رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

تايلاند وكمبوديا.. صراع الحلفاء


3-8-2025 | 19:41

.

طباعة
تقرير:أمانى عاطف

بعد خمسة أيام من اندلاع أعنف اشتباكات حدودية بين تايلاند وكمبوديا منذ نحو 15 عاما، اتفقت الدولتان على وقف إطلاق النار «غير المشروط» بعد ما تبادل الطرفان الاتهامات بالمسئولية عن المواجهات، يأتى ذلك فى وقت تتزايد فيه المخاوف الإقليمية والدولية من أن تؤثر هذه المواجهات على استقرار جنوب شرق آسيا، خاصة بالنسبة للصين التى تتابع التصعيد عن كثب.

 

أعلن رئيس الوزراء الماليزى أنور إبراهيم الذى ترأس المحادثات بصفته رئيسًا للكتلة الإقليمية لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، أن الجانبين توصلا إلى تفاهم مشترك لاتخاذ خطوات لإعادة الأوضاع إلى طبيعتها، عقب ما وصفه بمناقشات صريحة، وتم تكليف وزراء خارجية ودفاع ماليزيا وكمبوديا وتايلاند «بوضع آلية مفصلة» لتنفيذ ومراقبة وقف إطلاق النار لضمان سلام مستدام.

ووفق ما أفادت به مصادر ميدانية، فقد أسقطت مقاتلات تايلاندية عدة قنابل على أهداف عسكرية كمبودية فى ستة مواقع على طول الحدود المتنازع عليها، ما أسفر عن مقتل 18 مدنيًا تايلانديًا على الأقل، فيما لم تعلن كمبوديا عن سقوط ضحايا فى صفوفها، وتقول بانكوك إن هذه الضربات جاءت ردًا على إصابة جندى تايلاندى فى انفجار لغم أرضى.

تحدث الدكتور أحمد عبده طرابيق، الباحث فى الشئون الآسيوية، عن أن اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة كانت غير مشروطة، لأن الصراع معقد تتداخل فيه العوامل الدينية مع العوامل السياسية، وهذا يعنى أن المشكلة مستمرة، وأشار إلى أن تجدد الصراع صباح الخميس الماضى فى عدد من المناطق الحدودية بين تايلاند وكمبوديا، يهدد السلام الهش الذى يعيشه البلدان منذ أكثر من مئة عام، وتحديدًا بعد استقلال كمبوديا عن فرنسا التى وضعت حدودًا سياسية ملتهبة بين البلدين قبل انسحابها وإعلان استقلال كمبوديا فى 9 نوفمبر 1953 تحت قيادة الملك نوردومسيهانوك، وأشار إلى أن العلاقات بين البلدين يسودها طابع معقد يجمع بين التعاون والتنافس.

وأضاف الدكتور طرابيق أن هذه الجولة من الصراع تأتى بعد فترة وجيزة من الأحداث التى وقعت فى مايو الماضى، حين تبادلت القوات المسلحة التايلاندية والكمبودية إطلاق النار لفترة وجيزة فى منطقة حدودية صغيرة نسبيًا متنازع عليها، تُعرف باسم «المثلث الزمردى»، حيث تلتقى حدود تايلاند وكمبوديا مع جمهورية لاوس، وقد ادعى كل طرف أنه تصرف دفاعًا عن النفس، وقُتل خلال تلك الأحداث جندى كمبودى، ورغم إعلان الجانبين لاحقًا توصلهما إلى تهدئة، إلا أن التوتر استمر مع استمرار التهديد باتخاذ تدابير لا تشمل استخدام القوة المسلحة، مما أبقى الوضع متوترًا، وقد فرضت تايلاند قيودًا مشددة على الحدود مع كمبوديا، ما أدى إلى توقف معظم المعابر، بينما ردت كمبوديا بحظر بث البرامج التلفزيونية والأفلام التايلاندية، وأوقفت استيراد الوقود والفواكه والخضروات من تايلاند، بالإضافة إلى مقاطعة بعض وصلات الإنترنت الدولية وإمدادات الطاقة التايلاندية.

وأشار الدكتور طرابيق إلى أن الدولتين تتشاركان حدودًا برية يبلغ طولها نحو 800 كيلومتر، رسمها الفرنسيون بشكل سياسى أثناء احتلالهم لكمبوديا، دون مراعاة للعوامل الديموغرافية والثقافية، وقد شهدت هذه الحدود اشتباكات متكررة وكانت سببًا رئيسيًا لتوترات سياسية بين الجانبين، ويرجع أصل الخلاف الحدودى إلى عام 1907، حين تم فصل كمبوديا عن تايلاند. وتستند كمبوديا إلى هذا الترسيم للمطالبة بالأراضى المتنازع عليها، بينما ترى تايلاند أن الحدود المرسومة غير دقيقة.

ويتركز النزاع حول معبد برياه فيهير البوذى الواقع فى جبال دانغريك، بين منطقة تشومخسانت بمقاطعة برياه فيهير شمال كمبوديا، ومنطقة كانثارالاك فى مقاطعة سى ساكت شمال شرق تايلاند، ويرجع تاريخ المعبد إلى القرن الحادى عشر، وفى عام 1962 منحت محكمة العدل الدولية السيادة على منطقة المعبد لكمبوديا، وهو حكم شكّل مصدرًا دائمًا للتوتر بين البلدين. ثم عادت كمبوديا إلى المحكمة الدولية عام 2011، والتى أكدت مجددًا الحكم لصالحها فى عام 2013، فى حين رفضت تايلاند اختصاص المحكمة، واستمرت فى اعتبار الموقع محل نزاع.

وأوضح الدكتور طرابيق أن الصراع بين البلدين يمكن وصفه بأنه «صراع منضبط»، فهو وإن كان قائمًا إلا أنه لا يزال فى مرحلة يمكن السيطرة عليها، وفقًا للتاريخ الحديث للعلاقات بين البلدين منذ عام 2008، وأكد أن كلا من تايلاند وكمبوديا تمران بظروف سياسية داخلية غير مستقرة، مما يدفع كل طرف إلى استخدام الوسائل التى يرى أنها تسبب أكبر قدر من الضغط على الطرف الآخر.

وأشار إلى أن كمبوديا سربت فى يونيو الماضى نص مكالمة هاتفية بين رئيسة الوزراء التايلاندية بايتونجتارن شيناواترا ورئيس وزراء كمبوديا هون مانيت، وصفت خلالها رئيس الوزراء الكمبودى السابق هون سين، والد هون مانيت، بـ«العم»، وهو ما اعتبرته القيادة العسكرية التايلاندية إهانة للسيادة الوطنية، وقد تسببت هذه الواقعة فى أزمة سياسية حادة داخل تايلاند، حيث تم عزل شيناواترا من منصبها فى الأول من يوليو الجارى للتحقيق معها فى طريقة إدارتها للنزاع الحدودى، كما انسحب حزب بومجايتاي، ثانى أكبر شريك فى الائتلاف الحاكم بقيادة حزب «فو تاي» الذى ترأسه شيناواترا، ورغم اعتذارها تم تعيين وزير الدفاع السابق، فومتامويتشاي، رئيسًا للوزراء بالإنابة لحين انتهاء التحقيقات.

وفى الجانب الكمبودى، فإن حزب الشعب الكمبودى، الذى يتزعمه هون مانيت منذ توليه منصبه فى أغسطس 2023، لا يرغب فى الانجرار إلى حرب مفتوحة مع تايلاند يصعب تقدير نتائجها. كما أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فى البلدين تدفع القيادات السياسية إلى التفكير مليًا فى تجنب تصعيد الأوضاع الأمنية، خشية الدخول فى نزاع ستكون تكلفته الاقتصادية باهظة.

تتجلى هذه الرغبة فى التهدئة من خلال دعوة رئيس الوزراء التايلاندى بالوكالة فومتام ويشاياشاى إلى ضبط النفس، محذرًا من تحول الاشتباكات إلى حرب شاملة، كما وافق الجانبان على السماح لمراقبين إندونيسيين بالتمركز فى المناطق الحدودية، للمساعدة فى منع اندلاع المزيد من الاشتباكات.

وختم الدكتور طرابيق حديثه بالإشارة إلى أن عدم رغبة البلدين فى الانزلاق نحو حرب مفتوحة يرتبط أيضًا بالحسابات الإقليمية، فالصين التى ترى فى المنطقة امتدادًا مباشرًا لأمنها القومي، تسعى إلى الحفاظ على بيئة مستقرة فى جوارها، تخوفًا من تدخل قوى إقليمية أو دولية قد تغذى الصراع، كما أن اشتعال الوضع فى المنطقة قد يُهدد حركة الملاحة والتجارة فى بحر الصين الجنوبى، الذى تمر عبره نسبة كبيرة من الشحن البحرى العالمى.

وأضاف أن رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بدورها تسعى للحفاظ على تماسكها ككيان موحد قادر على حل الخلافات الداخلية دون تدخل خارجى، بهدف حماية المكتسبات الاقتصادية التى حققتها أغلب دول الرابطة خلال السنوات الماضية، وترسيخ صورة «الأسرة الواحدة» التى تعتمد الحوار والوساطة كوسيلة لحل النزاعات.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة