رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

جدل "نوبل للسلام" لا ينتهي.. ترشيح ترامب يفتح ملف الانحيازات القديمة


25-7-2025 | 17:58

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

طباعة
تقرير: إيمان السعيد

إذا كانت هناك جائزة تثير جدلًا أكثر من جوائز الأوسكار، فهي جائزة نوبل للسلام. فعلى مدار أكثر من مئة عام، ظل اسم هذه الجائزة المرموقة مرتبطًا بسلسلة من الأسئلة والانتقادات، سواءً بسبب الأسماء التي مُنحت الجائزة رغم سجلها المثير للجدل، أو بسبب تجاهل شخصيات قدمت بالفعل إسهامات جوهرية في سبيل تحقيق السلام. وعلى الرغم من أن الغرض الأساسي من الجائزة هو تكريم أولئك الذين يساهمون في تقليل العنف والصراعات، إلا أن الوقائع السابقة تشير إلى أن هذا الهدف لم يكن دومًا حاضرًا في قرارات لجنة الاختيار.

خلال الأيام الماضية، عاد الجدل ليحتدم من جديد بعد إعلان ترشيح دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي، من قبل كل من باكستان وإسرائيل، لنيل جائزة نوبل للسلام لعام 2026. وقد أثار هذا الترشيح موجة من التعليقات الساخرة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث عبر الكثيرون عن دهشتهم من كون رئيس معروف بتصريحاته المثيرة، ومواقفه الصدامية، وسياساته التي ساهمت في تأجيج الانقسامات، يرشح لجائزة يفترض أن تكون رمزًا للسلام والتقارب.

ولكن الجدل حول الجائزة لا يرتبط فقط بترشيح ترامب. بل الحقيقة أن الجائزة نفسها كانت، منذ نشأتها تقريبًا، موضع انتقاد متكرر. فعملية الاختيار كثيرًا ما وصفت بالغموض، وغابت عنها معايير الشفافية والمساءلة، كما وجهت إليها اتهامات بالمحاباة والانحياز الثقافي والجغرافي. فاختيار الفائزين يتم عبر لجنة نرويجية حصريًا، تتبع منظورًا أوروبيًا تقليديًا في تقييمها لما يعد مساهمةً في إحلال السلام.

فمن الناحية الإحصائية، يمكن القول إن هذه النظرة الأوروبية المركزية ظهرت بشكل واضح في تاريخ منح الجائزة. فحتى عام 1960، كانت الجائزة تمنح بشكل شبه حصري لأشخاص من أوروبا وأمريكا الشمالية، بينما احتاجت لجنة نوبل قرابة نصف قرن لاختيار أول فائز من أصول غير بيضاء، و72 عامًا لاختيار فائز من آسيا. ففي عام 1973، منحت الجائزة للفيتنامي لي دوك ثو، أول آسيوي يفوز بها، وقد رفضها لأسباب تتعلق بالموقف السياسي في بلاده. ومن بين 111 فائزًا بالجائزة، كان هناك فقط 17 من آسيا (أي ما يعادل 15.3٪)، و13 فقط من إفريقيا (بنسبة 11.7٪). هذه الأرقام تؤكد، مرة بعد أخرى، أن الاعتبارات الجغرافية والعرقية لم تكن يومًا بعيدة عن طريقة تفكير اللجنة.

تعتبر حالة المهاتما غاندي المثال الأوضح على هذا الخلل البنيوي. غاندي، الذي ينظر إليه عالميًا كرمز للسلام واللاعنف، رشح للجائزة خمس مرات، دون أن يحصل عليها ولو مرة واحدة. في واحدة من المفارقات العجيبة، ورد اسمه ضمن ترشيحات ضمت أدولف هتلر، ثم لاحقًا جوزيف ستالين، لكنه لم يصل إلى القائمة القصيرة قط. ويعتبر عدم منحه الجائزة حتى اليوم أحد أكبر الإخفاقات الأخلاقية في تاريخ نوبل، حيث يرى الكثيرون أن اللجنة فضلت تجاهل الحركات التحررية في الدول المستعمرة، واختارت أن تبقي تركيزها على من يتوافقون مع رؤيتها الأوروبية للسلام. ومن المفارقات أيضًا أن شخصيات عالمية استلهمت فكر غاندي، مثل مارتن لوثر كينغ الابن ونيلسون مانديلا، حصلت على الجائزة، بينما بقي غاندي خارجها، رغم أنه كان مصدر إلهامهم الأساسي.

وبالعودة إلى ترشيح ترامب، فإن السياق السياسي لا يمكن فصله عن هذه الخطوة. ففي كتابها "خيانة جائزة نوبل"، كشفت الكاتبة النرويجية أوني توريتيني عن كيف أصبحت الجائزة أداة سياسية، وأن كثيرًا من الترشيحات لم تعد تستند إلى القيم الإنسانية، بل إلى الحسابات والمصالح. فبحسب الكاتبة، فإن اللجنة، التي يغلب عليها الطابع السياسي، ساهمت بشكل مباشر في تقويض مصداقية الجائزة، وأصبحت أحيانًا أداة في خدمة السياسة الخارجية للحكومة النرويجية.

وفي تقرير نشرته صحيفة "بوليتيكو" أوضح أن بعض القادة الدوليين أصبحوا يعتمدون أسلوبًا جديدًا لمخاطبة ترامب وكسب وده في ولايته الثاني وهو" الإطراء العلني" . فبعد أن كانت فترة ولايته الأولى مليئة بالمواقف التصادمية مع عدد من قادة العالم، أدرك البعض أن الطريق إلى قلب ترامب يمر عبر مدحه، وتقديمه كشخصية تاريخية تستحق التكريم. كما أشار جون ألترمان، رئيس قسم الأمن العالمي والجيوستراتيجية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلى أن الإطراء بات وسيلة فعالة للتعامل مع ترامب، حيث وصف الأمين العام لحلف الناتو مارك ترامب  بأنه " الاب" ، في محاولة لاستمالته، ثم عاد وأكد لاحقًا أنه يستحق كل التقدير. هذه المحاولات لم تغفل أيضًا الجانب الدبلوماسي، حيث تسعى بعض الدول من خلال هذه الترشيحات إلى تجنب الرسوم الجمركية الأميركية، أو للحصول على دعم ترامب في قضاياها الإقليمية.

وفي هذا السياق، يرى د. طارق وهبي، خبير العلاقات الدولية، في حديثه للمصور، أن من الضروري التفريق بين الترشيح والفوز، موضحًا أن الجائزة، التي أُنشئت وفقًا لوصية الصناعي السويدي ألفريد نوبل لتُمنح لمن "يساهم أكثر من غيره في إحلال أو تعزيز السلام بين الأمم والشعوب"، قد تطور فهمها لمفهوم السلام عبر العقود. فبعد أن كانت في بداياتها تركز على العلاقات بين الدول، توسعت بعد الحرب الباردة لتأخذ بعين الاعتبار حقوق الإنسان، ثم مفاهيم الديمقراطية والتنمية المستدامة، واليوم تسعى لأن تُركز في عالم مضطرب على قضايا مثل حرية الصحافة، وحقوق المرأة، والحروب المتنقلة.

ويضيف د. وهبي أن الجائزة مفتوحة لترشيحات من جهات متعددة، من أساتذة جامعات إلى وزراء ومنظمات، ما يجعل الترشيح لا يُعبر بالضرورة عن تأييد أو استحقاق. ويرى أن ترشيح شخصية مثيرة للجدل مثل دونالد ترامب يُسلط الضوء على غياب معايير ترشيح واضحة، وقد يعكس رغبة أطراف سياسية أو إعلامية في إحداث ضجة، لا تقييمًا جادًا لإنجازات في مجال السلام. ويعتبر د. وهبي أن سلوك ترامب، الذي يُروج لنفسه للحصول على الجائزة ويقارن نفسه بالرئيس أوباما، يكشف طابعًا سياسيًا تغلُب عليه الحساسية المفرطة عند النقد، بل ويمتزج بالحسد.

ويؤكد د. وهبي أن الجائزة، رغم أهدافها النبيلة، واجهت موجات من الانتقادات، أبرزها منحها لأشخاص قبل تحقيق نتائج ملموسة كما حدث مع أوباما عام 2009، أو تجاهلها شخصيات بارزة لأسباب سياسية، أو تركيزها أحيانًا على المبادرات لا النتائج. ويرى أن لجنة نوبل تعمل بشكل مستقل دون رقابة أو آلية للطعن، ما يفتح الباب أمام انعدام الشفافية أو خضوعها لمزاج سياسي أكثر من كونه تقييمًا موضوعيًا. ورغم ذلك، يشير إلى أن الجائزة ما زالت تحتفظ برمزيتها، خصوصًا أنها مُنحت لأسماء ناضلت فعلًا من أجل العدالة، مثل نيلسون مانديلا، وملالا يوسفزاي، وأطباء بلا حدود، لكنه يؤكد في الوقت ذاته أن استعادة مصداقيتها تتطلب إصلاحات هيكلية واضحة ومعايير أكثر عدلًا وشفافية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة