فى ظل تحسن العلاقات، وفى خطوة تشير إلى رغبة طهران فى طىّ صفحة من التوترات التاريخية مع مصر وتعزيز التقارب الدبلوماسى بين البلدين، أعلنت السلطات الإيرانية خلال حفل رسمى عن تغيير اسم شارع «خالد الإسلامبولي»، المتهم الرئيسى باغتيال الرئيس المصرى الراحل محمد أنور السادات، إلى شارع «الشهيد حسن نصرالله»، لتُزيل بذلك عقبةً طويلة الأمد أمام تحسين العلاقات مع مصر.
جاءت هذه الخطوة فى سياق تطورات دبلوماسية متسارعة، تشهد فيها العلاقات المصرية–الإيرانية زخمًا متراكمًا، حيث زار وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى القاهرة أكثر من مرة، وتجول فى منطقة خان الخليلى، وصلى فى مسجد الحسين، وتناول العشاء بطبق «الكشري»، والتقى مسئولين مصريين رفيعى المستوى على رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسى، مما يُشير إلى تقدم نحو رأب أحد أعمق الخلافات فى المنطقة، والتى استمرت منذ ثورة 1979 فى إيران ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. ومنذ ذلك الحين، تشهد العلاقات بين الدولة المصرية ذات النفوذ الكبير والحكومة الدينية الشيعية حالة من الجمود العميق.
علق وزير الخارجية المصرى، بدر عبد العاطى، على إعلان السلطات الإيرانية تغيير اسم شارع «خالد الإسلامبولي»، قائلًا: «هذه المبادرة تُعد خطوة جيدة، وتُزيل أحد المعوقات التى كانت تعوق تحسن العلاقات بين القاهرة وطهران». وقالت وكالة «تسنيم» الإيرانية شبه الرسمية للأنباء، إن قرار مجلس بلدية طهران بتغيير اسم الشارع جاء بعد التنسيق مع وزارة الخارجية الإيرانية.
ترسل هذه الخطوة رسالة قوية عبر المنطقة مفادها أن العداءات والخصومات طويلة الأمد يمكن أن تُفسح المجال للتعاون. فقد أدى تجدد التعاون الدبلوماسى فى عام 2023 -لا سيما فى أعقاب حرب غزة -إلى موجة من المحادثات رفيعة المستوى، مما يعكس اهتمامًا متبادلًا باستعادة العلاقات الطبيعية. وصرح عراقجى فى منشور له على موقع «إكس» الشهر الماضي: «باعتبارهما قوتين إقليميتين مؤثرتين تتمتعان بثقافات وحضارات عريقة، فإن إيران ومصر تتقاسمان مسئولية مشتركة فى الحفاظ على السلام والاستقرار والهدوء فى المنطقة».
كانت تسمية أحد شوارع طهران باسم «خالد الإسلامبولي»، المتهم الرئيسى فى اغتيال السادات عام 1981، يُمثل إحدى العقبات الرئيسية أمام عودة العلاقات المصرية–الإيرانية. فقد سُمى الشارع الواقع فى شمال طهران باسم الإسلامبولى فى أوائل الثمانينيات، مما أثار احتجاجات متكررة من القاهرة، وساهم فى توتر العلاقات. لطالما اعتبر المسئولون المصريون هذه البادرة استفزازًا وعائقًا رئيسيًا أمام العلاقات المصرية الايرانية.
أشار الدكتور محمد خيرى، الباحث فى الفلسفة السياسية والمتخصص فى الشئون الإيرانية، لـ«المصور»، إلى أن تغيير اسم شارع خالد الإسلامبولى، قاتل الرئيس المصرى الراحل أنورالسادات، يمكن البناء عليه فى تعزيز العلاقات المصرية–الإيرانية مستقبلًا، إذا عملت إيران على تحسين سياساتها تجاه منطقة الشرق الأوسط، وغيرت من أسلوب تفاعلها مع قضايا المنطقة. وأوضح أن القرار جاء بأغلبية أصوات أعضاء مجلس مدينة طهران، وبحضور عدد كبير من الشخصيات العامة فى المنظومة السياسية الإيرانية، وهو ما يُعبر عن رغبة داخلية فى إيران -سواء على المستوى السياسى أو الشعبى -لتصحيح مسار العلاقات مع القاهرة فى الفترة المقبلة. وأضاف أن مسألة تغيير اسم الشارع -رغم كونه أحد الشوارع الرئيسية المؤدية إلى مقر السفارة المصرية فى طهران -لم تكن العقبة الوحيدة التى عكرت صفو العلاقات خلال السنوات الماضية، بل كانت ضمن المطالب الثانوية للقاهرة.
وأشار «خيرى» إلى أن هناك مطالب مصرية أخرى، أبرزها تسليم المطلوبين أمنيًا من المتورطين فى جرائم عنف ضد الدولة المصرية، وهذا الملف ما يزال محل نقاش بين الجانبين. لكن استجابة طهران للطلب المصرى بتغيير اسم شارع قاتل السادات تُعبر عن قوة الدبلوماسية المصرية، لا سيما فى التعامل مع دولة بحجم وتأثير إيران فى الشرق الأوسط، والتى رأت أن الدور المصرى يستوجب تصحيح المسار معها، كون مصر دولة محورية ذات سياسة متزنة وهادئة.
ولفت إلى أن إيران بعلاقاتها مع القاهرة تفتح لنفسها نوافذ استراتيجية فى التعاون السياسى والاقتصادى، بدلًا من الاستناد إلى نظرية التوسع عبر الأذرع الميليشياوية. كما شددت مصر على أن عودة العلاقات يجب أن تستند إلى الحفاظ على الأمن القومى المصرى، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، والالتزام بسياسات حسن الجوار مع دول الخليج، وحماية الممرات المائية فى البحر الأحمر. إن استجابة إيران لهذه المطالب يشير إلى تحولها من دولة ذات نزعة توسعية إلى دولة تشاركية فى الإقليم.
ويرى الدكتور طه على، الكاتب والمحلل السياسى والمختص بشئون الشرق الأوسط، فى حديثه لـ«لمصور»، أن السلوك الإيرانى فى الفترة الأخيرة -خصوصًا بعد الضربات العسكرية التى تعرضت لها الشهر الماضى من الولايات المتحدة وإسرائيل، وما نجم عنها من إضعاف لنفوذ إيران الإقليمى -دفع صانع القرار الإيرانى إلى إعادة النظر فى سياسته الخارجية تجاه دول المنطقة. وقد رأينا من قبل سلوكًا تصالحيًا بين إيران والسعودية، ومبادرات تقارب مع دول الخليج. وبالنسبة لمصر، فقد شهدنا حالة من التقارب فى السنوات الأخيرة، كانت زيارة وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى إلى القاهرة ولقاؤه بنظيره المصرى أحد أبرز شواهدها.
وأضاف د. طه أن إيران تسعى إلى مراجعة سياستها الخارجية فى ضوء المستجدات الأخيرة، وتغيير اسم شارع قاتل السادات كان أمرًا متوقعًا ضمن هذه المراجعة، باعتبار أن إيران ترغب فى إزالة أى عقبة تؤثر على عودة العلاقات المصرية–الإيرانية. ويتوقع الدكتور طه أن تشهد المرحلة المقبلة المزيد من الخطوات على طريق التقارب بين القاهرة وطهران، لا سيما أن الجانب الإيرانى يرغب فى رفع مستوى التبادل التجارى والاقتصادى مع مصر. وقد نشهد قرارات فى هذا الاتجاه، إلى جانب خطاب سياسى مؤيد للمواقف المصرية. وفى المقابل، ستقرأ الدولة المصرية هذه المؤشرات باعتبارها بوادر إيجابية من طهران.
والأهم من ذلك، أن مصر تدرك أن أى تقارب أو تفاهم مع إيران يُعزز الاستقرار الإقليمى، فمصر دولة مركزية فى المنطقة، وإيران دولة تاريخية. ومن خلال هذا النهج التصالحى، يمكن القول إن القاهرة تمارس دورها الطبيعى والتاريخى فى ترسيخ الاستقرار الإقليمى فى الشرق الأوسط.