رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

البطولة فى مصر لا تنضب.. و«الشجاعة جينات أهلها».. خالد شوقى.. أسطورة الشهامة


12-6-2025 | 19:37

السائق الشهيد خالد محمد شوقى

طباعة

لم يُرِدْ جزاءً ولا شكورًا، ولم يضع فى حساباته ما سُيقال عنه، لكنها جاءت لحظة خاطفة مدفوعة بجينات المصريين الحية، التى يبذلون فيها أرواحهم فداء الناس.. لم يدُر بخلدِه أن دقائق معدودة ستضعه فى مصافّ الأبطال، ولا أن اسمه سيُردد بألم وفخر معاً على الألسنة، وتُنسج حوله الحكايات، لكنه فعل ما فعله وكأنه تلقى الأمر من أعماق قلبه، من تاريخه، من جذوره التى لا تعرف التخاذل، بل تُتقن النجدة.

هكذا تحوَّل السائق الشهيد خالد محمد شوقى إلى رمز، ليس فقط لشهامة و"جدعنة" المصريين، بل لفداء يتجاوز حدود الواجب، حين يُخاطر الإنسان بحياته من أجل غيره، دون أن يُفكر فى نجاته، بل أن يمنح النجاة للآخرين.

فى تلك الثوانى المشتعلة، لم يكن «شوقى» يقود شاحنة محترقة كادت تُسبب كارثة فحسب، بل كان ينفذ وصية الأجداد، وطبائع النخوة الموروثة، التى تجعل من المصري، أياً كان موقعه، جندياً ساعة الشدة، وملاك نجاة حين يحاصر الخطر الجميع.

فى قلب الفوضى، ووسط انتظار الكارثة المحققة، وبينما تحول المكان إلى مشهد من الجحيم كان البطل «خالد شوقى» يرى بعيون أخرى؛ لم يُفكر إلا فى الناس، فى المنازل القريبة، فى الأطفال الذين بجواره، قفز إلى مقعد القيادة، بينما كانت ألسنة اللهب تُمسك بجسد الشاحنة، وانطلق بها خارج المحطة كمن يقود موكبًا للموت، لكنه يريد له أن ينفجر بعيدًا، أن يتفجر وحده، دون أن يمسّ أحداً.

بفضل شجاعته، خرجت الشاحنة من نطاق المحطة، بعيدًا عن خزانات الوقود التى لربما فجرت المنطقة بأكملها.. لم يكن ذلك مجرد تصرف بطولي، بل مشهد نادر من البطولة الخالصة المُخلصة.

لكن لكلّ بطولة ثمنها، والثمن هذه المرة كان الأثمن وهو الروح.. لم يُكتب لخالد النجاة، أصيب بحروق شديدة، نُقل بعدها إلى المستشفى؛ حيث ظل فى العناية المركزة يُصارع الألم بصمت، حتى فاضت روحه إلى بارئها، شهيدًا للواجب، وضحية لنبل لا يُقاس بالمال ولا بالكلمات.

المصريون يقدرون بحق موقف البطولة والتضحية والفداء، تلك الكلمات بمفاهيمها مرسومة منذ زمن بعيد فى أنسجة أجسادهم، وبين كرات دمائهم، وفى جدران ذاكرتهم.. حتى مع الانشغال بعيد الأضحى كان هناك احتفاء شعبى بالبطل خالد شوقى، امتلأت مواقع التواصل بصوره، بلقطات للحظة التضحية، بكلمات تنبض بالاحترام والتقدير.. لم يكن «خالد» مجرد سائق، بل كان مرآة لأجمل ما فى الشخصية المصرية: الفداء، الفطرة الطيبة، والقدرة على اتخاذ القرار الأصعب فى التوقيت الأشد صعوبة.

نعاه الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، وأثنى على شجاعته قائلًا: «إنه رمز للفداء وسرعة التصرف - فى موقف بالغ الخطورة - بإيجابية، جنَّبت الكثير من الضحايا والدمار، وحافظت على العديد من الأرواح والممتلكات»، مشددًا على أن خالد أنقذ أرواحًا لا تُعد، وأن تضحيته لن تمر مرور الكرام.. صدرت التعليمات بصرف مكافأة خاصة ومعاش استثنائى لأسرته، وتكريم يليق بمقامه، لا لأن هذا يُعوض الفقد، بل لأنه واجب تجاه رجل قدم حياته قربانًا لبلد بأكملها.

بعيدًا عن التكريمات الرسمية، يبقى خالد حيّا فى الضمير الشعبي، فى الذاكرة الجمْعية التى تعرف أبطالها بالفطرة.. يبقى فى دعاء أمٍّ لم تعرفه لكنها تبكيه كأنه ابنها، وفى نظرة طفل نجا بفضله، وفى بلد كان هو رمزها فى لحظة مأزومة.

هذه مصر التى لا تنضب فيها البطولة، التى يولد فيها الأبطال دون ضجيج، ويغادرون كما جاءوا؛ صامتين، لكنهم يتركون أثرًا لا يُمحى.

إلى روح البطل الشهيد خالد محمد شوقى.. نُهدى هذه الكلمات وباقة زهور!

أخبار الساعة

الاكثر قراءة