رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

علاقات القاهرة وبكين قائمة على توافق الرؤى والمنافع المتبادلة.. مصر والصين.. شراكة «المرحلة الذهبية»


18-7-2025 | 09:24

الرئيس عبد الفتاح السيسي يستقبل لي تشيانج رئيس مجلس الدولة الصيني

طباعة
تقرير: أحمد جمعة

حملت زيارة رئيس مجلس الدولة الصينى لى تشيانغ إلى مصر قبل أيام، جُملة من الرسائل والدلالات بشأن تطور العلاقات المصرية - الصينية، والتى يُنظر إليها كنموذج ناضج لتفاهم سياسى عميق وتنسيق استراتيجى مستمر بين دولتين تمثلان ثقلاً حضارياً وجغرافياً فى منطقتيهما، فمنذ رفع مستوى العلاقات إلى «شراكة استراتيجية شاملة» عام 2014، لم تتوقف القاهرة وبكين عن تطوير هذا المسار، عبر قنوات متعددة تشمل التشاور السياسى رفيع المستوى، والتعاون الاقتصادي، والتقارب فى الرؤى بشأن ملفات إقليمية ودولية معقدة.

 

العلاقة «المصرية _ الصينية» لم تعد مقتصرة على تعزيز التعاون الاقتصادى والتجارى فحسب، بل باتت تقوم على أسس سياسية واضحة، تُعلى من قيم السيادة وعدم التدخل، وتحترم خصوصية كل دولة فى مساراتها التنموية.. وهذا ما تؤكده مواقف البلدين فى المحافل الدولية، وحرصهما الدائم على الدفع نحو حلول سلمية للأزمات، وتفضيل الحوار على المواجهة، وهو ما بدا جلياً فى مواقفهما تجاه الأزمة الفلسطينية، والأوضاع فى السودان، وسوريا، وليبيا، وقضايا الأمن فى البحر الأحمر، وغيرها من الملفات الملتهبة.

ويقول دبلوماسيون ومحللون سياسيون، إن «التقارب المصرى _ الصيني» يُقرأ ضمن سياق أوسع من تطور السياسة الخارجية المصرية خلال العقد الأخير، والتى حرصت على تنويع الشراكات الدولية، وهو ما ينسجم مع توجهات الصين بدورها فى دعم التعددية وتكريس مفهوم «المصير المشترك للبشرية»، موضحين أن زيارة رئيس مجلس الدولة الصينى لمصر، بما حملته من رسائل ومذكرات تفاهم واتفاقات جديدة، لم تكن مجرد حدث دبلوماسى بروتوكولي، بل ترجمة حقيقية لمستوى النضج السياسى بين البلدين، ولقناعة متزايدة لدى القيادتين بأهمية بناء علاقة استراتيجية طويلة الأمد.

السفير على الحفني، رئيس جمعية الصداقة «المصرية _ الصينية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أكد أن العلاقات بين مصر والصين دخلت ما يمكن وصفه بـ«المرحلة الذهبية»، فى ظل ما تشهده من نمو مطرد ومستمر يشمل مجالات وقطاعات متزايدة، مشددا على أن زيارة رئيس مجلس الدولة الصينى لمصر _ وهو ثانى شخصية فى هرم القيادة السياسية الصينية _ كانت زيارة ناجحة وموفقة بكل المقاييس، وتناولت عددًا من الملفات المهمة التى تمثل أولوية مشتركة، لا سيما فى الجوانب المالية، حيث جرى بحث سبل تعزيز التعاون بين البنكين المركزيين، وفتح الباب أمام مزيد من التفاعل بين البنوك المصرية والصينية، بما فى ذلك دمج المنظومتين الماليتين للدولتين.

وأضاف «الحفني» أن «هناك تفاهمًا واضحًا بين الجانبين بشأن التعاون خلال المرحلة المقبلة فى مجالات الاقتصاد الرقمي، إلى جانب توقيع عدد من مذكرات التفاهم التى تغطى ملفات متنوعة تمثل أولوية لكلا البلدين، واللقاء الذى جمع رئيس مجلس الدولة الصينى بالرئيس عبد الفتاح السيسى تضمن إشارات مهمة، على رأسها تأكيد الرئيس السيسى على ضرورة المضى قدمًا فى اتفاق مبادلة الديون بين القاهرة وبكين، وهذه الخطوة – فى حال تنفيذها – ستخفف من أعباء سداد جانب من الديون، وتُسهم فى تجاوز التحديات المرتبطة بأزمة الدولار وتقلبات أسعار العملات، خاصة أن العملة الصينية «اليوان» تتمتع باستقرار نسبي، ما يوفر بدائل عملية لتسوية المدفوعات التجارية دون الاعتماد الكامل على العملات الصعبة».

ولفت مساعد وزير الخارجية الأسبق، إلى أن هذا التوجه يأتى فى سياق أوسع، حيث كانت مصر قد طرحت هذا المفهوم سابقًا ضمن تجمع «البريكس»، الذى انضمت إليه رسميًا فى مطلع عام 2024، مشيرًا إلى أن الرئيس السيسى كان قد ركز فى كلمته خلال القمة التى عُقدت بمدينة كازان الروسية على أهمية إعادة النظر فى هيكل النظام المالى العالمي، الذى وصفه بـ«المجحف» فى حق دول الجنوب، ومن بينها مصر.

وشدد «الحفني» على أن هناك تناغمًا كبيرًا بين القاهرة وبكين فى الرؤى المتعلقة بإصلاح المنظومة المالية الدولية، سواء على المستوى الثنائى أو فى المحافل الدولية، والزيارات المتبادلة تُعد خطوة نوعية فى مسار الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، وتعكس إدراكًا مشتركًا لأهمية تعميق التعاون فى ملفات المستقبل، لا سيما ما يتعلق بالاقتصاد الرقمي، والربط المالي، والتكامل فى سلاسل التوريد.

وبشأن التفاهم فى الملفات الإقليمية والدولية، أكد رئيس جمعية الصداقة «المصرية _ الصينية»، أن هناك تفاهمًا عميقًا ومتجددًا باستمرار بين مصر والصين تجاه العديد من القضايا الدولية والإقليمية، وهذا التفاهم ليس وليد اللحظة، بل يستند إلى أسس راسخة ومواقف تاريخية تشكلت منذ خمسينيات القرن الماضي، فالتناغم فى مواقف البلدين يتجدد بشكل دائم وفقًا لتطورات المشهدين الدولى والإقليمي، لكن الثوابت تظل قائمة، ومن أبرز هذه الثوابت الإيمان المشترك بأهمية إقامة نظام عالمى عادل ومنصف، يقوم على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، واحترام وحدة أراضيها، ورفض استخدام القوة أو التهديد بها لحل النزاعات.

وأضاف أن «هذه المبادئ ليست جديدة، بل رسختها الصين مع دول أخرى منذ الخمسينيات، من خلال ما عُرف بمبادئ التعايش السلمى الخمسة، ومؤتمر باندونج الذى شارك فيه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ثم تأسيس حركة عدم الانحياز، والتى دافعت عن قضايا التحرر الوطنى ومناهضة الاستعمار فى الجنوب العالمي، وبالتالى فالقاهرة وبكين تتمسكان بالقانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة ومبادئها وأهدافها، معتبرًا أن هذا التوافق يعزز وحدة الرؤية بين البلدين فى التعامل مع مختلف القضايا، ومن بينها قضية تايوان، التى تؤكد مصر دومًا موقفها الثابت باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الأراضى الصينية، ورفض استخدامها كورقة ضغط من قبل أطراف دولية لتحقيق مصالحها».

وفى السياق نفسه، شدد مساعد وزير الخارجية الأسبق، على أن التنسيق بين مصر والصين بدا واضحًا مؤخرًا فى عدد من الملفات الساخنة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، حيث سعت الصين إلى دعم جهود المصالحة الوطنية الفلسطينية واستضافت لقاءات مهمة فى هذا السياق، كما عبّرت بكين عن موقف واضح ضد أى محاولات لفرض التهجير القسرى على الفلسطينيين، وهو ما يتلاقى تمامًا مع موقف مصر الرافض لهذه السياسات التى تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.. ومصر والصين تتمسكان بحل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وهذا التماثل فى الثوابت والمواقف بين البلدين ينعكس بشكل مباشر فى قوة الشراكة السياسية والدبلوماسية، ويمتد أيضًا إلى دوائر أوسع، تشمل العلاقات مع الدول الإفريقية والعربية.

وأضاف أن «مصر والصين كانتا من أوائل المؤسسين لمنتدى التعاون الصينى الإفريقي، الذى أُطلق فى عام 2000، وسيتم الاحتفال بمرور 25 عامًا على تأسيسه فى نهاية هذا العام، كما شاركت القاهرة بفعالية فى تأسيس منتدى التعاون العربى الصينى الذى انطلق من مقر جامعة الدول العربية عام 2004، واحتفلت الدولتان العام الماضى بالذكرى العشرين له»، لافتا إلى أن مصر كانت من أوائل الدول التى انضمت إلى مبادرة «الحزام والطريق»، وأسهمت بفاعلية فى مجلس إدارة البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، كما انضمت إلى بنك التنمية التابع لتجمع «بريكس»، الذى أسسته الصين، وتحصل مصر حاليًا على تسهيلات مالية منهما.

كما أشار إلى أن العلاقات الثنائية بين القاهرة وبكين تشهد تصاعدًا مستمرًا فى جميع المجالات، وهناك إرادة واضحة من الطرفين لتعميق هذه الشراكة، خاصة بعد الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية الشاملة» خلال أول زيارة للرئيس عبد الفتاح السيسى إلى الصين كرئيس للجمهورية عام 2014، مؤكدا أن العلاقات بين مصر والصين قائمة على التفاهم والتوازن والاحترام المتبادل، وهى علاقة «ثنائية الاتجاه»، تحقق المصالح المشتركة للطرفين، وتقوم على مبدأ «الربح المتبادل» الذى ترفعه القيادة الصينية تحت شعار Win-Win Cooperation، أى تعاون يكفل مصالح جميع الأطراف، دون هيمنة أو فرض إرادة طرف على آخر.

من جهته، أكد عماد الأزرق، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، رئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث، أن «العلاقات بين مصر والصين تُعد من بين القلائل التى تتسم بالدفء والاستمرارية على مدار عقود طويلة، فهذه العلاقة تمتد جذورها إلى عام 1956، تاريخ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ومنذ ذلك الحين وهى تشهد تنسيقًا سياسيًا واستراتيجيًا متواصلًا، ودعمًا متبادلًا فى المحافل الدولية وفى مختلف الأزمات والقضايا ذات الاهتمام المشترك».

وأوضح «الأزرق» أن «العلاقات الثنائية شهدت طفرة نوعية غير مسبوقة مع تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى والرئيس شى جين بينغ قيادة البلدين، حيث مثلت الزيارة الأولى للرئيس السيسى إلى الصين فى ديسمبر 2014 نقطة تحول مهمة فى مسار العلاقات، بعدما شهدت توقيع اتفاقية «الشراكة الاستراتيجية الشاملة»، حيث انتقل التعاون الثنائى إلى مستويات أكثر تنوعًا تشمل الجوانب الاقتصادية والاستراتيجية والثقافية والعسكرية».

وأضاف: العام الماضى (2024) شهد احتفال البلدين بمرور عشر سنوات على توقيع الاتفاق، وذلك خلال زيارة الرئيس السيسى إلى بكين، حيث تم الاتفاق على أن يكون العام الجارى «عام الشراكة الاستراتيجية» بين مصر والصين، وهو ما تُوّج بزيارة رئيس مجلس الدولة الصيني، لى تشيانغ، والتى تأتى فى سياق تطوير العلاقات إلى مستوى أكثر عمقًا وشمولًا، وبما يحقق استفادة متبادلة، خاصة فى المجالات التى لم يُطرق بابها من قبل، كما ورد فى البيان الختامى للقمة الأخيرة بين الرئيسين السيسى وشى جين بينغ.

رئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث، شدد على أن الصين تنظر إلى مصر باعتبارها نقطة ارتكاز رئيسية فى محيطها العربى والإفريقي، وهو ما يمنح العلاقات الثنائية أهمية إضافية، لا سيما فى ظل تزايد اهتمام السياسة الخارجية الصينية بهاتين المنطقتين اللتين تمثلان أهمية استراتيجية لبكين على الصعيدين الاقتصادى والأمني، وخاصة أن المنطقة العربية وإفريقيا تحظيان بأهمية خاصة فى الحسابات الصينية، سواء على مستوى مصادر الطاقة والتجارة الدولية، أو على صعيد فرص الاستثمار والنمو، باعتبارهما من المناطق «البِكر اقتصاديًا»، التى لم تستنفد بعد طاقاتها الكامنة، ويمكن أن تتحول إلى قاطرة جديدة للاقتصاد العالمي، وليس فقط للاقتصاد الصيني.

كذلك، لفت «الأزرق» إلى أن المرحلة الجديدة من العلاقات «المصرية _ الصينية» تقوم على شراكة متوازنة وطموحة، تلبى مصالح الطرفين، وتُرسخ نموذجًا للتعاون الدولى القائم على المنفعة المتبادلة والاحترام المتبادل، والصين تولى منطقة الشرق الأوسط أهمية متزايدة فى سياستها الخارجية، وتدعم الدور المصرى كركيزة أساسية لتحقيق الأمن والاستقرار فى المنطقة، وبالتالى فبكين تساند بقوة المواقف المصرية تجاه القضايا العربية والإفريقية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، إذ تتمسك بحل الدولتين، وترفض التهجير القسرى للفلسطينيين، وتدعم إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

وشدد على أن السياسة الصينية لا تبحث عن تابع بل عن شريك، وأنها ترى فى مصر شريكًا قويًا ووازنًا، ومن المؤكد أن قوة الشريك تصب فى مصلحة الطرفين، وخاصة أن الصين ترى فى مصر «قاطرة للتنمية» فى العالم العربى وإفريقيا، وأنها تراهن عليها كمركز إقليمى للتصنيع، والتجارة، والأمن، والتواصل الحضاري، وهذا المنظور يضع مصر فى موقع متميز فى مستقبل العلاقات الدولية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة