غنت فيروز من ألحان سيد درويش وعبد الوهاب والسنباطى وفيمون وهبى ووديع الصافى وعاصى ومنصور الرحبانى، ثم قررت أن يقود زياد ابنها صوتها، فجدد فى موسيقى الرحبانية، ومنحها عمرا جديدا.
عن 69 عاما ودعنا الملحن والمسرحى اللبنانى الكبير زياد عاصى الرحبانى، ابن أيقونة الغناء العربى المعاصر، فيروز، ومجدد موسيقى الرحبانية، ومن منح صوت أمه عمرا جديدا بألحانه العصرية، والراحل لم يكن مجرد موسيقار أو مسرحى كبير، بل كان أيضا صاحب مواقف سياسية عربية راسخة، مناهضا للاحتلال الإسرائيلى، وكارها للطائفية، والتفرقة بين اللبنانين، وداعيا من دعاة الوحدة والاصطفاف حول لبنان عربى قوى.
«زياد» أحد أفراد الجيل الثانى من “الرحبانية” بعد جيل الرواد الأول المؤسس، والذى تشكل من عاصى ومنصور الرحبانى، وقد تزوج عاصى من نهاد حداد، المعروفة للجميع باسم «فيروز»، وأبدعوا لنا موسيقى وأغنيات فريدة من نوعها، موسيقى قريبة من تراتيل الكنيسة، ومن نسمات جبل لبنان وصلابته، كما قدم الثلاثى مسرحيات وأفلاما تظل علامات فريدة فى مسار الفن اللبنانى المعاصر، وتكاد تكون موسيقى الرحبانية هى النوع الموسيقى الوحيد الذى تفرد وغرد بعيدا عن مدرسة الموسيقى المصرية، ومع ذلك أثبتت ذاتها، ورسخت أقدامها، وحققت شهرة طاغية، وكان «الرحبانية» أصدقاء لأقطاب الموسيقى والغناء المصرى، خاصة عبدالوهاب وأم كلثوم، وغنت فيروز من ألحان عبدالوهاب، وغنت بعض أغانى سيد درويش مثل «طلعت يا محلا نورها شمس الشموسة»، وغنت للقدس، ولفلسطين، وللمسيح، كما غنت للبنان، ومصر، وكانت فنانة عربية بجدارة، وصوتا للوجدان العربى .
وجاء زياد متفردا كوالديه، فهو ابن أيقونة الغناء العربى فيروز، وابن عاصى الرحبانى الموسيقار الكبير، كما جاء أولاد عمه منصور الرحبانى “مروان وغدى وأسامة”، وكان لى شرف إجراء الحوار مع منصور الرحبانى يوم حضر للقاهرة بأسرته وفرقته وقدم عرضه المسرحى «آخر أيام سقراط» على المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، كان ذلك فى يناير سنة 1999م، بدعوة من رئيس الأوبرا المصرية الموسيقار د.مصطفى ناجى، ومن وزارة الثقافة المصرية.
وكانت فيروز قد زارت مصر وغنت فيها عند سفح الأهرامات سنة 1989م، وخرجت صحف مصر لتقول : «فيروز زائرة الحنين فوق أرض التاريخ»، ويومها أطلت فيروز من أمام أبو الهول والأهرامات، وكان بانتظارها جمهور زاحف لا يحصى ولا يعد من جميع الدول العربية، وقد وصفها عبدالوهاب حين زيارتها لمصر بقوله : «لو حاولت فيروز أن تشذ فى الغناء لما طاوعتها أوتار صوتها»، وأطلق عليها لقب «عرافة التاريخ» .
ووصفها الشاعر الفلسطينى الكبير بأنها المرجعية العاطفية لكل العرب، وقال : “أنا لا أسمع صوت فيروز فقط بل أراه، ويسعدنى ويشرفنى أن يرتفع شعرى على جناح صوت فيروز».
وجاءت ماجدة الرومى من بيروت خلف فيروز وحضرت حفلتها عند الأهرامات، وقالت : فيروز حركت بقلبى كل الحنين، فوجود فيروز مهم لنا جميعا.
وفيروز التى تزيد ثروتها الفنية عن ألف عمل، ما بين أغنية ومسرحية وفيلم واسكتش، عملت مع ملحنين كبار من أمثال: سيد درويش وعبدالوهاب ورياض السنباطى وفيلمون وهبى ووديع الصافى، وبالطبع زوجها عاصى الرحبانى، ثم قررت فى تحول مهم وخطير أن تغنى من ألحان ابنها زياد، وأن تسلم صوتها له، وتطيعه، فقدم لها ألحانا عصرية، أمدت فى عطائها الغنائى، وجددت روح موسيقى الرحبانية، وغنت عدة أغان من ألحان ابنها زياد، وجمعتها كلها فى شريط كاسيت بعنوان “معرفتى فيك»، ومن أغانى هذا الألبوم : «عودك رنان، وخليك بالبيت، ومن يوم اللى تكون يا وطنى الموج، وكيفك إنت، “وزعلى طول أنا واياك” واستقبل الجمهور الأغانى الجديدة بترحاب، وقال النقاد :”إن موسيقى زياد تمثل فكرا جديدا فى الموسيقى العربية».
وصوت فيروز المتطور عبر حقب الزمان سبق أن وصفه زوجها عاصى الرحبانى قائلا : «إنه يشبه الخمر المعتق، كلما طالت طابت، هى ليست حسا يغنى، بل أستاذة دانت لها الأنغام».
وإذا كانت أيقونة لبنان فيروز محاطة بشقيقتها هدى حداد، وشقيقها جوزيف حداد، فإن غياب زياد ابنها ومجدد صوتها سوف يصيب قلبها بالحزن، لا شك فى ذلك، فموت الابن فى حياة والديه مصيبة كبيرة، فما بالنا إذا كان هذا الولد هو الراعى الرسمى لصوتها وفنها بعد رحيل أبيه عاصى الرحبانى ؟!.. رحم الله زياد، وألقى الثبات والصبر على قلب أيقونة الغناء العربى فيروز، بقدر ما أسعدت ملايين العرب، وغنت القصيدة الفصيحة بنفس قوة وعنفوان الأغنية الشعبية اللبنانية، إنها أسطورة لبنان، ولسان الرحبانية الفصيح.
