رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

التحام «القوة الناعمة» مع «القوة الصلبة».. أسقط حكم المرشد للأبد


4-7-2025 | 17:21

.

طباعة
بقلـم: حلمى النمنم

ذلك هو اليوم الذى يجعلنا نتحدث بقوة عن ثورة 30 يونيو العظيمة، وفى التاريخ الإنسانى وحركة المجتمعات يجب أن نفرق بين المظاهرة والانتفاضة والثورة، وقد عرف المصريون الأطوار الثلاثة، المظاهرة سواء قل عدد أفرادها وكانوا بالعشرات، أو صاروا آلافًا، تظل مجرد حركة جماهيرية لإعلان احتجاج على قرار معين أو مسئول بذاته، والمناداة بمطلب معين، والمفروض أن تخرج المظاهرة بإذن قانونى، يحدد مسارها وتوقيت الانطلاق والنهاية، وتكون فى حماية الشرطة والأمن، حتى لا يقع أى تخريب أو عنف من المتظاهرين وكذلك لا يتعرضوا لضغائن أو اعتداء الخصوم.. قبل 2011 كانت تحدث كثيراً المظاهرات، وتسمى «وقفات» ، أمام مقر مجلس الشعب أو على سلالم نقابة الصحفيين، فإذا اتسع نطاق المظاهرة لتتجاوز مدينة أو أكثر وتحمل مطلبًا واحدًا متفقًا عليه، هنا تصبح انتفاضة، كما جرى فى 18، و19 يناير 1977 زمن الرئيس السادات، وأسماها السادات «انتفاضة الحرامية»، وأطلق عليها اليسار «انتفاضة الخبز»، السادات اعتبرها كذلك لما شابها من أعمال عنف وتدمير لمنشآت حيوية ومؤسسات عامة، فضلًا عن نهب منظم لبعض المحال فى أكثر من مكان، لكن مطلبها الأساسى كان معروفًا، وقد استجاب له الرئيس السادات وسحب قرارات زيادة الأسعار، وتمت التضحية بنائب رئيس الوزراء عبدالمنعم القيسونى، حيث أُقيل، ونُسبت إليه القرارات.

 

فى مصر تصبح المظاهرة أو الانتفاضة ثورة، إذا انحازت إليها مؤسسات الدولة ودعمتها، تحديدًا مؤسسة الأمن، أى الشرطة أو الجيش، أو هما معًا.

ثورة سنة 19 بدأت بمظاهرات غضب؛ احتجاجًا على رفض المعتمد البريطانى السماح لسعد زغلول ورفاقه من الزعماء الوطنيين السفر إلى مؤتمر الصلح لعرض مطلب استقلال مصر، وزاد الأمر حين تم نفيه هو وزملائه، وفى لحظة أعلنت بريطانيا أنها لن تسمح لـ«سعد» بحضور المؤتمر، لأنه لا يعبر عن كل المصريين، فظهرت فكرة التوكيلات.. هنا انحاز رئيس الوزراء وكان وزيرًا للداخلية أيضًا لسعد زغلول، وطلب من العمد والأعيان تسهيل جمع التوكيلات، وانحاز السلطان أحمد فؤاد أيضًا، هنا صرنا أمام ثورة كبرى بحق، انتهت بالحصول على الاستقلال، وإن كان مشروطًا.

النجاح يتحقق حين لا تحيد الثورة عن هدفها الذى نالت الدعم والمساندة الرسمية من أجله، ولأن انتفاضة 25 يناير حادت عن الهدف، فإنها رغم الدعم الهائل من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، مُنيت بالفشل، إذ أسلمت البلاد إلى عصابة حسن البنا وتفريعاتها.

تدخل مؤسسة أو أكثر من مؤسسات الدولة يكون بهدف حماية الوطن ذاته، فضلًا عن حماية وجود الدولة وهويتها، وكذلك لتضمن سلام وحياة المتظاهرين أولًا، وإنقاذ المجتمع من دائرة العنف، التى قد تصبح -لا قدر الله- حربًا أهلية.. وهذا ما جرى فى 30 يونيو 2013، كانت جماعة البنا، نتيجة الدعم من إدارة أوباما، مع وجود حلفاء يساندونها فى المنطقة، واستعدادها لتلبية مطلب إسرائيل فى نقل سكان غزة إلى سيناء، تصورت الجماعة أنها بذلك فى مأمن من المصريين، وأن المظاهرات إذا زادت عن حدها فإن الميليشيات لديها تتكفل بترويعهم، وقد وضعوا خططهم على هذا الأساس، هنا كان لا بد للقوات المسلحة، ومعها وزارة الداخلية، من التدخل الحاسم.. وقدمت القيادة العامة للقوات المسلحة عدة اقتراحات للتهدئة، لكن الجماعة بما جبلت عليه من غباء وحمق رفضت كل ذلك.. هنا قدمت القوات المسلحة مهلة 72 ساعة، كى يتم إنهاء الأزمة، لكن الجماعة كانت قد جهزت الميليشيات وأطلقت التهديدات، تجاه الجميع، ورفعت شعار «نحكمكم أو نحرقكم» بإزاء هذه التهديدات، لم يكن للقوات المسلحة أن تصم آذانها كما ورد فى بيان القيادة العامة الذى حمل مهلة الـ72 ساعة.

كانت رهانات الجماعة تقوم على كسب الوقت، والتشكيك فى مظاهرات 30 يونيو، مثل القول بأن الأعداد فى أنحاء الدولة لم تتجاوز عشرات الآلاف، رغم الصور والأفلام التى صوّرتها أكثر من جهة، تراوحت التقديرات بين 30 مليونًا و34 مليونًا، وهو رقم أذهل العالم كله، وجاء اجتماع يوم 3/7 ليكون فارقًا.. كان الاقتراح فى الاجتماع أن تتم الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، لكن ممثلى «تمرد» والشباب مع عدد من الشخصيات العامة وقادة الأحزاب، كان قرارهم أن الوقت فات، وأن الجماعة رفضت ذلك الاقتراح من قبل، لذا كان لا بد من عزل الرئيس، ويتولى مكانه بشكل مؤقت رئيس المحكمة الدستورية العليا، وهكذا كانت خارطة الطريق التى أعلنها القائد العام للقوات المسلحة مساء نفس اليوم.

كان الخبير الأمريكى «جوزيف ناى» هو صاحب مصطلح «القوة الناعمة» سنة 1994 للتعبير عن القوى الثقافية والدبلوماسية والفنية، ثم عاد «ناى» بعد ذلك، ليعدل المصطلح إلى «القوة الذكية»، ويقصد بها اندماج القوى الناعمة مع القوى الصلبة أو الخشنة، والمقصود بالصلبة الاقتصاد والصناعة والأمن والقوات المسلحة.

فى مساء 3/7/2013، كانت مصر تشهد لحظة انطلاق «القوة الذكية»، ذلك أن الثورة بدأت بالقوى الناعمة، العدالة والقضاء.. انتفاضة الفنون.. الإعلام.. صحافة مكتوبة ومرئية، ومع هؤلاء تحركت الملايين وتدفقوا إلى الشوارع والميادين، من القاهرة والإسكندرية، حتى دمياط ومدن القناة وصولًا إلى أسوان فى أقصى الجنوب، ومن ثم كنا أمام فعل ثقافى بامتياز، هؤلاء الذين تحركوا يوم 30 يونيو ثم قرارات يوم 3/7 لم يكن لديهم دافع فئوى ولا مطلب سياسى أو اقتصادى، بل هدف واحد، هو الدفاع عن وطنية الدولة وعن مدنيتها، حاولت الجماعة العبث بوطنية الدولة والاعتداء على ثوابتها، مرة بالموافقة على مطلب إسرائيل بتهجير سكان غزة إلى شمال سيناء، وتدخل وزير الدفاع بإصدار قرار عدم تملك أى قطعة فى سيناء لغير المصريين إلا بموافقة القوات المسلحة، وهكذا تراجع المشروع مؤقتًا، ثم حاولت الجماعة التحايل على القرار بمنح الجنسية المصرية لمواطنين من غزة، وجعل مقر إقامتهم فى سيناء.

ثم جرت محاولة لتوريط الجيش المصرى فى حرب داخل سوريا ضد بشار الأسد، ولم يكن ممكنًا خروج القوات المسلحة خارج الحدود لتقاتل ضد جيش عربى.

فى الداخل جرت محاولة أخونة مؤسسات الدولة منذ الأسابيع الأولى لوصول الجماعة إلى الحكم، موقع النائب العام كان حالة فارقة وواضحة، ثم ما جرى داخل المؤسسات القومية من إزاحة كافة الكفاءات والدفع بالإخوان والمتأخونين، الذين لا يجيدون أى شيء سوى أساليب الجماعة فى المكر والتآمر.

أخطر ما حاولته الجماعة هو إحداث شقاق بين القوى الناعمة والقوى الصلبة فى المجتمع والدولة، بأن عرضوا على رجال وقيادات القوات المسلحة أن ينالوا أى مناصب يريدونها وأى امتيازات يتطلعون إليها، مقابل التصدى لدعاة التغيير والإصلاح، بدعوى أن دورهم الحفاظ على شرعية الرئيس، أى شرعية حكم الجماعة، حتى إنهم طلبوا من وزير الداخلية تأمين مقرات الجماعة، رغم أن الجماعة لم تكن تعمل بشكل قانونى، ولا موافقة دستورية، بل كانت موجودة بسماح «عرفى» من أيام الرئيس السادات، ذلك أن قرار حل الجماعة الصادر سنة 1954، كان لا يزال قائمًا، لم يتم إلغاؤه، ولا صدر حكم قضائى ببطلانه، ولما رفض وزير الداخلية هدده أحدهم، وبالفعل جرت بعد ذلك محاولة اغتياله فى مدينة نصر، أتحدث عن اللواء محمد إبراهيم.

الواقع أن مؤسسات القوة الصلبة فى الدولة واجبها حماية الوطن وصيانة هوية الدولة.. وفى بلد عريق مثل مصر لا يمكن للدولة إلا أن تكون «وطنية» وبنفس القدر «مدنية».

وطنية الدولة لحماية حدود وأراضى الوطن، ورفض أن تذوب مصر فى تكتل أممى، تحت أى مسمى يفقدها هويتها، لذا وجدنا مصر زمن الخديو إسماعيل تنفتح على أوروبا وتأخذ بالحداثة وتنفتح على إفريقيا وصولا إلى منابع النيل فى الجنوب، رغم ذلك لم تفقد الوطنية المصرية طابعها ولا روحها، وفى زمن عبدالناصر كانت لنا علاقات قوية بالاتحاد السوفييتى، لكن دون المساس بالوطنية والهوية المصرية، وهذا ما لم تدركه الجماعة، فأرادوا تحويل مصر إلى مجرد شعبة فى التنظيم الدولى للجماعة، وكان هناك أعضاء فى ذلك التنظيم ليسوا مصريين، يدين لهم مندوب الجماعة فى الاتحادية بالسمع والطاعة، وذلك قمة الخلل ليس دستوريًا فقط، بل كذلك خلل وطنى.

والمجتمع المصرى لا يمكن إلا أن يكون مدنيًا، لا يمكن صبغه بلون واحد، أى تعاليم حسن البنا ولا أفكار سيد قطب المأزومة، التعاليم حادة وعدوانية، وأفكار قطب كلها عنف وإرهاب.

المجتمع المصرى متنوع، جغرافيًا، نحن نقع فى إفريقيا وفى آسيا، أى على مفترق قارتين، بحريًا لنا حدود فى الشمال مع أوروبا، أى أننا برًا وبحرًا نحن جزء من ثلاث قارات إنسانيًا وديمجرافيًا، فى الدلتا المزارعون وفى الصعيد أيضًا، فى سيناء وفى مطروح مصريون بدو، ومع ذلك ما بين الفلاحين والصعايدة والبدو، هناك امتزاج وتعايش فى بوتقة ثقافية واحدة.. دينيًا لدينا أغلبية من المسلمين إلى جوار الأقباط المصريين، نحن جميعًا عنصر سكانى وثقافى واحد، عرق واحد.

هذا التعدد والتنوع ينبغى احترامه ومراعاته ولا تصح محاولة المساس به والعدوان عليه، لكن الجماعة اشتطت، لذا نزل الملايين بصيحة واحدة «يسقط يسقط حكم المرشد»، وسقط نهائيًا يوم 3/7.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة