رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

جيش الشعب فى الثورتين


23-7-2025 | 22:50

.

طباعة
تحقيق: منار عصام

القوات المسلحة المصرية «جيش الشعب»، شعار طالما افتخر به كل مصرى، فقد كانت المؤسسة العسكرية عبر مختلف محطات التاريخ مساندةً وتسير وفق رؤى وتطلعات ومطالب المصريين، فطبيعة العلاقة بين الجيش والشعب لها مستوى من التعقيد يصيب الأعداء بالدهشة، فلا يخلو بيتٌ إلا ومن بين أفراده ضابط أو جندى أو ضابط صف بالقوات المسلحة، ولعل التاريخ قد سطر بحروف من نور الموقف المساند للجيش المصرى فى ثورة يوليو 1952 وكذا ثورة 30 يونيو 2013، استجابةً لمطالب الشعب المشروعة فى كلتا الحقبتين، لذلك - ومع حلول ذكرى ثورة 23 يوليو 1952، نستعرض آراء الخبراء فى دور المؤسسة العسكرية الوطنية فى الثورتين.

 

فى البداية، أكد اللواء طيار دكتور هشام الحلبى مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، أن القوات المسلحة على مر التاريخ دائمًا ما كانت على درجة عالية من الشعور بالدولة ونبض الشارع.. فالقوات المسلحة ليست منفصلة إطلاقًا عن الشعب، بل دائمًا ما ظلت شريحة رئيسية من كل طوائف المجتمع، مشددًا على أن الجيش دائمًا ما يستشعر التهديدات التى تحاك بالدولة المصرية سواء التهديدات التقليدية (العدو الواضح) أو غير التقليدية التى تهدد المجتمع.

وأشار «الحلبى» إلى أن الجيش استشعر فى ثورة 23 يوليو الخطر المحدق بالدولة والمتمثل فى اختطاف مصر لصالح قوة أجنبية، بالإضافة إلى أن مستويات قوى الدولة الشاملة وصلت إلى مستوى ضعيف جدًا، فضلاً عن تدهور كافة الأوضاع الداخلية، سواء فيما يخص ملف التعليم أو الصحة، وارتفاع معدلات البطالة، وكذا على مستوى تسليح الجيش المصرى، وهو ما كان جليًا على كافة الأصعدة ومختلف المجالات، واستشعر الجيش ذلك الضعف الذى كان يمر به وطنه، بسبب عدم قدرة الملك فاروق وحكومته فى ذلك الوقت على تلبية مطالب الدولة المصرية، بما يتناسب مع تاريخها وحضارتها التى علّمت العالم أجمع.

وأضاف: «لهذه الأسباب قامت ثورة 23 يوليو، أشعلها تنظيم الضباط الأحرار كمحاولة منهم لتغيير الواقع الذى كان يعيش فيه الوطن والمواطن آنذاك، ولكنهم لم يكونوا على ثقة كبيرة من النجاح وهو ما ذكره الكثير منهم خلال مذكراته، حين وثّقوا تفاصيل تلك الساعات الحرجة من تاريخ مصر، موضحًا أن ما ضمن لتلك الثورة النجاح هو التفاف الشعب المصرى حول الضباط الأحرار، وذلك لأن الشعب استشعر أن هؤلاء الضباط يعبرون عن ما يريده المواطن، وهو ما ظهر بوضوح فى مبادئ الثورة الستة.

وأوضح اللواء الحلبي، أنه عقب الثورة، بدأت الدولة فى إقامة أكبر مشروع تنموى فى العصر الحديث، بقيادة الرئيس جمال عبدالناصر، مشروع اقتصادى ضخم ذو بعد اجتماعى يتمثل فى السد العالى ومجمع الألومنيوم وغيرها من المشروعات القومية، وكذا مشروعات ذات بعد اجتماعى، مثل مجانية التعليم والصحة، فقد كان مشروعًا واضح المعالم وله انعكاس إيجابى لدى المواطنين، مضيفًا أن كثيرًا من المصريين لولا قيام ثورة 23 يوليو 1952 لما كان لهم نصيب أو حظ من التعليم.

ولفت «الحلبى»، إلى أن المشروع القومى الذى تبنته الدولة عقب الثورة، وتولى الرئيس الراحل عبدالناصر الحكم، كان مكروهًا عند الدول الأجنبية، وملهمًا للدول المجاورة، فقد ساعدهم المشروع المصرى فى التحرر من القوى الاستعمارية، لذلك شهدت مصر حروبًا عديدة مثل العدوان الثلاثى على مصر فى 1956 وكذا حرب 1967 مرورًا بالتاريخ الحديث الذى عشناه وصولاً إلى ثورة يناير، لذلك قامت القوات المسلحة فى ثورة يناير بتأمين الدولة وحدودها، فضلاً عن تأمين المرحلة الانتقالية التى مرت بها مصر إلى أن وصلنا إلى مرحلة إعادة تنظيم مؤسسات الدولة، والتى تُعتبر من أخطر المراحل التى يمكن أن تمر بها البلدان، حيث قدمت يد العون والمساندة للعديد من المؤسسات المدنية حتى يتسنى لها القيام بمهمتها.

وواصل «الحلبي» حديثه قائلًا: إن القوات المسلحة خلال تلك الفترة - وعلى مر العصور، كانت ولا تزال تتعامل بنزاهة وشفافية كاملة، لذلك فإن القوات المسلحة المصرية خلال الثورتين قامت بحماية المواطنين وتنفيذ إرادة الشعب.

ولفت «الحلبى» الانتباه إلى أنه بعد ثورة 30 يونيو 2013 قامت القوات المسلحة بمكافحة الإرهاب ونجحت فى القضاء على العناصر الإرهابية فى سيناء، مضيفًا أنه فى مسار متوازٍ كانت المؤسسة العسكرية تقوم بتقديم المساعدة فى مشروعات التنمية بشكل استراتيجى لتحقيق طموحات المصريين، خاصة بعدما أصبح سقف الطموحات عاليًا جدًا، وبما يليق مع مكانة الدولة المصرية الحقيقية، وبناء الجمهورية الجديدة، مما دفع القوات المسلحة بالتحرك لمساندة المجتمع المدنى لتحقيق هذه الطموحات، بداية من مشروع حفر قناة السويس الجديدة، وكذلك الإشراف على شبكة الطرق، الأمر الذى ساهم فى الانتهاء من المشروعات فى توقيتات قليلة نسبيًا وبجودة عالية.

وشدد اللواء الحلبى على أن الأمن والتنمية، جناحا الأمن القومى للدولة المصرية، وهو ما يقلق كافة أعداء المحروسة، خاصة أن وزارة الدفاع لديها مستوى عالٍ من الفهم، لطبيعة التهديدات والتحديات المحيطة، مشيرًا إلى أن القوات المسلحة تمارس دورها القانونى المنصوص عليه بالدستور وتحديدًا فى المادة 200 من الدستور والتى تنص على أن القوات المسلحة ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها وصون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد، والدولة وحدها هى التى تُنشئ هذه القوات، ويحظر على أى فرد أو هيئة أو جهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية، الأمر الذى يدل على أن القوات المسلحة دائمًا ما تمارس دورها الدستورى والقانونى الوطنى فى الحفاظ على مدنية الدولة.

وفى سياق متصل، أكد اللواء محمدالغبارى مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق والخبير فى الشؤون الاستراتيجية، على أن القوات المسلحة طالما ما كانت لديها عقيدة راسخة تتمثل فى الذود عن الوطن وحمايته أمام مختلف التهديدات والتحديات، وهو ما يؤكده الحديث النبوى الشريف: «إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا منها جندًا كثيفًا فإنهم وأهاليهم فى رباط الى يوم الدين»، فلم نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم تطرق للحديث عن الأهل فى أى من أحاديثه الشريفة سوى فى هذا الحديث، مؤكدًا أنه دائمًا ما كانت مصر مطمعًا للأعداء شرقًا وغربًا نظرًا لموقعها الاستراتيجى المتميز، لذلك فمن الطبيعى أن يكون أهلها فى رباط إلى يوم الدين من أجل التكاتف لحمايتها ضد أى تهديد خارجى، فدائمًا ما يربى المصريون أبناءهم على أن الأرض «عرض» والالتحاق بالجيش المصرى هو السبيل لنيل هذا الشرف ليصبح الشعار الأخير «النصر أو الشهادة».

وأشار «الغبارى» إلى أن القوات المسلحة تحركت وفق عقيدتها فى كلٍ من ثورتى يوليو 1952 ويونيو 2013، فالأولى بقيادة الضباط الأحرار ضد فساد الملك، وكذا استجاب الجيش لمطالب الشعب ضد فساد جماعة الإخوان الإرهابية، مشيرًا إلى أن الجيش دائمًا وأبدًا سيظل انتماؤه الوحيد لأرضه وعرضه ومصلحة وطنه.

وتابع قائلًا: إن القوات المسلحة شهدت تطورات ملحوظة فى أعقاب كلتا الثورتين أيضًا، وذلك بما يتماشى مع حجم التحديات والتهديدات التى كانت تحيط بالدولة المصرية، ففى الخمسينيات كان هناك تربص واضح من القوى المعادية لثورة يوليو والراغبة فى هدم مشروعات الثورة، والتى كانت تعود بفوائدها ونتائجها على الشعب المصرى بعدما عانى سنوات وعقودًا من الإقطاع والفساد، لذلك كانت القوات المسلحة مدركة لحجم التهديدات، الأمر الذى أهلها لتحقيق الانتصار فى حربها التى خاضتها ضد العدوان الثلاثى «بريطانيا وفرنسا وإسرائيل»، وعندما تغيرت التهديدات فى أعقاب حرب 1967 أُعيد بناء القوات المسلحة إلى أن تحقق النصر فى أكتوبر 1973م، مضيفًا أنه مع مرور التاريخ وفى ثورة 30 يونيو 2013 شهدت أيضًا القوات المسلحة المصرية تطويرًا هائلاً على مستوى التسليح والتدريب بما يتفق والرؤية السياسية الاستباقية للمشهد فى المنطقة، الأمر الذى أدى إلى تحقيق انتصار فى الحرب ضد الإرهاب، وكذا توفير عامل الردع فى ظل التصعيد المستمر فى المنطقة العربية.

وسلط اللواء محمدالغبارى، الضوء على أن العلاقة بين الجيش والشعب هى علاقة وطيدة لا يمكن كسرها أبدًا، مستشهدًا بأنه فى أعقاب هزيمة 1967 انتشرت العديد من الشائعات - وهى بالمناسبة إحدى وسائل الحروب النفسية، التى ترمى إلى أن الجيش المصرى غير قادر على خوض الحروب، وأن الرئيس جمال عبدالناصر خدع المصريين بأخبار تطوير الجيش، وقد كان هناك حالة من الانجراف نحو تلك الشائعات، إلا أن القوات المسلحة تحملت هذه المضايقات، واستطاعت تحقيق انتصارات عديدة فى حرب الاستنزاف، ليستعيد الجندى المصرى عقب نصر أكتوبر 1973 هيبته ومكاناته لدى المواطن المصرى، بل واكتسب احترام العالم أجمع.

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة