رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«٢٠٢٥ – ٢٠٢٦» .. مــــوازنة «التحــــــديات»


18-5-2025 | 21:23

.

طباعة
تقرير: أميرة جاد

وسط أجواء اقتصادية وسياسية استثنائية على الصعيدين المحلى والعالمى، تم إعداد موازنة العام المالى «2025 - 2026»، فالموازنة التى ترسم شكل معيشة المواطن فى المستقبل القريب وعلى مدار عام يبدأ فى يوليو 2025 وينتهى فى يونيو 2026» تم إعدادها وسط توترات سياسية لاستمرار العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، والمناوشات «الهندية - الباكستانية»، واستمرار الصراع فى الجوار السوداني، وكذلك فى ظل حرب تجارية جارية بين الصين وأمريكا، وتوقعات المؤسسات الدولية بتباطؤ معدلات النمو عالميا، وكلها مجريات قد تنعكس على الموازنة العامة باعتبار الترجمة الحقيقية والمباشرة للسياسات العامة للدولة فى ضوء كل المتغيرات العالمية والمحلية على الصعيدين السياسى والاقتصادى.

 

البيان التحليلى لمشروع موازنة العام المالى القادم يكشف زيادة فى كل من الإيرادات والمصروفات بنسب تصل إلى 23 فى المائة و19.2 فى المائة على التوالى، وعلى الرغم من أن الزيادة المستهدفة فى الإيرادات تفوق الزيادة المتوقعة للمصروفات، فإن العجز الكلى للموازنة وهو الفارق بين الإيرادات والمصروفات لا يزال فى مستويات مرتفعة تصل إلى 7.3 فى المائة من الناتج الإجمالى المحلي، وإن كان هذا العجز لم يحل دون زيادة مخصصات البنود المالية ذات البعد الاجتماعى، مثل الأجور والمرتبات والصحة والتعليم، وكذلك الدعم وبنود الحماية الاجتماعية.

كما كشف البيان التحليلى لمشروع الموازنة الجديدة، أن البعد الاجتماعى كان له أن يكون حاضرًا بشكل أقوى لولا عبء الدين العام الذى يثقل كاهل الموازنة العامة والذى دفع نحو توجيه 50.2 فى المائة من المصروفات لسداد فوائد الديون والتى سجلت 2.298 تريليون جنيه، بارتفاع بلغت نسبته 20 فى المائة مقارنة بتقديرات الفوائد فى موازنة العام المالى الجاري، وهو الأمر الذى يُقلص مخصصات الإنفاق على النواحى الاجتماعية والتنمية المستدامة.

«المصوّر» استطلعت آراء محللين وخبراء اقتصاد لقراءة مشروع الموازنة، والوقوف على الممكن والمستحيل فيها خلال العام المالى القادم.

«الزيادة فى المصروفات المدرجة فى مشروع الموازنة جزء منها موجه بالأساس للبعد الاجتماعي»، حسب الدكتور على عبد الرؤوف الإدريسي الخبير الاقتصادى، الذى أضاف: دعم السلع التموينية ارتفع فى مشروع موازنة العام المالى القادم بـ37 فى المائة، بينما ارتفع بند الدعم بكل أنواعه بـ16.8 فى المائة مقارنة بتقديرات العام المالى الجاري، أما الإنفاق على قطاع الصحة فسجل زيادة بقيمة 39.5 فى المائة، فى حين سجل التعليم زيادة فى الإنفاق عليه بحسب مشروع الموازنة الجديدة بلغت 15.6 فى المائة، بينما ارتفعت مخصصات الأجور 18.1 فى المائة مقارنة بتقديرات الموازنة الحالية.

«الإدريسى»، أكد أن «الزيادات التى سجلتها مخصصات البنود الاجتماعية كانت حتمية لمجاراة معدلات التضخم المرتفعة، والتى تتأثر بطبيعة الحال بخفض الدعم على الطاقة»، مضيفًا أن «جانبا من زيادة مخصصات التعليم والصحة جاء تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى المتعلقة بزيادة عدد المدرسين، وكذلك إعادة هيكلة المقابل المادى للطاقم الطبى»، وموضحًا أنه «على الرغم من أن مشروع الموازنة يستهدف زيادة فى الإيرادات العامة، فإن الفجوة بين الإيرادات والمصروفات والمتمثلة فى العجز الكلى ما زالت تمثل تحديًا كبيرًا يواجهه مشروع موازنة العام المالى القادم، حيث يصل العجز لـ1.5 تريليون جنيه بزيادة تقدر بنحو 300 مليار جنيه عن العجز الذى سجلته تقديرات موازنة العام المالى الجاري».

«د. علي»، أشار إلى أن «العجز ليس هو التحدى الوحيد الذى تواجهه موازنة العام المالى القادم، ولكن إجمالى مخصصات الإنفاق على خدمة الدين تلتهم نصف المصروفات تقريبًا، بما يعنى أن الإنفاق على خدمة الدين يفوق الإنفاق على الصحة والتعليم والدعم على الرغم من زيادة مخصصات هذه البنود، كما أنه فيما يتعلق بالاستثمارات العامة، فإنه لا تزال مساهمة القطاع الخاص متدنية على الرغم من استهداف الحكومة زيادتها لـ65 فى المائة خلال ثلاث سنوات بدأت فى 2023، وهو ما يعنى أن الحكومة ما زالت اللاعب الرئيسى فيما يتعلق بالاستثمارات العامة، وهو ما يمثل عبئًا إضافيًا على الموازنة».

وفيما يتعلق بـ«الإيرادات»، قال «الإدريسي»: الضرائب مستهدف زيادة مساهمتها فى الإيرادات العامة إلى 85 فى المائة، والحكومة تتبع طريقتين لزيادة الإيرادات الضريبية، الطريقة الأولى وهى التى تعتمد على كفاءة التحصيل من خلال ابتكار آليات لحل المنازعات الضريبية والتصالح فيها ومكافحة التهرب الضريبى إلى جانب رقمنة الدفع والتحصيل، ومن المتوقع أن تسهم مبادرة التسهيلات الضريبية الأخيرة فى تفعيل كفاءة التحصيل وتوسيع القاعدة الضريبية، والطريقة الثانية هى زيادة الضرائب غير المباشرة سواء الرسوم الجمركية أو ضريبة القيمة المضافة على السلع الكمالية والرفاهية، ومع ذلك من الضرورى العمل على تنمية الإيرادات من مصادر أخرى بخلاف الضرائب مثل الهيئات الاقتصادية وشركات قطاع الأعمال التى تقتطع من مصروفات الموازنة فى حين أنها من المفترض أن تساهم فى الإيرادات العامة.

بدوره، قال إيهاب الدسوقي، رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات سابقا، إن «عجز الموازنة تحدٍّ قديم وليس مستحدثا على مشروع موازنة العام المالى القادم ولا حتى الجاري، مع الأخذ فى الاعتبار أن تحدى عجز الموازنة نتيجة وليس سببًا، نتيجة لكل المشكلات الاقتصادية التى يعانى منها الاقتصاد المصرى وأهمها ضعف الإنتاج وتركزه فى السلع الأولية، وهو ما يجعل الإيرادات أقل من المصروفات وخاصة فى ظل توجيه الإنفاق العام خلال السنوات القليلة الماضية تم توجيه الاستثمارات العامة لمشروعات البنية التحتية -وهو أمر ضرورى بطبيعة الحال- ولكنها مشروعات لا تُدر عائدا مباشرا وسريعا تزود الإيرادات، والمشكلة الحقيقية فى العجز أنه يتم سداده عن طريق الاقتراض وهو ما يزيد العبء على الموازنة ويجعلها تدور فى نفس الدائرة وتتسع الفجوة عاما بعد عام، ولذا نلاحظ موازنة العام المالى القادم تتوسع فى الاستدانة.

وحول بدائل الاقتراض لسد عجز الموازنة على المديين المتوسط والبعيد، قال «الدسوقى»، إن «ترشيد النفقات إلى جانب تحسين كفاءة الاقتصاد ككل هى الحل لزيادة الإنتاج ومنه الإيرادات وسد الفجوة بين الايرادات والمصروفات».

كذلك، أوضح «الدسوقى»، أنه «فيما يتعلق بزيادة الإيرادات الضريبية فى مشروع الموازنة، فإن مشروع الموازنة يستهدف زيادة 23 فى المائة عن تقديرات العام المالى الحالي»، لافتًا إلى أن «الضرائب فى مختلف دول العالم تساهم بالنسبة الأكبر فى الإيرادات ولكن أى نوع من الضرائب تستهدف الحكومة زيادته؟ الضرائب غير المباشرة، وهى تفرض على السلع والخدمات المختلفة، فعلى سبيل المثال هناك زيادة الضريبة على الأدوية بقيمة 236 مليون جنيه، وزيوت الطعام النباتية بقيمة 80 مليون جنيه، وزيادة فى الضرائب على الصابون والمنظفات بقيمة 350 مليون جنيه، بالإضافة إلى ضرائب إضافية على الثلاجات والتلفزيونات بمختلف الأحجام بقيمة 650 مليون جنيه، ورفع الضرائب على أجهزة تكييف الهواء بقيمة 1.2 مليار جنيه، وامتدت إلى الرسوم على الخدمات، حيث سُجلت زيادات فى رسوم جوازات السفر وتذاكر السفر إلى الخارج، مؤكدًا أن الضرائب غير المباشرة تسهم فى زيادة معدلات التضخم المرتفعة بالفعل».

كما أشار إلى أنه «يمكن زيادة الإيرادات من الضرائب المباشرة وهى الأكثر عدالة دون رفع سعر الضريبة الحالى من خلال العمل على تحصيل أكثر كفاءة من المهن الحرة والضريبة على العقارات والتى لا تتناسب حصيلتها مع حجم الثروة العقارية فى مصر وهى الضريبة الأقرب لضريبة الثروة، ولذا هى الأكثر عدالة ولا تلقى عبئًا على المواطن»، مضيفًا أن «ضم الصناديق الخاصة للموازنة من شأنها زيادة الإيرادات العامة دون وجود أى أعباء على الموازنة»، ولافتًا إلى أن «فكرة وجود إيرادات خارج الموازنة تفتح الباب لتجاوزات مختلفة وتُفقد الموازنة إيرادًا عامًا يمكن توجيهه لأبعاد تنموية أو اجتماعية مثل التعليم والصحة وبرامج الحماية الاجتماعية التى ارتفعت المخصصات المقدمة لها، ولكنها زيادة تلتهمها معدلات التضخم التى بلغ متوسطها 30 فى المائة خلال عام».

وأكد «الدسوقى»، أنه على الرغم من استيفاء بندى التعليم والصحة لاستحقاقهما الدستورى من الناتج الإجمالى المحلي، فإنه لا ينبغى الاكتفاء بهذه النسبة نظرًا لأن هذين القطاعين القاعدة الأساسية للتنمية؛ لذا من الضرورى عدم الاكتفاء بالنسب المقدمة لهما من الناتج الإجمالى المحلى وزيادتها مستقبلا».

من جهتها، قالت الدكتورة يمن الحماقى، أستاذ الاقتصاد: إن «مشروع موازنة العام المالى «2025-2026» يعد موازنة الأرقام الفلكية، أضخمها حجم الدين وما يستقطعه من المصروفات، موضحة أن الدين العام يمثل تحديا كبيرا لمشروع الموازنة الجديدة، ويجب العمل على تفعيل مصادر إيرادية متنوعة ومتاحة لتقليل الاعتماد على الاستدانة لسد العجز الكلى للموازنة، ومن أهم هذه المصادر الهيئات الاقتصادية التى يمكن تحويلها لمصادر إيرادية تضخ موارد للدولة حال إدارتها بشكل أكثر كفاءة، كما يمكن تمويل الاستثمارات العامة من خلال الصكوك لتقليل الاعتماد على الاقتراض وبالتالى تخفيف عجز الموازنة، كما أنه سينشط البورصة، ويسهم فى زيادة مساهمة القطاع الخاص فى الاستثمارات العامة».

«د. يمن»، أضافت أن «بندين مثل التعليم والصحة تمت زيادة المخصصات المقدمة لهما، لكن الأرقام وحدها لا تكفى؛ إذ ينبغى العمل على كفاءة إنفاق هذه المخصصات، وهو ما يتم من خلال موازنة البرامج والأداء والتى تقدم وصفًا تفصيليًا لمستهدفات إنفاق كل جنيه من المخصص، مع الأخذ فى الاعتبار أن التعليم والصحة تم إنفاق مليارات عليهما خلال عقود ومع ذلك الخدمات غير مُرضية نسبيًا، لذا فتطبيق موازنة البرامج هو الأداة المناسبة هنا لوضع أهداف إجرائية قابلة للقياس والمتابعة التراكمية، بالإضافة إلى أن موازنة البرامج تعتمد على كفاءة النفقات بمعنى الوصول للهدف بأقل تكلفة».

أخبار الساعة

الاكثر قراءة