رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الصحافة والطريق إلى يوليو


23-7-2025 | 20:59

.

طباعة
بقلـم: أحمد النبوى

ثورة 23 يوليو 1952 أو (الحركة المباركة) كما اشتهرت فى بدايتها مخطئ من يعتقد أنها ثورة الضباط الأحرار فقط وأن الشعب المصرى قام بـتأييدها وهناك اكثر من دليل على هذا الكلام وإن كان الدليل الأهم أن الجيش المصرى كان ومازال مكونا من أبناء الشعب المصرى بمختلف الفئات حتى لو كانت الأغلبية للضباط فى ذلك الوقت من طبقة محددة، فتجد أنه على العكس منها كانت أغلبية العساكر من عامة الشعب الذى يعانى الفقر والجهل والمرض والذين يدخلون (الجهادية).

 

وهنا نطرح تساؤلا لماذا يقدم عدد من الضباط بالتفكير فى ثورة رغم أنهم يملكون مكانة اجتماعية مرموقة؟ وللإجابة عن هذا التساؤل يجب علينا قراءة التاريخ جيدا وفهم مسار النهضة الذى كان موجودا فى مصر فى تلك الحقبة ومساحة الحرية والإبداع الفكرى وحرية الصحافة ودور الفن أيضا.

ثورة 1952 أستطيع أن أقول إنها كانت نتاجا لسنوات كثيرة سابقة من المخاض الفكرى

وقد أفرد المفكر الكبير زكي نجيب محمود الحديث عن الثورة فى كتابه الرائع (مجتمع جديد أو الكارثة) وكيف أن مسار النهضة المصرية طال أكثر مما ينبغي بالقياس بأوروبا التي جاوزت مرحلة النهضة إلى عصرها الحديث..

وأقتبس هنا من كتاب المفكر الكبير بعض الفقرات التى توضح نتاج الفكر فى تلك المرحلة السابقة على الثورة

« أن مرحلة نهوض مصر لم تكن كلها مسطحاً واحداً متصلا بل كانت متدرجة في مسطحات ثلاثة، وانتهى كل مسطح في مسار نهضتنا بثورة تنقل مصر إلى مستوى أعلى ، وتلك الثورة كانت تجيء نتيجة لأزمة للمخاض الفكري السابق عليها، فثورة عرابي هي نهاية المرحلة الأولى نتيجة للبذور التي بذرها رفاعة الطهطاوي عن فكرة الحرية التي كلما ازدادت عمقاً ازداد الوطن ارتفاعا على طريق النهضة درجة بعد درجة؛ وبالمثل شاركت أفكار جمال الدين الأفغانى في الارتفاع بفكرة الحرية درجة على المسطح الأول ذاته حين نقل الولاء للحاكم ليصبح الولاء للشعب!

أما ثورة 1919 فكانت نهاية المرحلة الثانية وجاءت نتيجة لأفكار محمد عبده في نضاله ليحرر حياتنا الدينية مما علق بها خرافات ولينجو بعقول الناس من ظلمة الجهل!

وفي تلك المرحلة كانت أفكار قاسم أمين ودعوته إلى تحرير المرأة، ومصطفى كامل وجهوده لطرد المستعمر، ولطفي السيد ومبادئه الليبرالية ومن أبرزها «أن تكون السيادة للقانون لا للأشخاص» وأن «يحكم الحاكم بإرادة الشعب لصالح الجمهور كله لا لصالح طبقة معينة أو فرد بذاته»، و«أن يشترك كل فرد في حكومة بلاده اشتراكاً تاماً كاملا بمعنى «سلطة الأمة»!

بهؤلاء الرواد في المسطح الثاني من مسار نهضة مصر تنوعت أبعاد الحرية التي طالب بها هؤلاء المفكرون وتعلق الشعب بأفكارهم وكانت ثورة 1919 نتيجة « الحركة الفكرية العارمة» التي شهدتها سنوات العشرينيات والثلاثينيات بنجومها؛ العقاد بإنجازاته الفكرية، وعطاء سيد درويش الفني، وريادة طلعت حرب الاقتصادية، وعلي عبدالرازق بمحاولته تحرير مفهوم الحكومة الإسلامية من تقليد الخلافة، وطه حسين الذي سعى إلى أن يحل منطق العقل محل الميل مع عاطفية التقاليد، وأحمد أمين وجهود لجنة التأليف والترجمة والنشر، وتوفيق الحكيم الذي بشر بعودة الروح!

ونتيجة كل ذلك الزخم الفكري انتقلت مصر درجة أعلى في سلم النهضة.

واليوم ونحن نحتفل ونحتفى بالذكرى 73 للثورة علينا أن نعى أن الثورات نتاج فكرى للنهضة بالمجتمع وأن هناك عنصرا هاما جدا أسهم فى تحريك وعى الشعب ألا وهو الصحافة فعندما تنظر لعناوين الصحف في تلك الفترة ستعرف حجم الدور الذي لعبته الصحافة للتمهيد للثورة؛ الصحف كانت تهاجم الملك هجوما لاذعا كتب الصحفيون في كل شيء، بدءا من اتهام الملك بالتواطؤ مع الاحتلال الإنجليزي، أو تورط القصر في قضية الأسلحة الفاسدة التي أدت لهزيمة ،1948 أو الكتابة عن فضائح الملك ونزوات العائلة المالكة

ونوعية الجرائد أيضا لعبت دورا مهما؛ فهذه الفترة ارتبطت بالحرية السياسية والحركة البرلمانية النشطة، لتظهر على إثرها الصحف المعارضة والصحف الحزبية. وأبرز هذه الجرائد المعارضة: «روز اليوسف» و«المؤيد» و»الأهرام»و»المحروسة» والوطن

ونستطيع أن نجزم أن الصحافة المصرية لعبت دورا هام جدا فى توعية ضباط الجيش المصرى خاصة بعد أن قام الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس بتفجير قضية الأسلحة الفاسدة فى حرب فلسطين عام 48 في سلسلة مقالات بروز اليوسف وبسبب هذه القضية كان هناك تواصل بين عدد من ضباط الجيش (الضباط الأحرار ) بالصحافة وخاصة مع إحسان عبد القدوس وحلمى سلام فى المصور وغيره هم؛ كما سلطت الصحافة الضوء على انتخابات نادى ضباط الجيش فى يناير 52 والتى أسفرت عن فوز مرشح الضباط الأحرار اللواء محمد نجيب ثم كان قرار الملك فاروق بحل مجلس إدارة نادى ضباط الجيش يوم 16 يوليو 1952

وللتاكيد على دور الصحافة فى ذلك الوقت بخلاف أحداث الإسماعيلية يوم 25 يناير وبعدها بيوم حريق القاهرة 26 يناير لم يكن دور الصحافة التغطية أو نشر الوعى فقط بل كانت مشاركا أساسيا فيما يحدث وأدلة كثيرة وأذكر منها هنا ماجاء على لسان اللواء محمد نجيب فى مذكراته «كنت رئيسا لمصر» انة يوم 18 يوليو 52 قائلا: «حضر جلال ندا الضابط السابق، والمحرر العسكرى بدار أخبار اليوم، ومعه «هيكل» رئيس تحرير آخر ساعة إلى منزلى ويضيف: «قبل ظهر ذلك اليوم حضر إلى بيتى، جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، يرتدى كل منهما بنطلونا رماديا وقميصا أبيض، ووضح من حركاتهما أنهما يريدان أن يسرا إلى بشىء ما، فتركت هيكل وندا فى الصالون وأخذتهما إلى حجرة الطعام، ولكن بعد أن طلب هيكل أن أقدمه لهما، وكان لقاؤه الأول بهما»..

ورغم أن الأستاذ محمد حسنين هيكل فى كتابه «سقوط نظام» أكد على اللقاء فى منزل اللواء نجيب ولكنه أكد أنها كانت المرة الرابعة التى يلتقى فيها مع عبدالناصر وأنه هو صاحب اقتراح «قيام ألف ضابط بتسجيل أسمائهم فى دفتر التشريفات بالقصر الملكى ويطلبون إلغاء قرار الحل»

ما أقصده ليس سرد وقائع تاريخية ولكن لكى أدلل على أن الصحافة المصرية فى قوتها كانت مشاركة فى صنع الأحداث الوطنية وليست مجرد ناقل للخبر أو مساهم فى توعية الشعب فقط.

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة