ومن قلب القطاع، نقلت - المصور - صرخاتهم، رسائلهم، أوجاعهم، ومواقفهم الإنسانية والمهنية، التى ستبقى شاهدة عليها ذاكرة التاريخ.

من داخل القطاع حدثنا الصحفى الفلسطينى ومراسل قناة القاهرة الإخبارية المصرية «بشير جبر» عن تغطيته الإعلامية خلال الحرب، مؤكدًا أن كل لحظات الحرب «صعبة»، وأن كل ما تحمله الكلمة من معنى هى «مؤلمة» بداية من التدمير والفقد واستشهاد الأهل والزملاء واستهدافات الصحفيين الموجودين داخل دائرة الخطر؛ إلا أن ذلك لم يمنعه من نقل الصورة إلى العالم وتأدية واجبه الصحفى تجاه وطنه.
وكشف «جبر»، عن أصعب اللحظات التى عاشها باستهداف مبنى سكنى كان يقوم بالتغطية جواره قائلًا: «الحمد لله «نجوت بأعجوبة»، وكان ذلك على الهواء مباشرة، وبفضل الله استطعت استكمال تغطيتى ونقل الخبر، كما وصف اللحظة التى لا يمكن نسيانها حين استهداف المخيم الصحفى واستشهاد زملائه، وسط التعرض الدائم لتطاير الشظايا وتضرر المعدات. مشيرًا إلى المجاعة التى يعيشونها منذ قرابة المائة وأربعين يومًا والتى غيرت ملامحهم وأفقدتهم الكثير من أوزانهم: «نحن كبقية الشعب نحصل كل يومين على وجبة بها أدنى مقدار للطعام يمكنه أن يجعلنا نستمر بالحياة والتى هى على المحك كل يوم، فالصحفى مستهدف من الاحتلال بشكل مباشر ونحن فقدنا العديد من زملائنا، ولكن لدينا إصراراً على نقل معاناتنا والمجازر التى نتعرض لها والمجاعة التى نعيشها».
وأشار «جبر»، فى حديثه، إلى أن عائلته كانت دائمًا السند الأكبر له لكى يستمر بالعمل رغم المخاطر التى يتعرض لها، فهى تتفهم مدى خطورة وأهمية نقل معاناة الشعب الفلسطينى للعالم: «جميعهم كانوا داعمين زوجتي، والدتي، وإخوانى وهم يتحملون جزءا كبيرا من مسؤوليتى كأب لأطفالى، وخاصة زوجتى التى تتحمل مسؤولية الأطفال بالكامل، بينما أتغيب عنهم بالأسابيع بسبب ظروف عملي، وحين لا أستطيع رؤيتهم سوى ساعة أو ساعتين ثم أضطر للذهاب إلى العمل مرة أخرى»، وبناءً على ذلك أوضح أنه لا أحد من عائلته سبق وطلب منه التوقف عن العمل. وحول وضع عائلته اليوم، أوضح أنهم سافروا إلى مصر بعد ما يقرب من 6 أشهر من الحرب، بينما بقى فى غزة، معبرًا عن اشتياقه لهم.
وفى النهاية، وجه «جبر» رسالته ككل فلسطينى يعيش تحت العدوان: «أملنا الوحيد هو توقف العدوان، نحن لدينا الحق كبقية شعوب العالم فى العيش بسلام، وحياة طبيعية مكفولة بالقوانين الدولية، وهذه أمنيتى كمواطن فلسطينى وكصحفى فى غزة».

من داخل شمال غزة، تحدث إلينا الصحفى والمراسل لقناة «اليمن» فى شمال القطاع «وديع أبو السعود»، عن حراك «إضراب الصحفيين فى غزة عن الطعام» وسط سياسة تجويع شرسة تستهدف الأهالى والأطفال تحت شعار «لن نأكل حتى يأكل أصغر طفل فلسطيني».. ويعمل «وديع» منذ بداية الحرب فى الشمال الذى يعد من أكثر المناطق تعرضًا للقصف منذ بداية العدوان وهو ضمن مجموعة قليلة جدًا من الصحفيين الذين لم ينزحوا من الشمال، وتعاون مع عدد كبير من وسائل الإعلام المحلية والدولية.
وحدثنا «وديع»، عن الثمن الباهظ الذى دفعه جراء مواصلة عمله إذ فقد منزله وسيارته واستشهد أبوه وأخوه وهو ما أسماه «ثمن نقل الحقيقة»، كما خاض المجاعة الأولى خلال الحرب، ولكنه وصف المجاعة الحالية بأنها صعبة وغير إنسانية، فنحن نتحدث هنا عن قرابة 2 مليون فلسطينى بلا طعام وبلا ماء يترنحون بين النزوح والقصف.. ولهذا، قرر هو وفريق العمل معه «المصور يوسف اللولو ومحمد عليان» القيام بالحراك لربما تصل أصواتهم إلى العالم.
وأضاف «وديع»: «نحن أضربنا عن الطعام - حتى إذا توافر لدينا - لن نأكل وهناك طفل جائع وامرأة مسنة قد تكون تبلغ من العمر 70 عامًا مجوعة أو امرأة حامل تموت هى وجنينها داخل أروقة المستشفى من الجوع، نحن نشاهد الأطفال يموتون من الجوع يوميًا، وكان يجب علينا أن نتحمل مسؤوليتنا ونحن صوت هذا الشعب المظلوم والمكلوم ولهذا بدأ حراك «الأمعاء الخاوية» لربما تتحرك ضمائر العالم بعد 660 يومًا من حرب التطهير العرقى التى يخوضها الاحتلال الصهيوني».. واستنكر «وديع»، كيف للمجتمع الدولى أن يصمت تجاه هذه المشاهد من تجويع وقتل وحصار، وكيف يمكن لإسرائيل أن تستخدم سياسة التجويع ضمن سياسة الحرب ضد المواطنين.. وأكمل: «أنا أتحدث إليكِ الآن وأنا لم أتناول أى شيء لليوم الثالث على التوالى سوى الماء والملح وسنبقى صامدين إن شاء الله - فنحن أصحاب قضية وأصحاب أرض حتى وإن هاتفنا هاتف بأننا نتحدث إلى أصنام، ولكننا من شعب هذه الأرض وسندافع عنها ونتحمل مسؤوليتنا كصحفيين - أنا أمى وزوجتى وأطفالى مجوعون - وعشنا جميعًا ويلات الحرب والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون».

ومن غزة، تحدثت إلينا الإعلامية الفلسطينية والمراسلة لقناة «الكوفية» سالى ثابت، حول الأوضاع الصعبة التى تعيشها الجماعة الصحفية الإعلامية فى القطاع، وعلى وجه الخصوص ما تعانيه الصحفيات والإعلاميات جراء الحرب، مشيرة إلى أن المرأة الفلسطينية تقوم بتأدية واجبها كونها نصف المجتمع.. وإنها كامرأة وأم أيضًا، حاولت أن تقوم بكل ما طُلب منها وما يمليه عليها ضميرها. وأوضحت كيف تحولت من مذيعة لبرامج متنوعة، لمراسلة إخبارية تعمل فى الميدان وهو عمل مختلف كليًا: «دعينى أخبرك بأن هذه الحرب شرسة وتختلف عن جميع الحروب التى مرت على غزة، وبالتالى نحن نزحنا مع بقية زملائنا من الصحفيين وتعرضنا للخطر والموت والقصف وطلعنا مع أسرنا إلى أماكن لا نعرفها، وانتقلنا من مكان لأكثر وكل هذا كان له تأثيره علينا على المستوى المهنى والإنساني. فنحن كأمهات علينا واجب طمأنة أبنائنا ونحاول ما ننقل لهم خوفنا وهذه مهمة صعبة».
وأضافت «سالى»: «واجهت تحديات كبيرة كأم ومراسلة، كونى امرأة لديها أطفال يجب عليها مراعاتهم والاهتمام بهم والبقاء معهم ومهنة تتطلب منى نقل الحق فى زمن الحرب، أنا لدى 3 فتيات أرغب فى إطعامهن وطمأنتهن وفى نفس الوقت لدى عمل ورسالة يتحتم على توصيلها للعالم».. وعن رسالتى كصحفية من غزة: «بتمنى أن يصل صوتنا إلى العالم وتتوقف حرب الإبادة الجماعية ونأخذ استراحة لنرمم نفسنا ونحصى الشهداء العالقين تحت الأنقاض وندفنهم والله يرحم الشهداء ويعافى كل المصابين والمرضى وتعيش غزة من جديد».

ومن مدينة غزة، حدثنا الصحفى الفلسطينى ومراسل قناة «رؤيا» غازى العلول، عن المعاناة التى عاشها أثناء تغطية هذه الحرب الضروس وغير الإنسانية وأصعب اللحظات التى عاشها، والتى تجسدت فى نقل خبر استشهاد والد زوجته واثنين من أحفاده على الهواء، مشيرًا إلى أنها كانت هذه لحظة قاسية، حين خرج على الهواء ونقل نبأ استهداف منطقة معينة، وأن هناك أربعة شهداء، وبعد ثوانٍ علم بأن هؤلاء الشهداء من أهله: «كانت لحظة مليئة بالمشاعر المختلطة ما بين الخوف والقلق والتركيز فى العمل، إذ حاولت ألا أفقد أعصابى أثناء نقل الخبر، هذه «كانت أسوأ وأصعب لحظة» وبهذه اللحظة انهرت باكيًا، خاصة وأنا أعرف مدى تأثر زوجتى بهذا الخبر المؤلم وكونها كانت على وشك وضع مولودنا «أشرف» الذى جاء إلى الدنيا بعد يومين فقط من استشهاد جده».
وحول مشاعر أسرته من خروجه يوميًا وتعرضه للاستشهاد، أخبرنا «غازى»، بأنه بشكل يومى يواجه بكاء أطفاله الذين يحاولون منعه من الخروج: «دائمًا يبكى أطفالى قائلين لا تروح يا بابا خليك عنا». كاشفًا أنه وفى لحظات كثيرة كانت زوجته تطرح معه نقاشًا جديًا للتوقف عن العمل، خاصة فى تلك الأوقات التى تعمد بها الاحتلال استهداف زملائنا من الصحفيين. مشيرًا إلى أنه وخلال الحرب استشهد ما يقرب من 225 صحفيًا.. ولكن فى نهاية المطاف، تمسك «غازى»، بعمله ورسالته، خاصة أن الصحافة بالنسبة له هى مسؤولية كبيرة لنقل معاناة شعبه وليست مجرد مهنة.
وحول أصعب القصص التى قام بتغطيتها حول استشهاد أحد زملائه الصحفيين، روى لنا «غازى»، عن استشهاد المصور الصحفى «أحمد قلجة» الذى كان يعمل مع منذ بداية الحرب ورافقه لأيام بالتغطية وسط الخوف والتعب، موضحًا أنه ذهب لتغطية عزائه الذى أقيم أول أيام عيد الأضحى الماضي: «حين ذهبت لتقديم واجب العزاء وقمت بتغطيته قابلت والدته، والتى حدثتنى قائلة: «أحمد كان يحبك كتير يا غازى وكان دائمًا بيحكى عنك»، وبالطبع كانت لحظات قاسية ومؤثرة حين قمت بتغطية بيت العزاء الخاص به «الله يرحمه».

