رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

تحت شعار «الاستقرار واليقين».. «بينج» يحاول استمالة ضحايا الرسوم الجمركية


25-4-2025 | 19:27

الرئيس الصيني شى جين بينج

طباعة
تقرير: أمانى عاطف

فى الوقت الذى تُحاول فيه أسواق العالم وقادته استيعاب تأثير فوضى السوق الذى خلفه إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للرسوم الجمركية الشاملة على جميع شركاء الولايات المتحدة التجاريين، يسعى الرئيس الصينى «شى جين بينج» لكسب تأييد حلفائه والاستفادة من تعنت إدارة ترامب؛ لتُصوّر بكين نفسها الشريك التجارى المفضل لدول العالم.

 

روَّج الرئيس الصينى خلال الجولة التى قام بها فى جنوب شرق آسيا للتجارة الحرة؛ ليُظهر بلاده كمصدر «للاستقرار واليقين»، تأتى هذه الجولة فى وقت يحاول فيه العملاق الآسيوى الظهور كشريك موثوق خلافا لواشنطن، بعد شن الرئيس ترامب هجوما تجاريا من خلال فرض رسوم جمركية إضافية على المنتجات الصينية بنسبة باهظة بلغت 145 فى المائة مستثنيا بعض السلع، مما أثار صدمة فى الأسواق العالمية ودفع بكين إلى الرد.

بعد إعلان ترامب فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 46 فى المائة على فيتنام و24 فى المائة على ماليزيا، ولكنه قرر تأجيل تطبيقها لمدة 90 يوما. لم يكن من قبيل المصادفة أن تبدأ جولة الرئيس الصينى «بينج» النادرة فى جنوب شرق آسيا بفيتنام؛ لأن الرسوم الجمركية العقابية التى فرضها ترامب على البلاد من شأنها أن تضر باقتصاد دولة تعد سادس أكبر مصدر للواردات الأمريكية، ويعتمد ثلث ناتجها المحلى الإجمالى على التجارة مع الولايات المتحدة. كما زار بينج كلا من ماليزيا وكمبوديا التى فرضت عليها واشنطن رسومًا جمركية 49 فى المائة.

سيكون كسب ودّ جنوب شرق آسيا، باقتصاداتها النامية التى تعتمد بالفعل بشكل كبير على بكين هو الجزء السهل. بينما الأمر الأصعب بالنسبة للصين هو تهدئة حلفاء الولايات المتحدة القدامى فى آسيا وتحديدًا اليابان وكوريا الجنوبية اللتان سيعانى اقتصادهما من آثار رسوم جمركية بنسبة 24 و25 فى المائة على التوالي، على الرغم من إرسالهما فرقًا من المبعوثين التجاريين إلى واشنطن فى غضون أيام من إعلان الرسوم. لكن مع كون الصين أكبر شريك تجارى لكلا البلدين، وتزايد ولاء واشنطن المتذبذب يعنى أن كوريا واليابان «عالقتان فى مأزق»، كما يضع طلب ترامب جيران الصين فى موقف حرج إما قطع قناة تجارية مربحة مع أكبر شريك تجارى لهم، أو مواجهة رسوم جمركية أمريكية مُرهقة.

من المرجح أن تتجنب الدول قدر الإمكان الانحياز إلى أى طرف فى التنافس الأمريكى الصيني، وهو حساب ذو طبيعة سياسية واقتصادية. فى هانوى العاصمة الفيتنامية، يتعمق انعدام الثقة بالصين بسبب النزاعات الإقليمية فى بحر الصين الجنوبي، لكن الاقتصاد لا يزال يعتمد على المكونات والمواد الخام الصينية. بينما وجد الرئيس الصينى فى كوالالمبور بيئة تجارية مماثلة، وأكدت ماليزيا حيادها وسط تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين. وأرسل رئيس الوزراء أنور إبراهيم مسئولين إلى واشنطن سعياً لتخفيف الرسوم الجمركية، لكنه يسعى فى الوقت نفسه إلى توطيد العلاقات مع بكين، فقد صدّرت ماليزيا بضائع بقيمة 44 مليار دولار إلى الولايات المتحدة العام الماضى أى أكثر بقليل من 41 مليار دولار للصين.

تسعى الصين لتوسيع علاقاتها الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبى وإيجاد أسواق بديلة فى ظل الحرب التجارية مع الولايات المتحدة؛ حيث أبلغ بينج رئيس الوزراء الإسبانى بيدرو سانشيز أن على الاتحاد أن يتعاون مع الصين لمعارضة «التنمر الأحادي» والدفاع عن «القواعد والنظام الدوليين» وهى كلمات تكاد تكون مطابقة لتلك التى استخدمها فى هانوي. أرسلت بكين وفودا إلى عواصم أوروبية فى الأسابيع الأخيرة لتقييم مدى اهتمامها بالاستثمار فى الصين.

تحدث الدكتور أشـرف سنجر خبير السياسات الدولية لـ«المصور» أن الولايات المتحدة تعلم جيدا أن فرض الرسوم الجمركية على معظم دول العالم هو اختبار للمياه، فهى باقتصادها الذى يصل إلى 30 تريليون دولار وإنفاقها الدفاعى الذى يقارب التريليون دولار تعد الدولة المهيمنة على النظام الدولى مقارنة بدول كثيرة فى العالم، كما أن المهم هو أن الولايات المتحدة استطاعت أن تختبر قدراتها ونقل حاملات طائراتها والتدخل فى مناطق كثيرة من النزاع فى العالم، وذلك يعطى خصوصية التفرد وتجربة اختبار قدراتها العسكرية، والأهم أنها الدولة الوحيدة التى استخدمت السلاح النووى فى اليابان ولم تُقدم أى دولة أخرى على استخدامه فى اليابان من الدول التى حصلت على هذا السلاح.

يعتقد الدكتور سنجر أن الحرب التجارية هى أداة من أدوات الحرب العسكرية وجملة الرئيس ترامب أنه لا يتوقع تصعيدا من الدول، وبالفعل كل الدول لم تصعد مع الولايات المتحدة سوى الصين، وذلك يرجع إلى طبيعة التبادل التجارى بينهما وشراء الصين للسندات الفيدرالية أو الحكومية الأمريكية، لذلك ربما ذهبت واشنطن إلى جر بكين إلى فخ الحرب التجارية فى الأساس لأنها أداة من أدوات ردع الصين بحيث لا تتجاوز حدودها ولا تقترب من بنما أو قناتها أو جزيرة جرين لاند أو لا توسع علاقتها بكندا أو الاتحاد الأوروبي.

وأكد الدكتور سنجر أن تكوين الصين تحالفات مع الاتحاد الأوربى لن يُكتب لها النجاح لأن العضلات العسكرية الأمريكية ما زالت سيفا رادعا للأوروبيين قبل الصينيين، وبالتالى التفكير العقلانى من تكوين حلف شمال الأطلسى (الناتو) إلى الآن هى العلاقات الأوروبية-الأمريكية. وما يحدث هو زوبعة فى فنجان وستعود العلاقات وسوف تستمر كما كانت بنفس القوة؛ لأن واشنطن لا يمكن أن تقود العالم دون حلف الناتو وهذه مرحلة اختبار النوايا.

وعند سؤال الدكتور سنجر: هل يستطيع الرئيس الصينى شى أن يحل محل الولايات المتحدة كأكبر شريك تجارى للاتحاد الأوروبي؟ أوضح أنه من الممكن أن يحل ولكن العلاقات الأوربية -الأمريكية لا يمكن التفكير فى تدميرها أو تفتيتها، وبالتالى لا يمكن لأوربا والصين أن تصلا إلى العلاقة القوية كما العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة.

وبسؤاله عن زيارة الرئيس الصينى لدول فى آسيا، وهل كانت لتشكيل تحالفات لمواجهة الولايات المتحدة فى حربها التجارية؟ أوضح سنجر أن هناك تحركات صينية بسبب الضغط الشديد لتكوين تحالفات تجارية، لكن الأهم أن عامل الثقة لدى الدول الآسيوية ضعيف جدا، ومعظم تلك الدول تحتاج إلى الولايات المتحدة كقوة عسكرية مهيمنة موجودة فى آسيا ستكون قادرة على منع حروب عنيفة ممكن أن تحدث. بالرغم من محاولات الصين لكن هذه الحرب التجارية هى بداية لتقليص التبادل الصينى الأمريكى لأن الصين زادت من إنفاقها الدفاعى وأصبحت غير راضية عن الوضع الحالى وتسعى إلى تغيير ذلك، وبالتالى واشنطن تستعد لتقليل وتقليص التبادل التجارى بينهما، وهذا هو القادم فى مستقبل السياسات الدولية؛ لأن أمريكا ستنوع تبادلها التجارى مع دول أخرى غير الصين ربما تكون الهند أو دول فى إفريقيا أو الشرق الأوسط.

الاكثر قراءة