من كثرة عجائب وغرائب المشهد الرياضى الملتبس فى منظومة الكرة المصرية، استقرت رابطة الأندية المحترفة على الشكل الجديد لبطولة الدورى الممتاز فى الموسم المقبل، بعد تصويت الأغلبية على إلغاء الهبوط، ويضم الدورى بالموسم الجديد 21 فريقا، فيما يهبط 4 أندية ويصعد 3 بنهاية الموسم المقبل، وسيقام من دور واحد، ثم يقسم إلى مجموعتين، الأولى لتحديد البطل بتأهل 7 أندية فقط، بينما الـ14 الآخرين يشاركون فى مجموعة الهبوط، كما أن النظام الجديد سيتم العمل به لمدة 3 مواسم، قبل أن تعود البطولة إلى شكلها الطبيعى بمشاركة 18 فريقا فقط مرة أخرى، وستعود المسابقة بنظامها وشكلها الطبيعى فى موسم 2028-2029، والتى ستجمع بين 18 ناديًا فقط، ويعد هذا الطريق الوحيد لعودة المسابقة لنظامها المعتاد 18 ناديًا، وفى المقابل تم تجديد الثقة فى مجلس إدارة رابطة الأندية المحترفة لموسم جديد..
والحقيقة أنه وفقا لرؤى المتخصصين والخبراء فإن الدورى المصرى يفتقد غياب العدالة المطلقة بين مختلف الأندية واللوائح المنظمة والرؤى الاستراتيجية الفاعلة، ولا يحتاج إلى تطوير فنى فحسب، بل يَحتاج إلى مواكبة التطورات العالمية المُتسارعة فى اللعبة، من حيث التنظيم والبنية التحتية، وتسويق الحقوق، والحوكمة الرشيدة، بما يُعيد لهذا الدورى قيمته التنافسية ويضعه على خريطة كرة القدم الحديثة.
لاسيما بعدما ذكر التقرير الفنى للاتحاد الدولى لكرة القدم أن الدورى المصرى هو الأقل تنافسية فى الوطن العربى خلال هذه الفترة، وذلك بالتساوى مع الدورى السودانى والكويتى، وجاء هذا التصنيف بسبب نجاح فريقين فقط فى كل دولة من الدول الـثلاث فى الحصول على بطولة الدورى خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة.

وخلال السنوات الأخيرة ظهر جليا مأزق الأندية الشعبية والجماهيرية فى ظل المنافسة غير المتكافئة مع الأندية الاستثمارية، وقد وصل حجم معاناة هذه الأندية الشعبية إلى الذروة، وتسببت أزماتها المتتالية فى خروجها تباعا من الدورى الممتاز والهبوط بعد فشلها فى إيجاد حلول عملية للمشكلات المادية المتفاقمة، ومع مرور السنوات جاء الحصاد مؤلما، فقد وصل عدد الناجين من هذه المقصلة أربعة فرق هى الإسماعيلى والمصرى والاتحاد والمحلة، وتذيل الإسماعيلى والمحلة قاع الجدول وكانا فى طريقهما لوداع مسابقة الدورى الممتاز، بجانب مودرن سبورت وسموحة والاتحاد السكندرى وإنبى بدرجة أقل، ولذا جاء اتخاذ قرار إلغاء الهبوط هذا الموسم، بمثابة المنقذ ولكن بشكل يضر الكرة المصرية، ويضعف حجمها، ورغم أن القرار حل للخروج من الأزمات، لكنه اصطدم بالرأى القانونى واللوائح المنظمة والتى تنص على أنه لا يجوز قانونا إلغاء الهبوط فى مُسابقة دورى كرة القدم خلال الموسم أو بعد انتهائه، إذا لم يكن هذا الخيار واردا بوضوح فى اللائحة التنظيمية للبطولة المُعتمدة قبل انطلاق المسابقة، وذلك للعديد من الأسباب القانونية منها: الالتزام بمبدأ تكافؤ الفرص والعدالة التنافسية، كما أن اللائحة المعتمدة مُلزمة، حيثُ تنص المادة (82) من لوائح الفيفا الانضباطية على أنه (لا يجوز تعديل لوائح المسابقة بعد انطلاقها، إلا إذا كان ذلك لأسباب قهرية، وبموافقة جميع الأطراف المعنية، وبما لا يُخل بمبدأ النزاهة )، وكذلك المادة (4.1) من دليل الاتحاد الدولى للأندية المُحترفة، والتى تنص على أنه (يُشترط أن تعتمد لوائح البطولة بالكامل قبل بداية الموسم، وأن تُحترم طوال مدته)..
واستند القرار الجديد، أن رابطة الأندية المحترفة كانت متمسكة بشروط المسابقة التى كانت فى بداية الموسم، ولكن كان هناك تعاطف من الأندية مع الأندية الجماهيرية، والحل كان يكمن فى إلغاء الهبوط فى الموسم الحالى بسبب موقف الأندية الجماهيرية الصعب..
وفى المقابل هناك اعتراف واضح بأن مشاركة 21 فريقا ليس الحل الأفضل، لأنه يمثل عبئا كبيرا على مستوى البطولة وفعاليتها، والحقيقة أن زيادة عدد الأندية له من السلبيات الكافية بهبوط المستوى وإضعاف المنافسة، لأن الدورى سيتأثر بالزيادة لاسيما أن الفرق الصاعدة مع فرق المؤخرة ستكون محطة عبور للفرق القوية، وسيكون ضرر وجودها أكثر من فوائده، وفى المقابل كان خفض عدد الأندية سيؤدى إلى زيادة قوة المنافسة بين الفرق، لأن كل فريق سيعتمد على نفسه بعدما كان فى السابق يعتمد على فرق أخرى، وفى الدوريات الأوربية والعربية المتقدمة أصبحنا نجد أنه فى كل موسم هناك بطل مختلف وفى كل سنة يكون هناك منافسون من ثلاثة إلى أربعة فرق..
وللأسف فإن نظام المسابقة فى الفترة الماضية أدى إلى منافسة ثلاثة أندية فقط على اللقب، فى حين تراجع مستوى بقية الفرق، بينما أفرزت مسابقة الدورى فى السنوات الأخيرة مستوى فنياً ضعيفاً للاعبين المحليين، وانعكس ذلك بصورة سلبية على المنتخب الوطنى الأول الذى يبحث جهازه الفنى حاليا عن لاعبين فى مراكز شاغرة ولا يجد أحدا مناسبا، لأن الدورى لم يفرز أى نوعية جيدة من اللاعبين.
والحقيقة أن قرار زيادة الفرق الذى أقرته رابطة الأندية، كان لا بد أن يكون وفق تخطيط ودراسة علمية ومعايير علمية لدراسة الإيجابيات والسلبيات الناتجة عن القرار، أما الزيادة لمجرد الزيادة، ولحسابات خاصة يعصف بكل مبادئ تكافؤ الفرص، لذا جاء قرار زيادة عدد الأندية المشاركة فى مسابقة الدورى ليؤكد أنه ليس من أجل التطوير ولكنه «تخريف»..