رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

بين «23 يوليو» و«30 يونيو» .. «غزة» كانت بؤرة الخطر


23-7-2025 | 22:40

.

طباعة
بقلـم: حلمى النمنم

أكثر من ستين عامًا فصلت بين ثورتى 23 يوليو 1952 و30 يونيو 2013، وتختلف ظروف قيام كل ثورة، والمناخ الدولى والإقليمى والمحلى الذى صاحب كلا منهما، فضلا عن الأطراف التى حركت كل ثورة، ومع ذلك فهناك تشابه غير قليل بين الثورتين، خاصة فى المخاطر والتحديات التى واجهت الثورتين.

فى مجال التحديات، تبرز لنا «غزة»، تلك البقعة من أرض فلسطين الغالية على حدودنا فى الشمال الشرقى.

حين قامت ثورة يوليو، كان تركيز ضباط مجلس قيادة الثورة على القضايا والأمور المحلية؛ رفع مستوى معيشة المواطن المصرى وتحسين أحواله، والسير قدما فى مجال العدالة الاجتماعية، وتقليل الفجوة بين الطبقات، والعمل على زيادة الناتج القومى بتوسيع رقعة الأرض الزراعية، والتوسع فى التصنيع مع التركيز على القضية الوطنية، أى الجلاء التام وخروج القوات البريطانية من مصر.. ومَن يراجع كتاب «فلسفة الثورة» الصادر فى أكتوبر سنة 1953 بقلم جمال عبدالناصر، يجد تأكيدا واضحا على تلك المعانى، وكان الشعار المرفوع وقتها هو «الاتحاد والنظام والعمل».. أما الاتحاد فكان مقصودا به اتحاد مكونات الشعب المصرى، بلا تفرقة، وانتشار النظام والعمل المنتج.. لكن فى سنة 1955، جاء التحدى من «غزة»، كانت غزة –بعد حرب 1948- تحت الإدارة المصرية، وفجأة أصدر ديفيد بن جوريون، رئيس الوزراء الإسرائيلى، أمره لسلاح الطيران بشن غارات على مواقع الجنود المصريين فى غزة، فسقط عدد منهم شهداء.

كانت هذه الغارة سببًا فى تحول الاهتمامات، وتبدلت الأولويات لدى قادة يوليو 52، جمال عبد الناصر ورفاقه من أعضاء مجلس قيادة الثورة.

كان هدف الغارة -كما اتضح فيما بعد- أن يدفع الحكام الجدد لمصر دفعا، وقبل خروج الإنجليز من مصر، إلى إجراء اتفاق مع إسرائيل وفق الشروط الإسرائيلية، وكان الهدف أن يتجهوا نحو الاتفاق وهم ضعفاء مهزومون، لم يكن لدى مصر سلاح كافٍ، كان التسليح محدودًا، وكانت بريطانيا والولايات المتحدة قررتا عدم تقديم أسلحة لمصر ما لم تصبح طرفا فى «حلف بغداد»، وتوقع اتفاقا مع إسرائيل، باختصار سلام المقهورين، وحين توقع اتفاقا وأنت مقهور وضعيف، سوف تستجيب لما يُملى عليك من شروط، ولن يكون لك الحق فى أى ضمان تطلبه ولا أن يُراعى أمنك القومى، من الخطر أن يتم توقيع اتفاق أو معاهدة وأنت فى لحظة هزيمة أو ضعف، لذا فإن القيادة المصرية سنة 1955، وبعد الغارة على قواتنا فى غزة، جمدت أى حديث عن مشاريع السلام، وأجلت كل الأفكار التى كانت مطروحة بهذا المعنى.

حدث ذلك سنة 1955، ثم تكرر بعد هزيمة يونيو 1967، حين راحوا يلحّون على مصر فى إجراء محادثات سلام والذهاب إلى حل دبلوماسى، بعد الهزيمة مباشرة رفضت مصر، وتمت إعادة بناء القوات المسلحة وخضنا حرب الاستنزاف. وفى سنة 1970 أمكننا بناء حائط الصواريخ لتأمين الداخل المصرى من غارات الطيران المعادى، ساعتها فقط، كان الحديث عن تهدئة القتال والشروع فى مباحثات سلمية، فكانت مبادرة روجرز سنة 1970، التى قبلتها مصر وفتحت باب التفاوض، ولم يقُدنا ذلك إلى نتيجة عملية، فكانت حرب أكتوبر 1973 ومعركة العبور العظيم.

فى سنة 1955، وبعد الغارة على غزة، هُرعت الوفود إلى مصر تطلب التهدئة وتنصح بإجراء مباحثات سلام، وضع بن جوريون شروطه للمباحثات وللسلام الذى يتوقعه أو يريده، كان هناك حرص على دفع الثورة المصرية نحو هذه الخطوة، لكن كانت الدولة تدرك أن لحظة الضعف هى أسوأ لحظة، تخوض فيها تفاوضا وتوقع تعهدا، إنه أقرب إلى تعهد المهزوم، فى الحقيقة يكون مثل استسلام والاعتراف بما قام به المعتدى مع التعهد بعدم الرد عليه، ومن ثم من الوارد أن يتكرر الاعتداء تحت أى ذريعة، وأقصى ما يمكن أن تحصل عليه من الطرف الآخر هو كف الغارات عنك. أشبه شيء بما تمارسه الإدارة الأمريكية الآن، ومعها إسرائيل، مع كل من لبنان وسوريا. آخرها ما جرى من غارات الأسبوع الماضى على مقر هيئة الأركان السورية فى العاصمة دمشق، بل ومحيط القصر الجمهورى نفسه فى دمشق، وقتل اثنين من المقربين إلى الرئيس الشرع فيها.

لكن استجابة ثوار يوليو جاءت عكس ما أرادت إسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة، رأى الثوار ضرورة تسليح الجيش ليكون قادرا على مواجهة التحدى، ولما كانت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة لديها تحفظ على إمدادنا بالسلاح، توجهت الدولة المصرية شرقا، حيث الاتحاد السوفييتى. وهنا خط التاريخ مسارًا جديدًا للمنطقة كلها، وربما للحرب الباردة حول العالم.

الاتجاه نحو الاتحاد السوفييتى للحصول على السلاح كانت واحدة من الأفكار المطروحة على مستوى صُناع القرار فى مصر بعد حرب 1948، خاصة أن بريطانيا لم تكن تقدم لجيشنا السلاح الذى نطلبه، فضلا عن أن مصر منذ سنوات الحرب العالمية الثانية أقامت علاقات دبلوماسية مع موسكو، لكنها ظلت فى نطاق الأفكار ولم تتحول إلى برنامج عمل، إلا سنة 1955، وبعد أن تأكد الرئيس عبدالناصر أن الروس لن يرفضوا إذا طلبت مصر.

الحماقة الإسرائيلية والغربية أدت إلى نتيجة مناقضة تماما لما أرادوه، كان توجه مصر نحو الاتحاد السوفييتى كابوسا حقيقيا للسياسة الأمريكية والغربية عموما فى المنطقة.

ما يعنينا –نحن الآن- أن غزة سنة 1955، كانت مصدر الخطر والتهديد على تحرك الثورة والدولة المصرية والخطر الذى تعرضت له أدى إلى إعادة النظر فى ترتيب الأولويات لدى مصر.

فى حالة ثورة 30 يونيو، كان الخطر أيضا من ناحية الحدود الشمالية الشرقية، أى من غزة أيضا، وهذه المرة بدأ الخطر قبل قيام الثورة، فى محاولة مبكرة لإجهاضها، ثم التأثير على مسارها.

فى حالة ثورة 1952 ظهر التحدى بعد ثلاث سنوات من قيامها، وبعد أن أنجزت العديد من مهامها، كانت مصر تحولت من النظام الملكى إلى النظام الجمهورى، وكانت مصر وقّعت سنة 1954 على معاهدة الجلاء مع بريطانيا، بحيث يخرج آخر جندى بريطانى من مصر سنة 1956. وخاضت الثورة المواجهة الأولى مع جحافل جماعة حسن البنا، الذين حاولوا اغتيال الرئيس عبدالناصر فى ميدان المنشية، وكان عبد الناصر مجرد البداية فقط، كان فى التخطيط اغتيال كل أعضاء مجلس قيادة الثورة تباعا، حسين الشافعى وأنور السادات وغيرهما.

أى أن التحديات ظهرت بعد قيام الثورة ونجاحها، وتثبيت أركانها، وصار لها إنجاز ملموس لا يمكن إنكاره ولا التراجع عنه.

فى حالة ثورة 30 يونيو، وقبل انطلاقها، راحت جماعة حسن البنا، تهدد الجميع بأولئك الذين سوف يأتون من خارج الحدود، تحديدا من غزة، سواء من فوق السطح أو عبر الأنفاق الكثيرة وقتها، كان التهديد موجها للشعب المصرى كله وللجيش المصرى أيضا، وصل الأمر أن الرجل الثانى فى الجماعة، المهندس خيرت الشاطر، ذهب إلى وزير الدفاع وقتها، الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وأعلن ذلك التهديد صريحًا ومباشرًا، أن مصر سوف تصبح بحيرة من الدماء والأشلاء.

لم ينطلق التهديد من فراغ، عبر الأنفاق وصل إلى مصر إرهابيون كثر، مساء يوم الجمعة 28 يناير 2011، وعاثوا فى البلاد فسادا وإحراقا وقتلا، ثم توالت الجرائم فيما بعد، حادث قتل الجنود المصريين لحظة الإفطار فى أحد أيام رمضان سنة 2012، وبعد ذلك عمليات أخرى.

ويجب القول إن غزة كان بها العديد من التنظيمات والمنظمات، لم تكن حماس هناك وحدها ولا الجهاد الإسلامي، بل تنظيمات أخرى غير معروفة، بعضها كان يتبع «داعش» وينفذ عمليات لحسابها، هؤلاء لم يكونوا يعملون من أجل تحرير فلسطين وإنقاذ شعبها ولا من أجل بناء الدولة الفلسطينية، بل من أجل «داعش» وأهدافها الضبابية والتخريبية.

ومع لحظة انطلاق الثورة فى 30 يونيو وإعلان قرارات خارطة الطريق يوم 3 يوليو 2013، حتى بدأت موجات الإرهاب والإرهابيين تتدفق علينا، وتركزت فى سيناء، كانت غزة هى مرحلة العبور إلى سيناء لتنفيذ العمليات، واقتضى الأمر جهدا فائقا من المهندسين المصريين للسيطرة على الأنفاق التى تصل إلى سيناء، كان هناك أكثر من ألفى نفق، بعضها كان يكفى لعبور تريلّا محملة.. وقد واجهت ثورة 30 يونيو كل ذلك.. خضنا حربا حقيقية فى سيناء على الإرهاب، كان التمركز فى سيناء، لكنها كانت فى أنحاء مصر أيضا، حيث عمليات تفجير أبراج الكهرباء، وتعطيل الطرق، وقتل المدنيين، واغتيال رجال الشرطة.

من هنا كان لا بد من تأمين الحدود، كل الحدود، فى ثورة سنة 1952، كانت الأمور أيسر وأقل تعقيدا، لم تكن هناك سوشيال ميديا ولا ذباب إلكترونى، يخرب ويدمر، أكثر مما يفعل الإرهابيون.

فى كل الأحوال لا بد من تأمين الحدود، كل الحدود، مع التركيز على حدودنا مع فلسطين، على وجه التخصيص قطاع غزة، بحكم الاحتلال الإسرائيلى وتعنت إسرائيل وإصرارها على عدم قيام دولة فلسطينية، وعودة الشعب الفلسطينى سيدًا فى وطنه ودولته الوطنية المستقلة، فإن المنطقة سوف تظل عرضة لكثير من الانفجارات.

ابتداء، عملية مقاومة الاحتلال لن تتوقف ولا يجب لأحد أن يتوقع لها التوقف، سوف تكون هناك مقاومة ما دام هناك احتلال، تلك قاعدة تاريخية، تنطبق على كل شعوب الدنيا وفى كل الأوطان التى تعرضت للاحتلال، والشعب الفلسطينى ليس بدعًا فى ذلك.. هنا المقاومة حق، فى المقابل سوف يكون هناك رد إسرائيلى على تلك المقاومة، وهذا أيضا متوقع.

غير المتوقع هو أنه وسط المقاومة تظهر مجموعات من أغنياء وتجار الحروب ومجموعات من تجار الشعارات، باسم المقاومة وتحرير القدس، ينشرون الإرهاب فى كل مكان، ضد مصر وضد دول المنطقة، وكان نصيبنا كبيرا من هذه الجماعات والمجموعات الإرهابية.. واجهناهم طويلا وأصابنا منهم شر كبير، إلى يومنا هذا.

لا يقف الشر عند هؤلاء فقط، لكن يذهب إلى أبعد من ذلك.

حاولت عناصر إسرائيلية الزج بمصر فيما يحدث، مرة بزعم أن الأسلحة تهرب من سيناء إلى غزة، ومرة باسم أن هناك أنفاقا بين سيناء وغزة ما زالت تعمل، واتهامات على طول الخط من هذا النوع.

وما تقوم به مصر من جهود لوقف الغارات على غزة والشروع فى إعادة تعميرها، وإعداد مشروع متكامل فى ذلك -نال موافقة جامعة الدول العربية، ثم المؤتمر الإسلامى يؤكد جدية مصر فى تأمين الحدود من ناحية فلسطين، وتدرك مصر أن التأمين الحقيقى سيتحقق حين تقوم دولة فلسطينية مستقلة، على حدود الرابع من يونيو سنة 1967، وفق المبادرة العربية التى اعتمدتها جامعة الدول العربية فى بيروت سنة 2003.

غزة كانت ولا تزال تحديا جغرافيا واجه ثورة 23 يوليو سنة 1952، كما واجه ثورة 30 يونيو 2013، ولا بد من مواجهة ذلك التحدى، بالعمل على إقامة الدولة الفلسطينية.

فى النهاية، نحن نتحرك بروح ثورة يوليو 1952 وخارطة الطريق التى رسمتها ثورة 30 يونيو؛ فى يوليو 52 تحرك الضباط الأحرار، بادروا بالخطوات الأولى، وساندهم الشعب المصرى بقوة، وفى 30 يونيو تحرك الشعب المصرى وساندته القوات المسلحة بإصرار ونبل وطنى وإنسانى رفيع، إنها معادلة الجيش والشعب، معًا.. إيد واحدة.

 

 
 
    كلمات البحث
  • ثورة
  • يوليو
  • قيادة
  • المواطن
  • غزة

أخبار الساعة

الاكثر قراءة