فى تصعيد جديد من إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ضد مجموعة «بريكس» للاقتصادات الناشئة، لوح ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10 فى المائة على أى دولة تؤيد ما وصفه بـ«السياسات المعادية لأمريكا» التى تتبناها المجموعة، مؤكدًا أنه لن تكون هناك أى استثناءات فى تطبيق هذه السياسة. ورغم أن هذا التهديد يُعد أقل حدة من وعيده السابق فى يناير الماضى بفرض رسوم بنسبة 100 فى المائة فى حال دعم «بريكس» لإنشاء «عملة موحدة» أو دعم أى عملة أخرى لتحل محل «الدولار الأمريكى العظيم»، إلا أنه يعكس تنامى المخاوف الأمريكية من النفوذ المتزايد للمجموعة فى مواجهة الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمى.
وقد جاءت تصريحات ترامب عقب البيان الختامى الذى صدر عن قمة «بريكس» التى عُقدت فى العاصمة البرازيلية ريو دى جانيرو الأسبوع الماضي، والذى انتقد استخدام الرسوم الجمركية الأحادية، وأدان الغارات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة على إيران، معتبرًا إياها انتهاكًا صريحًا للقانون الدولى. كما جددت دول المجموعة دعمها للدولة الفلسطينية، ونددت باستخدام “التجويع كسلاح” ضد المدنيين فى غزة.
تأسست مجموعة «بريكس» عام 2009، وتضم حاليًا عشر دول، وقد توسع تأثيرها بصورة كبيرة، حيث تمثل دولها أكثر من نصف سكان العالم ونحو 40 فى المائة من الناتج الاقتصادى العالمي. ومع تصاعد الحرب التجارية التى يقودها ترامب مستخدمًا سلاح الرسوم الجمركية، زاد التعاون بين دول المجموعة، وبدأت فى اتخاذ خطوات فعلية نحو إزالة الاعتماد على الدولار، والدفع باتجاه إصلاح المؤسسات الاقتصادية الدولية، بما فى ذلك صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، الأمر الذى عمق من القلق فى واشنطن.
وفى هذا السياق، أوضح الدكتور إدموند غريب، الخبير فى العلاقات الدولية لـ«المصور»، أن إدارة ترامب تنظر بقلق متزايد إلى «بريكس» باعتبارها تكتلًا يمثل تهديدًا مباشرًا للنظام الاقتصادى العالمى القائم، والذى يتمحور حول الدولار الأمريكى وهيمنة واشنطن. وأشار إلى أن دول «بريكس» تطرح نفسها كبديل متعدد الأقطاب للنظام الأحادى الحالى، وتسعى إلى تعزيز دور «الجنوب العالمى» فى صنع القرار الدولى. وأضاف أن ما يفاقم المخاوف الأمريكية هو تزايد استخدام الدول الأعضاء لعملاتها المحلية فى التجارة البينية، كالتعامل بين روسيا والهند بالروبل والروبية، أو بين روسيا والصين بالروبل واليوان، بل إن بعض الدول النفطية العربية بدأت فى اعتماد تلك العملات فى بعض التبادلات، وهو مؤشر خطير من وجهة نظر واشنطن، خاصة مع ظهور أنظمة بديلة لنظام «سويفت»، مثل نظام “BRICS Pay”، الذى يهدف إلى تجاوز هيمنة الدولار.
وأشار الدكتور غريب إلى أن هذه التحركات دفعت إدارة ترامب إلى التفكير فى فرض رسوم عقابية، كما قد تسرع الولايات المتحدة من جهود تطوير الدولار الرقمي، أو تدعم تحالفات اقتصادية مثل مجموعة السبع أو الرباعية لمواجهة نفوذ «بريكس». كما تسعى واشنطن إلى تطوير منصات تجارية جديدة بالتعاون مع حلفائها للتقليل من قدرة «بريكس» على جذب مزيد من الدول إلى صفوفها.
وفى السياق ذاته، أوضح غريب أن مجموعة «بريكس» تحاول المضى قدمًا فى خطط إصلاح النظام المالى العالمى، سواء عبر إنشاء مؤسسات بديلة مثل بنك التنمية الجديد، أو من خلال تعزيز اتفاقيات تجارية ثنائية ومتعددة الأطراف تهدف إلى تجاوز الهيمنة الغربية، مشيرًا إلى أن خطاب دول المجموعة لا يستهدف العداء لأى طرف بقدر ما يرفض سياسة الإملاءات والضغوط. وقد عبر الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا عن هذا التوجه بوضوح حين قال إن العالم لم يعد بحاجة إلى «إمبراطور» يخبره بما ينبغى فعله، فى إشارة مباشرة إلى ترامب.
من جانبه، أكد عمرو جوهر، الكاتب والمحلل السياسى من واشنطن، أن مصدر قلق الولايات المتحدة الحقيقى لا يقتصر فقط على التوسع الاقتصادى لمجموعة «بريكس»، بل يتعداه إلى توجه المجموعة نحو إنشاء نظام مالى مستقل يقلل من الاعتماد على الدولار، ويمهد الطريق لعملات محلية أو إقليمية بديلة. وأشار إلى أن إنشاء مؤسسات مالية مثل بنك التنمية الجديد يمثل تحديًا واضحًا لنفوذ صندوق النقد والبنك الدوليين، وخاصة فى الدول النامية.
وأضاف جوهر أن المجموعة تسيطر بالفعل على نسبة كبيرة من الناتج المحلى الإجمالى العالمي، تقارب 30 فى المائة، وهو ما يمنحها ثقلًا متزايدًا على الساحة الدولية. إلا أن التباينات الداخلية بين دولها الكبرى، مثل التوتر بين الهند والصين، تظل عائقًا أمام تحقيق انسجام سياسى واقتصادى كافٍ يمكنه تهديد الهيمنة الأمريكية فى الأمد القريب.
وحول إمكانية استخدام الصين لهذا التكتل لتوسيع نفوذها الدولي، أشار جوهر إلى أن بكين قد تدفع باتجاه إضفاء الطابع الرسمى على اتفاقيات التجارة باليوان، أو تبنى نظام تسوية موحد، خاصة بعد توسعة العضوية التى بدأت منذ عام 2024. لكنه حذر من أن التنسيق الداخلى للمجموعة ما زال يواجه تحديات هيكلية قد تؤخر قدرتها على فرض واقع اقتصادى جديد. ومع ذلك، يرى أن هذا المسار قابل للتحقق خلال العقدين القادمين إذا حافظت «بريكس» على تماسكها وواصلت توسيع نفوذها بهدوء واستراتيجية طويلة الأمد.
