رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

المثقفون والثورة


24-7-2025 | 00:31

.

طباعة
بقلـم: صلاح البيلي

برزت مواقف شتى من المثقفين إزاء ثورة 23 يوليو 1952، ولكن اتفق الجميع على تأييد الثورة التى حققت كثيراً من طموحاتهم وتطلعاتهم القومية ، ويكفى شهادة للتجربة أن غالبية من ذاقوا تجربة الاعتقال منهم فى العهد الناصرى لم يكفروا بالثورة ولا بأهدافها، وإن اعترفوا بغياب الديمقراطية عن التجربة.

استيقظ الشعب المصري صباح يوم 23 يوليو من سنة 1952م على صوت الضابط أنور السادات عبر الإذاعة المصرية، وهو يتلو بيان الضباط الأحرار، وإعلان بيانا الحركة الستة، وظلت حركة الضباط الأحرار تحمل اسمها ذلك، حتى وصفها د. طه حسين بالثورة، فأصبحت تحمل هذا الوصف الدقيق، وهو ما تأكد من منجزاتها القومية والثورية لاحقاً، على الصعيد الوطني، والعربي، والدولى. أما أول من وصف الحركة بوصف (الضباط الأحرار) فكان (الصول العمري)الذي يقوم بطبع منشورات الضباط، وكانت موقعة باسم (الضباط الوطنيون)، فقال : نحن جميعاً وطنيون، ولكن الوصف الدقيق هو (الضباط الأحرار).

ووقعت حادثة ذات دلالة مع أول أيام الثورة، بمنع الإذاعة جميع أغاني أم كلثوم بحجة أنها من رموز العهد البائد، وكانت قد غنت للملك فاروق أكثر من مرة، واعتزلت حزينة في بيتها، حتى علم البكباشي جمال عبد الناصر بالأمر، وكان القائد الفعلي للحركة، رغم تصدر اللواء محمد نجيب للمشهد بحكم السن الأكبر، فسأل مسؤول الإذاعة عن سبب غياب أغاني أم كلثوم، ولما أخبره المسؤول بأنها من رموز العهد البائد، فقال له عبد الناصر : إذن حطم الأهرامات لأنها من رموز العهد البائد، وأمر بعودة أغانيها، وكانت تلك رسالة تدل على عقلانية الثورة، وقدرتها على احترام الرموز الفنية والثقافية .

بالمقابل شكلت حادثة إعدام العاملين (خميس والبقري) صدمة لمثقفي اليسار، وبدأت شكوكهم وظنونهم في النظام الجديد، وكان التيار اليساري والاشتراكي واسعا بين المثقفين وطلبة الجامعة المصرية، ووصل الحال لوجود الحزب الشيوعي المصري برئاسة أبو سيف يوسف، والذي كان الفنان عادل إمام أحد أعضائه في منطقة الحلمية سنة 1947م، وكان في عمر الـ17 سنة آنذاك !..

أقصد أن تيار اليسار كان قوياً ومتغلغلاً في طبقات المثقفين، والعمال، وبين الطلبة، وكانت هناك الحركة الوطنية للتحرر الوطني، المعروفة اختصاراً باسم (حدتو)، وضمت غالبية المثقفين الشباب آنذاك مثل يوسف إدريس وأقرانه .

ويمكن تقسيم فئات المثقفين إزاء الثورة إلى مجموعتين كبيرتين، مجموعة أدباء حققوا ذواتهم الأدبية قبل الثورة، مثل طه حسين والعقاد والحكيم والمازني وأحمد أمين ولطفي السيد ومصطفى صادق الرافعي وعلي الجارم وعزيز أباظة وزكي مبارك ولطفي جمعة ومحمد حسين هيكل وإبراهيم مدكور،وغيرهم، وهؤلاء استمر عطاؤهم في ظل النظام الجديد، وبشروا بالثورة، وتحالف بعضهم معها مثل طه حسين الذي عمل في صحيفة (الجمهورية)مع الضابط صلاح سالم، ووضع اسمه كرئيس لتحرير الصحيفة التي جاءت كلسان حال الثورة، وكان معه (حافظ محمود، وكامل الشناوي، وإسماعيل الحبروك)، وفي مرحلة تالية كان موجوداً (أنور السادات وصديقه زكريا الحجاوي).

أيضا ظل العقاد يكتب مقالاته في صحف العصر، خاصة يومياته الشهرية في (الأخبار)، بواقع مقالة كل أسبوع، نظير خمسين جنيهاً عن المقال الواحد، وفي حفل تكريم المثقفين والفنانين في قاعة جامعة القاهرة، كرم عبد الناصر شخص العقاد ومنحه جائزة الدولة التقديرية، وألقى العقاد كلمة المكرمين، ولم يمس النظام العقاد بسوء رغم ما كان يسخر منه العقاد أحياناً في جلساته الخاصة من بعض سلبيات الثورة، ويوم رحل العقاد في 13 مارس سنة 1964م وكان د. ثروت عكاشة وزيراً للثقافة، سخرت الدولة جهدها الرسمي في نقل الجثمان لأسوان مسقط رأسه، وتخصيص جنازة تليق به، مع إقامة متحف له هناك .

أما توفيق الحكيم فكان الاستثناء الوحيد من بين كل رموز هذا الجيل من الرواد، فقد صرح عبد الناصر أكثر من مرة بأنه تأثر برواية (عودة الروح)للحكيم، ونال الحكيم أكبر تكريم من عبد الناصر في مراسم خاصة، حيث تم استدعاء الحكيم لبيت عبد الناصر في منشية البكري، وتم تقليده (قلادة النيل)أرفع وسام مصري، والتقاط صورة رسمية لذلك، وكان الحكيم يتندر بأنه يمكن أن يلتقي وكيل وزارة الثقافة مثلاً، أما أن يلتقي الرئيس نفسه، فكان ذلك مصدر دهشة له، ومع ذلك كتب الحكيم بعد موت عبد الناصر كتابه الذي أثار لغطاً واسعاً، وهو (عودة الوعي)، وانتقد عصر عبد الناصر !

أما نجيب محفوظ، أهم روائي مصري معاصر، والذي كتب في عصر الملكية، وعصر الجمهورية في ظل أربعة رؤساء (محمد نجيب وعبد الناصر والسادات ومبارك)، فقد توقف عن الكتابة بعد نجاح الثورة، وطالت وقفته لست سنوات متتالية، وانغمس في كتابة سيناريوهات الأفلام مع صديقه صلاح أبو سيف، وحين عاد كانت روايته (أولاد حارتنا)، وذلك سنة 1958م وأثارت عليه وضده ثورة من النقد بسبب تأويلها، وكاد محفوظ أن يعتقل بسبب روايته (ثرثرة فوق النيل)، فقد بلغ المشير عبد الحكيم عامر أنها تنتقد الثورة، وغضب على محفوظ، وعلم عبد الناصر بأن قوة من الشرطة تتجه لاعتقال محفوظ، فأمر بعودتها، وكلف ثروت عكاشة بكتابة تقرير عنها، وجاء في صالح محفوظ والإبداع، واعترف لي محفوظ في حوار خاص بأنه نال كل خير في ظل الثورة، وكذلك جموع المثقفين، ولكن سقطتها الوحيدة كانت غياب الديمقراطية.

صلاح جاهين الشاعر الذي كتب غالب الأغاني الوطنية ولحنها كمال الطويل وغناها عبد الحليم، كان مثل كل مثقفي الجيل يصدق التجربة ويؤمن بها، ولكن هزيمة 5 يونيو سنة 1967م الثقيلة هدمت أحلام الجميع، وأصابتهم بالاكتئاب، وحين فاق بعضهم من أثر الصدمة بدأ يكتب ضد الهزيمة كما فعل الأبنودي وسمير عبد الباقي، وكما لحن بليغ، وعاش مبدعون على جبهة القتال في السويس مثل جمال الغيطاني، وكان صوت كابتن غزالي قوياً مع أغاني السمسمية لشحذ الهمة الوطنية .

بقي أن نشير لعشرات الكتب الموثقة للمرحلة مثل (مثقفون وعسكر)لصلاح عيسى، و(من الأرشيف السري للثقافة المصرية)لغالي شكري، وغيرها كثير من الشهادات والتراجم الذاتية، وبالنهاية لم يختلف اثنان على توجهات (يوليو)الوطنية والعربية، وعلى منجزاتها للطبقات الكادحة، ولدعم حركات التحرر الوطني العربي والإفريقي، وأن (يوليو)كانت ملهمة في الداخل والخارج.

 
 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة