محادثات جديدة يترقبها أهل غزة بشأن وقف إطلاق النار بالقطاع، المحادثات هذه المرة فى الدوحة من الوسطاء فى محاولة لتقريب وجهات النظر عقب حديث متصاعد خلال الساعات الماضية عن هدنة فى القطاع؛ إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، كالعادة اختلق حججًا جديدة ورفض تعديلات حركة حماس على المقترح الجديد رغم الجهود الكبيرة بوساطة مصرية قطرية أمريكية.
وكانت الهدنة الأولى فى نوفمبر 2023 لمدة أسبوع، ثم الهدنة الثانية لنحو شهرين فى مطلع 2025، حيث تم التوصل إلى اتفاق يقضى بالإفراج عن عدد من الرهائن المحتجزين فى قطاع غزة، مقابل إطلاق سراح فلسطينيين من السجون الإسرائيلية.
ومنذ مارس الماضى عادت الهدنة إلى «نقطة الصفر» مع التعنت الإسرائيلى والمزايدة على أى محاولات لتقريب وجهات النظر ووقف سفك الدماء التى لا تزال تُغرق الثوب الفلسطينى، فضلا عن معاناة القطاع من الجوع، وذلك بعدما كثفت إسرائيل عملياتها العسكرية منذ 17 مايو الماضى.
والثلاثاء دخلت المفاوضات غير المباشرة الجارية بين إسرائيل وحركة حماس فى الدوحة يومها الثالث، بعد ليلة صُدم فيها العالم، مساء الاثنين، عندما انتظر أن يعلن ترامب عقب لقاء نتنياهو فى البيت الأبيض دخول الهدنة حيز التنفيذ، مثلما أعلن من قبل عن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، لكن لم يحدث هذا، لتتواصل مزايدات إسرائيل ومن خلفها أميركا على القطاع الذى يحتضر الآن.
المشهد الآن يحمل نوعاً من الغموض، هل سيكون هناك هدنة قريبة أم سيكون هناك مماطلة من إسرائيل كالعادة؟ مصدر مطلع على سير المفاوضات قال مساء الثلاثاء إنه “لا اختراق حتى الآن”، لكن مسئولين إسرائيليين كالعادة يزايدون على أنه من الممكن سد الثغرات مع حماس، لكن الأمر قد يستغرق أياما للتوصل إلى اتفاق.
السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية الأسبق، نائب رئيس المجلس المصرى للشئون الإفريقية، يرى أن تعثر المفاوضات بين حماس وإسرائيل يعود إلى أن الهدف الرئيسى لإسرائيل، هو القضاء على الحركة نهائيا وعدم وجود أى ممارسات لها داخل قطاع غزة، وأضاف أن الرؤية الإسرائيلية نحو القضية الفلسطينية، أنه ليس هناك تسوية لها، مؤكداً أن التوجه الأمريكى يسير وفق هذه الرؤية، والدليل هو الدعم الأمريكى الكامل لإسرائيل سواء لوجيستيا أو عسكريا وكذا سياسيا باستخدام حق الفيتو فى عرقلة أى قرار لمجلس الأمن من شأنه الحيلولة دون تنفيذ إسرائيل لرؤيتها.
ووفق”صلاح” فإن حال استمر الوضع الحالى سيكون من الصعب جدا الوصول إلى قرار «حل الدولتين» الذى تسعى إليه مصر كحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، فلا تتضمن الرؤية الإسرائيلية وجود شعب أو أرض أو سلطة وهى العناصر الثلاثة لقيام أى دولة، مشيرا إلى أن المفاوضات التى تتم حاليا هدف إسرائيل منها هو إطلاق سراح كافة الرهائن والمحتجزين كهدف أساسى، وفى نفس الوقت القضاء على حماس نهائيا.
التغييرات التى تطالب بها «حماس» تتمثل فى “العودة للنموذج القديم لتوزيع المساعدات عبر الأمم المتحدة من معبر رفح، بينما إسرائيل ترى أن هناك مخاوف من فقدان السيطرة على مسار دخول البضائع ودخول أسلحة”.
كما تطالب «حماس» بانسحاب القوات للمناطق التى وُجدت فيها باتفاق يناير الماضى، بينما إسرائيل تطالب ببقاء القوات فى محيط أمنى لا يقل عن 1.2 كم على طول حدود القطاع والبقاء فى محور موراج، بخلاف مطالبة «حماس” بضمانات من الوسطاء بعدم استئناف إسرائيل الحرب مع نهاية فترة الهدنة المقدرة بـ60 يوماً.
وقال الدكتور أحمد يوسف، المفكر السياسى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن مطالب “حماس” عادلة وتتبلور حول إيجاد آلية لإيقاف نهائى للحرب على القطاع عبر وجود عدة ضمانات باستمرار المفاوضات حتى ولو بعد انقضاء مدة الهدنة والمقترح لها 60 يوما، مضيفاً أنه من الممكن الوصول لحل وسط فى مسألة الانسحاب الإسرائيلى من قطاع غزة، أما فيما يتعلق بإدخال المساعدات فإن مجلس وزراء إسرائيل قد أقر زيادة مراكز توزيع المساعدات الإنسانية؛ لكن ليس واضحا التخلى عن قيام «هيئة الإغاثة» بتوزيع المساعدات ونقل المسئولية إلى المنظمات الدولية الأممية المختصة.
وبحسب «يوسف» فهناك سيناريوهان للمشهد الحالى، الأول التوصل لحل وسط عبر مفاوضات الدوحة، بمعنى أن يقدم كلا الطرفين تنازلات فى سبيل الوصول لحل وسط يصل بنا إلى تفعيل وقف إطلاق النهار لمدة 60 يوماً مع توفير ضمانات أمريكية بعدم انتهاك إسرائيل لتلك الهدنة كما فعلت فى المرتين السابقتين، والثانى هو فشل الوصول إلى حل وسط، وفى هذه الحالة سيترك الأمر للتطورات الميدانية بالمعركة. وأشار إلى أن «حماس” تبدى مرونة فى المفاوضات؛ لكن هناك حدود قصوى لهذه المرونة ولن تستطيع الحركة أن تبدى تلك المرونة إلى الأبد.
فيما يرى «صلاح» أن «حماس» تصر على أن لا يكون هناك شرط ينص على نزع كامل للسلاح منها إلا بعد إتمام الانسحاب الإسرائيلى بالكامل من القطاع، وإسرائيل ليس لديها النية للانسحاب الكامل، وواقع الأمر أن إسرائيل ترى أنها أضافت مساحات كبيرة من قطاع غزة لتصبح ضمن الأراضى الإسرائيلية فى المنطقة العازلة، ليس هذا فحسب بل إنها استغلت الأزمة وتوسعت شمالا فى اتجاه الأراضى السورية واللبنانية، مضيفا أن الممارسات الإسرائيلية داخل الضفة الغربية مؤخرا تدل على إصرار إسرائيل على ضم مساحات منها لبناء مستوطنات جديدة مع تكرار الانتهاكات من قبل مسئولين حكوميين إسرائيليين للمسجد الأقصى.
وأكد أن إسرائيل دولة استيطان تعتمد على القوة العسكرية والاقتصادية وتمارس الإرهاب؛ بل تعتبر دولة مارقة لعدم احترامها للقوانين والمواثيق والاتفاقات الدولية فى ظل حاضنة سياسية أمنية عسكرية اقتصادية عالمية ممثلة فى الولايات المتحدة الأمريكية، فإسرائيل تسعى لتحقيق حلمها بضم أراض من الدول العربية المجاورة، وقد يكون هناك نوع من الصدام المحتمل بين الدول العربية.
المزاد على فلسطين اتسع أيضا ليشمل الحديث مجدداً عن تهجير أهل غزة الذى ترفضه مصر والدول العربية، بعد ما ألمح الرئيس ترامب أثناء لقاء نتنياهو، مساء الاثنين، إلى مخططات تهجير سكان غزة إلى دول مجاورة، ليرد رئيس وزراء إسرائيل “أعتقد أننا نقترب من إيجاد دول عدة”، فى إشارة إلى دول تستقبل الفلسطينيين.
وجدد الرئيس الأمريكى، فى مايو الماضى، اقتراحه بتهجير سكان غزة مع إمكانية بقائهم فى الشرق الأوسط، معتبراً أن القطاع كان”مكاناً سيئاً” طيلة سنوات، ويجب أن يصبح ”منطقة حرية”، وكان ترامب اقترح ترحيل الفلسطينيين فى 25 يناير الماضى، أى بعد خمسة أيام من توليه الرئاسة، قال ترامب إنه يتعين على الأردن ومصر أن تستقبلا الفلسطينيين من غزة، وأشار إلى انفتاح على أن تكون هذه خطة طويلة الأجل.. كما كرر الأمر نفسه 3 مرات فى ذات الشهر.
وأعلنت مصر ودول عربية عدة، علاوة على وزراء خارجية المجموعة العربية الإسلامية، رفض تهجير الفلسطينيين وطردهم من أراضيهم، ودعوا إلى تأسيس دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967، ودعم جهود السلام على هذا الأساس، واعتمد القادة العرب خطة مصرية لإعادة الإعمار كلفتها 53 مليار دولار، والتى من شأنها تجنب تهجير الفلسطينيين من غزة، ورفضها ترامب وإسرائيل آنذاك.
عودة إلى «صلاح» الذى قال إن «القيادة السياسية المصرية بدعم شعبى كامل أكدت كلمتها فى قضية التهجير وهى خط أحمر بالنسبة لمصر».
من وجهة نظر الدكتور سعيد عكاشة، خبير الشئون الإسرائيلية بـ ”مركز الأهرام للدراسات السياسة والاستراتيجية”، فإن تمسك كل طرف من أطراف الصراع بالشروط المقررة من جانبه، هو السبب فى تعثر الهدنة إلى الآن، فمن جانب تسعى إسرائيل للإفراج الكامل عن الرهائن وتنفيذ عملية انسحاب محدود لعدد معين من قوات الجيش الإسرائيلى؛ لكن «حماس” تسعى لوقف الحرب بشكل نهائى والبدء فى خطط إعادة إعمار غزة مع وجود ضمانات عالمية بعدم قيام إسرائيل بإعادة فتيل الحرب مرة أخرى.
“عكاشة” أكد أن هناك طرفا قويا متمثلا فى إسرائيل القادرة على فرض شروطها مقابل الطرف الأضعف حماس غير القادر على فرض شروطه وليس لديه أوراق للضغط سوى الرهائن والمحتجزين، وأضاف على أرض الواقع إسرائيل تحتل 70 فى المائة من إجمالى مساحة قطاع غزة، وتقوم يوميا بشن غارات جوية وعمليات عسكرية تقتل خلالها مئات الفلسطينيين، وكذا تتحكم بشكل كامل فى المعابر الحدودية ومن ثم تتحكم فى عملية دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية، وأنه فى ظل اختلال ميزان القوى لصالح إسرائيل لا ينبغى أن تستمر حماس فى المماطلة طويلا وعليها قبول الهدنة، خاصة أن الخسائر التى وقعت فى الشعب الفلسطينى تقدر بـ 100 ألف شهيد فلسطينى و 300ألف فلسطينى هاجروا فلسطين، وضعف هذا الرقم من المصابين والجرحى.
ومصر منذ 7 أكتوبر 2023 وهى تكثف جهودها واتصالاتها لوقف إطلاق النار، ومنذ مارس الماضى تجرى اتصالات مع الجميع للوصول إلى صيغة نهائية تحظى باتفاق جميع الأطراف، وكانت «حماس» قد سلمت الوسطاء ردها على المقترح الأخير المقدم منهم، وردها تضمن فتح المجال أمام مفاوضات غير مباشرة للتوصل للتهدئة لمدة ستين يوماً فور إقرارها، إلا أن متحدث الجيش الإسرائيلى، أفيخاى أدرعى تحدث عن أن الجيش بات يسيطر عملياتياً على نحو 65 فى المائة من مساحة قطاع غزة، وذكرت مصادر إسرائيلية مطلعة فى لحظة صدق تدل على استمرار المزايدات أن التعديلات المقترحة فى رد «حماس» ستشكل تحدياً لصانعى القرار الإسرائيلى».
ووفق «حليمة» فإن الموقف المصرى والدولى من غير الولايات المتحدة الأمريكية دائما ما يؤكد على ضرورة وقف إطلاق النار وإطلاق كافة الرهائن والمحتجزين لدى حماس، وأيضا السماح الكامل وغير المشروط لإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية لقطاع غزة فى أسرع وقت وربط ذلك كله باتفاق سياسى لتسوية القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وهو ما يعد الموقف المقابل للموقف الإسرائيلى الأمريكى.

