في مثل هذا اليوم 6 يوليو، وُلدت واحدة من أبرز أيقونات الفن المصري في القرن العشرين: الفنانة القديرة زوزو نبيل، صاحبة الصوت الذي طبع في أذهان أجيال كاملة حكايات "ألف ليلة وليلة"، ووجه اعتاد الجمهور رؤيته في أدوار الأم القوية أو المرأة المتسلطة، لكن خلف هذه الملامح الصلبة، كانت تخفي حياة إنسانية استثنائية مليئة بالحكايات، الدموع، والبطولات.
اسمها الحقيقي عزيزة إمام حسين، من مواليد محافظة المنوفية عام 1920، بدأت مشوارها الفني بتحدٍ كبير لرفض أسرتها، واستمرت لعقود تضيء الشاشة والمسرح والإذاعة بصوتها وحضورها. لكنها أيضًا عاشت واحدة من أغرب القصص العائلية وأكثرها إنسانية، كانت بطلتها على المسرح وفي الحياة معًا.
صوت ألف ليلة.. وحضور لا يُخطئه الجمهور
لا يمكن الحديث عن زوزو نبيل دون استحضار صوتها الساحر الذي لازم الجمهور لسنوات عبر حكايات "ألف ليلة وليلة"، حيث أدّت شخصية "شهرزاد" بأسلوب روائي فريد، جعلها الصوت الرسمي للحكاية على مدى عقود. كما اشتهرت بأداء شخصية المرأة المتسلطة أو القوية، بملامح صارمة وصوت يحمل هيبة، لكن دون أن تفقد الجاذبية أو الإنسانية في تمثيلها.
بداية فنية صعبة.. وشغف تغلب على الرفض
رغم موهبتها، واجهت زوزو نبيل في بداياتها معارضة شديدة من أسرتها، خصوصًا من والدتها التي رفضت فكرة دخولها عالم التمثيل. لكن حبها للفن غلب كل العقبات، فتركت دراستها واتجهت إلى المسرح، لتشق طريقها بصبر وإصرار، وتُصبح واحدة من أشهر نجمات الزمن الجميل.
زيجات متقلبة وعائلة استثنائية
تزوجت زوزو نبيل للمرة الأولى وهي في سن الثالثة عشرة من مأمور سجن، رجل عُرف بقسوته، وأنجبت منه ابنها الوحيد "نبيل" في الرابعة عشرة، ثم انفصلت عنه. وبعد سنوات من العيش كأم عزباء، ارتبطت برجل يُدعى "عاشور"، رغم علمها بزواجه من أخرى وابنته منها.
لم يكن الزواج الثاني سهلاً، إذ استمر سرًا لمدة سبع سنوات، حتى علمت الزوجة الأولى بالأمر وهددت بالطلاق. وهنا، وبشجاعة نادرة، قررت زوزو نبيل التدخل بشكل مختلف؛ فذهبت بنفسها إلى الزوجة الأولى، واقترحت أن يعيشوا جميعًا تحت سقف واحد، حفاظًا على الأسرة من التشتت.
وبالفعل، اشترت شقة كبيرة في شارع أحمد عرابي بمنطقة المهندسين تتكون من 7 غرف، لتضم الجميع: الزوج، والزوجتين، وابن زوزو، وابنة الزوجة الأولى. وتحولت القصة التي بدأت بسرّ إلى نموذج استثنائي للتفاهم. بل إن زوزو نبيل لاحقًا قررت تزويج ابنها من ابنة ضرتها، لينجبا أحفادها الذين ربتهم بنفسها في هذا البيت العجيب الذي جمع بين عائلتين بروح واحدة.
مأساة الفقد.. واستشهاد الابن في أكتوبر
رغم هذا الترابط العائلي، لم تخلُ حياة زوزو نبيل من الفقد الأليم. ففي عام 1973، استُدعي نجلها الضابط "نبيل" للمشاركة في حرب أكتوبر، حيث استُشهد على الجبهة. صدمتها الفاجعة، لكنها لم تنكسر، وكرّست حياتها لأحفاده الثلاثة، فتولت رعايتهم وتربيتهم كأم وجدة في آنٍ واحد.
وبعد سنوات، فقدت زوجها، لكنها واصلت العيش مع ضرتها التي أصبحت أقرب أصدقائها، واستمرت هذه العائلة المدهشة في ترابطها حتى النهاية.
رحيل مؤثر.. ونهاية ناعمة لرحلة حافلة
في عام 1996، رحلت زوزو نبيل عن عمر ناهز 76 عامًا، بعدما حفرت اسمها بين عظماء الفن، وكتبت قصة إنسانية وفنية نادرة. أما المفاجأة الأكثر إنسانية، فكانت في وفاة ضرتها بعد 40 يومًا فقط من رحيلها، متأثرة بالحزن، بعد سنوات من العشرة والصداقة العميقة، في واحدة من القصص التي يصعب أن تتكرر.