رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

عدالة «البريكس» تكافح هيمنة الدولار


17-7-2025 | 18:36

.

طباعة
بقلـم: د. وفاء على

على الرغم من حالة العداء المستترة لمجموعة البريكس إلا أن الرئيس الأمريكى ترامب لم يكن غائبا بأى حال، انطلاقاً من المعايير التاريخية فى اجتماعات مجموعة البريكس والتى يستهدفها ترامب ويتربص بها بتصريحاته العقابية عن فرض رسوم إضافية على دول المجموعة، خاصة أن العالم كان ينتظر ويترقب ذلك الاجتماع فى مدينة ريو دى جانيرو بالبرازيل فى نسخته الـ17 وسط الضجيج العالمى وحالة تآكل الثقة والتوترات الجيوسياسية، وفوق هذا وذاك هذا القابع بالبيت الأبيض يقف بالمرصاد برسومه الجمركية التى يقف بها فى وجه الجميع حتى حلفائه.

 

أخذت مجموعة البريكس أو نادى المشاغبين استراحة تكتيكية لتدرس ماذا تفعل وهناك أبرز المحركات للأسواق العالمية فى حالة من العطب بسبب رجل التعريفات الجمركية.

والسؤال المهم هل تشكل دول البريكس منافسا لسياسات ترامب؟ الإجابة القطعية «نعم»، ولكن تحتاج إلى وقت لإنهاء حالة الدولرة ومحاولات فرض عملات جديدة، سيبقى الدولار ولكنه سيفقد قوته الحالية خاصة أن النهج التكتيكى الحالى لأمريكا فى حكم ترامب هو طلب المستحيل ليصل إلى الممكن بالتفاوض الذى لن يخدم أحدا حتى أمريكا نفسها بل أول المتضررين مستهلكوه الأمريكيون.

ومن هذا السياق جاء الرد من مجموعة البريكس أن المستهدف هو العمل لصالح شعوبنا فالتعريفات فى حد ذاتها تفقر المستهلكين بشكل عام حتى لو تم التمويل للحكومات بها.

وهنا يبرز السؤال العالق دوماً هل الأرض مهيأة هذا العام لنادى المشاغبين ومن يريدون الانضمام إليه؟ أم تبعثرت الأوراق واختلطت الأمور والمصالح مع تهديدات ترامب المستمرة، الحقيقة أنه قد تغيرت القراءات وأصبح هناك ملف جديد اسمه دبلوماسية الإكراه مما يجعل مجموعة البريكس تذهب إلى واقع جديد فى التعامل مع ترامب صاحب بنك الأهداف المفتوحة والدوائر التى تصنع الفراغ ومع تهديدات ترامب المستمرة بعدم السماح بالهيمنة على الدولار. واللافت للنظر أن المجموعة حاولت هذه المرة طرح رؤية جديدة لإصلاح المؤسسات متعددة الأطراف ومعالجة الفجوة التمويلية فى البنية التحتية للدول النامية.

ووضعت مجموعة البريكس فى اعتبارها التغيرات التى طرأت على الصعيد العالمى وفرص الدول الناشئة وتعزيز التعاون بالعملة المحلية تحت عنوان عريض هو تقليص مخاطر التمويل وضمان الاستثمار، حاول الأعضاء طرح رؤيتهم فى الأزمات العالمية.

التفاصيل شحيحة لأن الصين تتبنى موقفا متحفظاً، لأنها فى مفاوضات دائمة مع ترامب وتؤمن بسياسة منتصف العصا لمجموعة تمثل نصف سكان العالم و40 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى للعالم، واتساقا مع هذا يقول الرئيس البرازيلى هل ينتهى القرن الواحد والعشرون كما انتهى القرن العشرون بدون حل لهذه العملة المتوجة المتمثلة فى الدولار، فرسوم ترامب تعرقل فكرة الاستغناء عن الدولار وهل هناك إجماع قوى على تكملة المشوار مع «بريكس» أم أن رسوم رجل التعريفات الجمركية تهدد التكتل خصوصاً أن سياسات ترامب بها تحولات جذرية مفاجئة تفتقر إلى الوضوح خاصة سياسته التجارية، وعزمه على إلغاء نظام التجارة العالمية الذى يراه غير عادل لأمريكا وعمالها.

ويأتى لقاء البريكس فى لحظة حرجة يمر بها العالم والاقتصاد العالمى بعدما خفض صندوق النقد الدولى توقعاته للنمو العالمى بسبب تبعات الرسوم الجمركية والحروب الحمائية لترامب.

فالاقتصاد العالمى يريد الإقلاع نحو النمو المستدام، ولكن شبح الرسوم الجمركية يطارد الأصول المالية بقوة، فقد تعمقت الخسائر وحدثت شروخ عميقة بين التوقعات وما يحدث على أرض الواقع، وفى هذا السياق من يقول الحقيقة ومن مع من ومن ضد من، وهل الصين تتخلى عن البريكس إرضاء لترامب، أم أنها توسع نشاطها فى العالم خصوصاً مع الدول الناشئة بينما ترامب مشغول بتهديداته.

إن إنهاء أحادية القطب لديها تحديات وحالة التنويع الاقتصادى التى تطمح لها دول البريكس تمثل تعددية حقيقية فى العلاقات الدولية، وبوتين يقول إن البريكس تتفوق على مجموعة السبع، فالبريكس تنظر فى 30 طلبا قدمت إليها، فالكل يسعى إلى تسوية المعاملات بعيدا عن الدولار، والناتج المحلى البريكس أكبر من مجموعة السبع. ويقول سيد الكرملين إن مجموعة البريكس تستعد ليكون لها دور أكبر فى صناعة القرارات الدولية فهى تطمح فى تعددية حقيقية للعالم كله، خصوصاً أن المجموعة تهتم بشفرة المعادلة السياسية والاقتصادية والأمنية، والصين تسير حتى لو ببطء نحو فك الاستحواذ للدولار الأمريكى على سوق الطاقة، خاصة أسواق النفط حيث صار اليوان عملة ثابتة تفرضها بكين على الأسواق ومنها دول الخليج التى باتت تبدى تعاونا أكبر مع بكين، وقد تدفقت استثمارات البريكس فى النصف الأول من هذا العام تعدت الـ 250 مليار دولار لدول التكتل، ويقودنا الحديث إلى العرض والتحليل لحال العالم فى هذه الحرب التى تستعر حرب العملات إلى أن العالم وصل إلى مرحلة صعبة من الشعور بالألم وعدم الأمان والإكراه الاقتصادى، ولذلك كان يبحث عن بارقة أمل فى إصلاح التجارة العالمية وعدم العدالة فيها، وكيفية إنشاء شبكة من الأمان فى تعزيز الأمن الغذائى، وسلاسل التوريد وآلية الصفقات المتكافئة، والعودة إلى الماضى بالمقايضة العادلة خصوصا الاقتصادات الناشئة التى تعانى بشدة، مما أدى إلى بحث الجميع عن تشكيل نظام اقتصادى عالمى جديد يحدث نوعا من العدالة والتوازن فكلنا تحت شمس واحدة .

فالعالم يمر بحالة من التذمر الجماعى بخصوص الدولرة، بالأخص الدول الناشئة التى جعلها الدولار تدور فى رحى عدم اليقين وزيادة الديون وفوائدها والضغوط الاقتصادية والأسواق الموازية، لذلك جاءت الانفراجة بتجمع البريكس ومزايا المجموعة التى تستجلب كثيرا من الدول للانضمام إليها. وقد سعت كثير من الدول للانضمام، ولكن البريكس وضعت معايير مهمة للدول المنظمة، أن يكون لها ثقل إقليمى وعالمى وأن تجلب الدول المنظمة للبريكس وهى البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا من الدول الناشئة مصر والإمارات والسعودية والتى تعطى البريكس نوعا من الديناميكية فتوسعة العضوية تعطى للبريكس حالة من التوازن الاقتصادى والمجموعة من أهم أهدافها ككيان خلق هذا التوازن الاقتصادى.

والبريكس هى إحدى ركائز النظام العالمى الجديد كمجموعة اقتصادية اختارت المسار الإجبارى بالاتجاه نحو التعددية، فالعالم لن يقف عند دولة واحدة فلا بد من الصعود الجماعى للدول الناشئة التى عانت كثيراً خصوصا أنه أصبح هناك قدرة على حل ومناقشة القضايا الحرجة، ومعالجتها التى يمر بها الجميع فى ملفات التجارة الدولية والتمويلات الميسرة وأمن الطاقة وتغير المناخ وسطوة الغرب على مفاصل اقتصاد العالم بالدولار.

ولا شك أن العالم يمر بمرحلة مخاض جديدة فى خضم الحرب الروسية الأوكرانية وتبعاتها والحرب الإيرانية الإسرائيلية وضرب البنية التحتية للطاقة، وأيضا التلويح بغلق مضيق هرمز نبه دول المجموعة إلى ضرورة العمل على ايجاد عدة سيناريوهات للدول لتفعيل أدواتها الجيواقتصادية من أجل إعادة تشكيل هياكل صنع القرارات العالمية خصوصاً التحالفات الاقتصادية والسياسية، من أجل إيجاد نماذج اقتصادية بعيدة عن أى اختلافات فى محاولة لمواجهة التكتل الغربى الأمريكى، وإيجاد نوع من الحوكمة العالمية، وضرورة إصلاح النظام المالى العالمى غير العادل، لقد فاض الكيل بما يفعله صاحب العرش المتوج الدولار، والعالم كان لا بد أن يذهب إلى السلام الاقتصادى، ونقطة ارتكاز نحو إعادة التوازن خصوصاً الاقتصادات الصاعدة لتحقيق النمو الاقتصادى الحقيقى، بالرغم من سعى ترامب لتخفيض الدولار من أجل إغراق الأسواق بالصادرات الأمريكية.

مصر والبريكس

لقد ابتكرت مصر لنفسها نهجاً جديداً فى الاتجاه نحو البريكس مع الحفاظ على التوازنات العالمية، واجتهادها فى اللحاق بالتكتلات الاقتصادية، فهى تفكر خارج الصندوق، وفى نفس الوقت تملك مفتاح هذا الصندوق، فمصر هى نافذة بريكس على الشرق الأوسط وإفريقيا ومحطة أساسية للحزام والطريق، طريق القاهرة كیب تاون، فالدور دوماً هو الذى يبحث عنها دائما فى نجاح ساحق لدور الدبلوماسية المصرية بالزخم السياسى الكبير الذى أدته خلال المرحلة السابقة لذلك دخلت البريكس بخطى واثقة.

كان قرار توسعة العضوية قرارا حكيما فى زيادة الحيز للمجموعة وإحداث نوع من المزايا والتوازن والخروج من القطبية والقيادة الواحدة، خصوصاً أن كتلة المجموعة الأساسية «البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا» تمتلك أكثر من 36 فى المائة من الناتج المحلى العالمى وحوالى 45 فى المائة من سكان العالم وميزانية التجمع الأساسية أكثر من 44 تريليون دولار وتسيطر هذه الدول على 27 فى المائة من حجم مساحة العالم وحجم التجارة حوالى28 فى المائة.

قرار تاريخى لاتساع التعاون الاقتصادى فكلما زادت مساحة العضوية زادت المساحة الجغرافية والشريحة السكانية ومعها تكسر هيمنة الدولار والوقوف أمام الغرب بأفكاره المدمرة .

بنك التنمية الجديد وهو أيضاً خطوة مهمة نحو عالم أكثر عدلاً متعدد الأقطاب يساعد الدول الناشئة على الصعود الجماعى، ويستهدف السلام الاقتصادى، وهذا البنك يسعى إلى بناء عالم اقتصادى أفضل نظراً للعواقب الجيوسياسية التى تلاحق العالم بسبب الهيمنة الغربية والاقتصاد الأمريكى بعملته الدولار التى هزت استقرار العالم .

هناك أحداث حدثت بالفعل والأخرى فى خانة الاختبار، وهنا يفرض الأمر علينا سؤالا مهما ألا وهو هل تستطيع دول البريكس قطع غصن الشجرة التى يجلس عليها كبار المصرفيين فى العالم كالبنك الدولى وصندوق النقد الدولى؟ هذا يمكن ولكنه غير مؤكد فيحل بنك التنمية الجديد الذى بلغ رأس ماله حوالى 100 مليار دولار وأتاح لأعضائه فى الفترة القصيرة الماضية أكثر من 33 مليار دولار، وهى تمويلات ميسرة تخرج من البنك لتخفيف الأعباء عن الدول فى مشروعاتها للبنية التحتية وتحقيق معدلات النمو ولذلك يجب التعويل عليه فى المرحلة القادمة كذلك لا ننسى صندوق البريكس لدعم النمو والتنمية على المستوى الدولى، وهو يمثل الخطوة الأولى فى مخطط المجموعة وهو الهدف غير المعلن فى إنشاء مؤسسات رديفة للمؤسسات الاقتصادية الدولية العالمية لتحرير العالم من القيود، هل هذا السيناريو الحالم يصبح ممكناً؟

والإجابة أن فن الممكنات والصوابية السياسية للدول تقول ممكن ولكن هذا الرجل الذى يقف فى الانتظار وحول الأمر من الانفتاح إلى المواجهة .. وقد تحول الدولار واليورو بطريقة ما إلى عملة متوافقة مع النظام العالمى النقدى الجديد لدول البريكس ومعه تلغى الديون المتراكمة وضمان استقلالية كل دولة، ولا توجد آلية ممكنة للهيمنة ويفكر تجمع بریكس فى إنشاء عملة موحدة مشتركة لتعزيز التجارة الدولية فيما بينها، وهى عملة مكملة ولكن أمامها نوع من الوقت لأنها تحتاج إلى بنك مركزى منظم يسمح للعملة الموحدة أن تعمل بجانب العملة المحلية، وبالتالى تعديل سعر الصرف إذا لزم الأمر مقابل العملة الموحدة، وفى المقابل لن يكون هناك المزيد من البنوك المركزية فى الولايات المتحدة الخاصة أو العامة التى تضخ أموال المواطنين من خلال الديون.

الآن وبعد أن وضحت فكرة البريكس وماذا سيفعل الطرف الآخر القابع خلف المحيط، بعدما أفصح البريكس عن قوته الاقتصادية وتكامل مراحل هذه القوة التى لها ثقلها عالمياً، لذلك يفكر الجمهوريون بعدما غزا مجلس النواب الأمريكى فى مناقشة إنشاء «دولار قوس قزح» وهو قائم على الذهب والذى سيحل محل الدولار الحالى ويكون متوافقاً مع النظام النقدى الجديد لدول البريكس، ولذلك كان هناك العديد من الدول فى الفترة الماضية تشترى أطناناً من الذهب فهل هى تستعد للنظام النقدى الجديد؟، ربما!.