رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

بين الصالونات الثقافية وقصور الثقافة


22-5-2025 | 19:25

.

طباعة
بقلـم: إيمان رسلان

فى كل أسبوع أتلقى أكثر من دعوة للحضور فى صالون ثقافى لمناقشة أعمال أدبية وروائية وشعرية، حتى امتلأت صفحتى الشخصية على وسائل التواصل بهذه المواعيد، وتظهر لى يوميا فعاليات ومنتديات وصالونات أصبحت تنافس عندى متابعتى للتعليم وأحوال المرأة.

 

ظاهرة الصالون الثقافى عمرها ما يقرب منذ قرن ونصف القرن، حيث ظهرت بمصر فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وكانت البداية من صالون الأميرة نازلى فاضل، ابنة مصطفى فاضل، من أسرة محمد على، وكان المفترض أن يتولى عرش مصر بعد أخيه الخديو إسماعيل، ولم يحدث تغيير للمرسوم، وتسلسل تولى العرش وحُصر فى أبناء الخديو إسماعيل.

وكانت الأميرة نازلى التى قضت جزءا كبيرا من حياتها فى تركيا ثم فرنسا بعدها، فهى أول مَن أسس صالونا ثقافيا، واللافت أن تؤسّس منتدى للحوار سيدة وليس رجلا حتى لو كانت من الأسرة الحاكمة، وهذه النقطة والظاهرة فى حد ذاتها تطرح الحاجة إلى سؤال بحث ودراسى يستحق أن نبحث لماذا بدأت ظاهرة أشهر وأقوى الصالونات الثقافية بواسطة المرأة فى مجتمع مغلق حتى على نخبته، وحق التعليم النظامى نفسه يكاد يكون منعدما للمرأة حتى النصف الثانى من القرن التاسع عشر.

هذا الصالون لنازلى فاضل ضمّ النخبة الفاعلة وقتها، التى ستكون الأبرز سياسيا واجتماعيا بعد ذلك؛ منهم الشيخ محمد عبده والأفغانى وسعد زغلول وقاسم أمين بل إن اللورد كرومر كان يحضر جلساته، وبعدها بسنوات عدة، كان أشهر صالون ثقافى آخر فى النصف الأول من القرن العشرين، وأسسته امرأة أيضا هو صالون «مى زيادة»، وكان يداوم على حضوره أغلب أسماء المشاهير من النخب السياسية الثقافية من د. طه حسين والعقاد وغيرهما. وفى عصرنا الحالى ومنذ نهايات القرن العشرين، ولدينا صالونات أخرى بعدها جادة وممتدة مثل ورشة الزيتون الأدبية، التى زاد عمرها على 40 سنة حيث أصبحت الآن أحد الأعمدة الثقافية الهامة فى الحياة الأدبية المصرية، لأنها تقدم وجوها قديمة وجديدة وجادة، ولم تحظَ بالشهرة، لأنها ربما على هامش الحياة الثقافية والمناصب، وقد قدمت الورشة من المشاهير من مبدعى مصر بل والعرب أيضا، والاستمرارية كان وراءها جهد المؤسسين من حزب التجمع، وكان الدينامو لها والفاعل هو شعبان يوسف الذى يعتبر أحد الرموز الرئيسية والمؤرخة والفاعلة للثقافة المصرية الحالية، ولولا هذا الجهد الدؤوب، لما استمرت الورشة تاريخيا حتى الآن.

ولكن الجديد وما أتحدث عنه هو كثرة وتعددية الصالونات الثقافية وأنها تتوالد بصورة تدعو للتأمل، خاصة أغلبها، بل يكاد يكون كلها، لتناقش الأعمال الأدبية فقط، وعدد قليل للغاية منها يحمل اسم «صالونات ثقافية» ويناقش قضايا عامة خارج الأدب والقصة والشعر، ويكاد ذلك يكون ذلك هو الاستثناء، فهل كثرة الصالونات للأدب تعكس وتعنى الإنتاج الغزير فى الأدب والرواية والشعر وأنه هو الطاغى فى مجالات النشر؟، وهذا صحيح حتى بلغة الأرقام، وهو ما أكده سابقا رئيس اتحاد الناشرين، حينما صرح بأن أكثر من 50 فى المائة من العناوين التى تطبع هى فى مجال الأدب من رواية وقصص قصيرة وشعر، وهذا الرقم الهام على أهميته يعكس أن قطار الإبداع المصرى ما زال متدفقا، رغم أن الفائز مؤخرا بجائزة البوكر العربية رغم مصريته، فإن روايته الفائزة كانت مطبوعة خارج مصر.

إن هذا الانتشار الكبير والسريع للصالونات الأدبية يمثل ظاهرة صحية على كل حال من فتح منافذ للحوار حول الإبداع، حتى تصورت أن هناك تلازما بين كثرة الإصدارات فى مجال الأدب، وبين الانتشار الكثيف لظهور الصالونات الأدبية أى متلازمة نشر وصالون، خاصة فى زيادة عددها مؤخرا مما يعكس خروج حدود مؤسسة النقد والحوار عن تراتبية احتكرها البعض من الاسم، حتى إنه قيل فى زمن سابق إنها مراكز قوى أدبية، على الرغم من أن المنتج الإبداعى شيء غير إقامة الصالونات الثقافية.

فهل يعكس هذا التوالد الكبير فى العدد للصالونات الأدبية، لا سيما أنه ظاهرة ترتبط بالعاصمة أكثر من الأقاليم رغم وجود منتديات ثقافية قوية بالأقاليم، فذلك يعكس وجود حالة من الفردية أو الشللية والانقسام فى الوسط الأدبى والثقافى، لأن أى صور لندوة من ندوات هذه الصالونات على كثرتها تعكس حجم الحضور القليل، وربما تتكرر الوجوه فى بعضها. ليس معنى كلامى العودة للاحتكارات والمركزية فى الاستماع والمناقشة حول الأعمال الأدبية، ولكن ما أقترحه ألا تتحول وربما تزيد من حالة الأنا والفردية، التى أخشى أن تتحول إلى الشعور بالألوهية فى بعضها الآخر، خاصة أن معظم هذه الصالونات والمنتديات الأدبية ترتبط باسم صاحبها أو ما ينعقد عنده الصالون. وهذا يفتح الباب إلى السؤال: لماذا لا تتوسع انعقاد مثل هذه المنتديات مثلا فى الأوبرا ويعود لها البريق؟، وهذا الأسبوع، وهذا هو السر وراء مقالى شاهدت حلقة على اليوتيوب بصالون الأوبرا استضاف فيه المشير الجمسى رئيس العمليات فى حرب 1973، ووزير الدفاع بعدها، وكان صالونا من أمتع ما شاهدت، لأنه بجانب السرد التاريخى فتح الباب كاملا للأسئلة للجميع ودون حواجز أو تراتبية رغم أن المتحدثين من العسكرية وقادة الأفرع. مما يجعلنى أقترح فكرة عودة الصالونات العامة التى تناقش قضايا خارج الأدب ولا سيما بالمدارس وبالكليات والجامعات، بل وبالتخصصات الدقيقة، وربطها بالإنتاج الفكرى والأدبى، ويسمح بها بالحوار وتداول الأسئلة بين مختلف الأجيال. فكم كتابا فكريا وعلميا تظهر سنويا ولا تجد منافذ أو صالونات ليناقش بها؟، فربما تساهم حالة الحوار الفكرى والعلمى فى الصالونات مع نشرها على جذب قطاعات كبيرة من الشباب والطلاب وتصحيح المفاهيم والمعلومات المغلوطة التى تنتشر، وأن نفكر بجدية فى حالة حوار ثقافى حقيقى نستنسخ بها نموذج الانتشار الكبير للصالونات الثقافية، وهذا يدعونا إلى الاستغراب من مقترح غلق بعض قصور الثقافة التابعة للدولة، كما استمعنا من مداخلات أو رد وزير الثقافة، وأن مساحات بعض هذه القصور الثقافية عدة أمتار قليلة أو حجرتان، وهنا أقترح على وزارة الثقافة بدلا من إغلاقها تحويلها إلى صالونات ثقافية تناقش الكتب والفكر والرواية والشعر، لا سيما وأغلب ما أحضره الآن هو فى عدة أمتار قليلة أيضا، وأن نعيد النظر فى توجيه المنتج الثقافى ليكون صالونات فكرية تناسب المساحة وربما صباحا إلى مراكز تعليم للأطفال على الفنون والرسم. فالقضية ليست فى المساحة الصغيرة وإنما فى كيف نستخدمها ولمَن.

وبذلك نحرك المياه الراكدة، ونرفع من أسهم الحوار المجتمعى والإبداعى، لا سيما فى العلوم الإنسانية، وهى من أكثر القضايا التى تحتاج إلى الحوار والنقاش بها.

أخبار الساعة