغط على إسرائيل لإعادتها إلى طاولة مفاوضات حل الدولتين”، محذرًا فى الوقت نفسه من أن الاعتراف قد يبقى رمزيًا، وقد يُوتر العلاقات مع تل أبيب دون نتائج فورية على الأرض.

وفى السياق ذاته، أوضح د. صلاح عبد العاطي، رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن الشعب الفلسطيني، لـ”المصور”، أن موجة الاعترافات وإن جاءت متأخرة ثمانية عقود، إلا أنها تحمل دلالة بالغة فى هذا التوقيت، خصوصًا مع إصرار إسرائيل على مواصلة الإبادة والضم ورفض الاعتراف بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطينى، وشدد على ضرورة تحويل هذا الزخم الدبلوماسى إلى خارطة طريق تفرض على إسرائيل الالتزام بحل الدولتين، وتدفع نحو فرض العقوبات ومقاطعة دولة الاحتلال إلى أن تنصاع لقرارات محكمة العدل الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.

وأشار إلى أن هذه الاعترافات لم تكن هبة مجانية، بل جاءت نتيجة مباشرة لنضال الشعب الفلسطينى وتضحياته المتواصلة، ولجهود النشطاء وأحرار العالم فى تلك الدول الذين ضغطوا من الداخل لتغيير مواقف حكوماتهم، كما أن الصور القادمة من قطاع غزة، وما حملته من مشاهد صادمة لوحشية الاحتلال وجرائم التجويع والتطهير العرقى، لعبت دورًا حاسمًا فى تأجيج الرأى العام الدولي.

من جانبه، اعتبر د. أشرف القدرة، المتحدث باسم وزارة الصحة فى غزة، أن الاعترافات خطوة فى الاتجاه الصحيح نحو مزيد من تثبيت الحقوق الفلسطينية المشروعة، وعلى رأسها إقامة الدولة المستقلة على كامل الأراضى المحتلة. وقال فى تصريح لـ «المصور»: “ما يجرى حاليًا ليس مجرد تضامن سياسي، بل بداية تحرك دولى يضع حدًّا للسياسة المعلنة من الاحتلال الإسرائيلى التى تهدف إلى تهجير شعبنا قسرًا من أرضه”.

وأضاف القدرة: «نثمّن هذه المواقف، وندعو كل الدول التى لم تعترف بعد بدولة فلسطين إلى اتخاذ خطوات مماثلة. كما نطالب أحرار العالم بمواصلة دعمهم لصمود شعبنا، والتحرك الجاد لوقف حرب الإبادة المستمرة منذ نحو عامين، والتى يستخدم فيها الاحتلال كل أدوات القتل من تجويع واستهداف للمدنيين، إلى قصف المنازل والمستشفيات والمؤسسات المدنية والبنى التحتية فى قطاع غزة».

أخبار الساعة

الاكثر قراءة