أعيادنا الوطنية ومناسباتنا القومية خلال هذا الأسبوع تجسد قوة بنية المجتمع المصرى، وصلابة مناعته، وقدرته على الصمود فى مواجهة أية تحديات، ومقدرته على هزيمة أية صعوبات، لأن عنوانها العريض «التلاحم الوطنى حاضر لا يغيب»، وما أعظمها من شيمة، وما أجلها من خصلة، وما أحسنها من فضيلة، فهى الأساس المتين، والحصن المنيع لحماية الوطن من كل المكائد، وجميع المخططات، وتتكسر على صخرتها الصلدة المؤامرات كافة، وفى الوقت نفسه تؤكد بجلاء مراسم وطقوس هذه الاحتفالات أن شعبنا العظيم مغبون فى نعمتى الأمن والأمان رغم الإقليم المشتعل بالحروب والصراعات الداخلية والخارجية معًا، مما حول دولاً عدة، وعواصم شتى إلى مناطق خطر، وأماكن غير آمنة، وبيئات طاردة للناس والتنمية والاستثمار، فالحمد لله على نعمة الأمن، وكفى بها نعمة، فهى قاعدة الاستقرار، وجسر التعمير وأصل البناء، وما بعدها أهون وأيسر مهما كانت الظروف أو المواقف.
مطلع هذا الأسبوع الوطنى بامتياز، والقومى بجدارة، وضع «أسبوع الآلام» لدى الإخوة الأقباط أوزاره، وأعلنت جميع الطوائف المسيحية بداية أسبوع الاحتفال بعيد القيامة المجيد، وكعادة الرئيس عبدالفتاح السيسى كان فى مقدمة المهنئين سواء بإرسال مندوبى الرئاسة لتقديم التهنئة باسم فخامته ونيابة عن الشعب المصرى كله، أو عبر صفحاته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعى تأكيدًا على أن مصر منارة التسامح والتعايش بين جميع أبنائها، وأن قيم المحبة والسلام توحدنا تحت راية الوطن الواحد، وعلى النهج الرئاسى الحميد سار جموع المصريين، وتدفق على جميع الكنائس المواطنون فرادى وجماعات لمشاركة الإخوة فرحة العيد، إلى جانب الوفود الرسمية والشخصيات العامة ورجال الدين، وما أبدعها من مشاهد الوحدة الوطنية الغنية عن الوصف، الأفصح من البيان، فالدين لله والوطن للجميع، وهذا سر خلود أم الدنيا عبر ملايين السنين، ودامت مصر أرض الأديان، وموطن التسامح، وملتقى التعايش.
وهنا أجدنى مدفوعًا بقوة إلى نقل بعض المشاهد المعبرة عن روح المحبة، والكلمات البينة الموضحة للتآخى خلال مراسم الاحتفال بعيد القيامة المجيد، ومنها ما رأيته بعينى، وسمعته بأذنى، بعيدًا عن أى تجميل للصورة داخل جنبات كنيسة مصر الجديدة الإنجيلية يوم السبت الماضى أثناء حضورى بدعوة كريمة من الدكتور القس أندريه زكى لاحتفال الطائفة الإنجيلية الرسمى بالعيد، فقد تنوعت فئات الحاضرين، وتعددت مستوياتهم، واختلفت درجاتهم، وكانت قاعة الاحتفال أشبه بالبستان الذى يضم الزهور من الأنواع كافة، والأشكال جمعاء، حضور رسمى على أعلى مستوى من كافة الجهات بلا غياب لأى مؤسسة، كبار الوزراء والمسئولين الحاليين بجوار ثلة من نظرائهم السابقين، مما يؤكد أن الحرص على التواجد بدافع الود قبل المنصب، والمحبة قبل المسئولية، وجلوس قيادات الدولة جنبًا إلى جنب مع رموز القوى السياسية والمعارضة بلا حساسيات ولا حزازات، فى دلالة كاشفة إلى أن الخلاف فى الرأى لا يفسد للوطن قضية، فالجميع يتصافح فى بسمة، ويتبادل التهانى فى بشاشة.
وأيضًا جاء المحافظون من أقاليم شتى، قطعوا المسافات، وجابوا البلاد، وضحوا بالوقت والجهد حبًا فى مشاركة إخوانهم بعيدهم، ولو كان الأمر مجرد التقاط الصور أو الشو الإعلامى لاكتفى كل محافظ بالذهاب إلى كنيسة فى محافظته فقط لأداء المهمة الرسمية والسلام، فضلاً عن نواب البرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ، أيضًا لفت نظرى حضور الشخصيات العامة من كل المجالات من الصحافة والإعلام إلى الثقافة والفن مرورًا بقيادات المجتمع المدنى والمراكز البحثية مع حضور شعبى كبير، المحبة سيطرت على نفوس الحاضرين بلا استثناء، وزاد من تأثيرها الشكر الذى أصر الدكتور القس أندريه زكى على تقديمه خلال كلمته لغالبية المشاركين والمهنئين بالاسم، مفسرين ذلك بأنهم يستحقون ما هو أكثر لأنهم حرصوا على المجيء حبًا فى الإخوة، وتقديرًا للمحبة.
ويحضرنى بعض المعانى والدلالات التى جاءت على لسان رئيس الطائفة الإنجيلية خلال كلمته بالاحتفال فى توصيف نجاح القيادة السياسية فى التعامل مع كل التطورات فى المنطقة بالحكمة والاتزان، مما جعل مصر واحة الأمن والأمان فى هذا الإقليم المشتعل، وحفظها من الوقوع فى براثن الحروب المدمرة، وجعلها قادرةً على مواصلة معركة البناء، وأن دور الرئيس السيسى هنا محورى فى تحقيق السلام والاستقرار الذى تنعم به مصر رغم التحديات الإقليمية والدولية وفقًا لتأكيدات د. أندريه زكى، مضيفًا فى عظته بعنوان «القيامة فى زمن التحديات»: لا بد أن نعترف بأن منطقة الشرق الأوسط تمتلئ بالتحديات والصراعات المؤلمة.. ومصر تبقى نموذجًا فريدًا فى التماسك الوطنى وقبول الآخر.
وواصل قطار البهجة بعيد القيامة طريقه المفروش بالورود والروحانيات والأفراح، ومنذ الساعات الأولى ليوم الأحد الماضى استقبلت الكنائس الأرثوذكسية فى عموم بر مصر المهنئين بالعيد من كل الفئات، وبالطبع كان المقر البابوى والكنيسة المرقسية بالعباسية قبلة المئات من الشخصيات العامة والمسئولين ورجال الدين الإسلامى والمسيحى لتقديم التهانى لقداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، فى مظاهرة محبة تجسد الترابط بين جموع المصريين، ولا أجد عبارات قادرة على توصيل المعنى ببساطة وجمال سوى كلمات البابا تواضروس الثانى خلال لقاءاته بالمهنئين ومنها «أن جميع المصريين لديهم أربعة أعياد: الفطر والأضحى والميلاد والقيامة»، و«مصر فيها بركة خاصة لا توجد فى دول العالم ودائماً بقول إن كل بلاد العالم فى إيد ربنا ولكن مصر فى قلب ربنا، فمصر لديها ميزة تنافسية بدخول العائلة المقدسة إليها».
وتكررت نفس مشاهد السرور بأيام العيد داخل كنائس الطائفة الكاثوليكية، واستقبل صباح الأحد الماضى البطريرك الأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك، ورئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك بمصر، المهنئين بعيد القيامة المجيد، بالمقر البطريركي، بكوبرى القبة.
وفى عيد شم النسيم يوم الإثنين الماضى، عمت السعادة كل الأجواء المصرية، فى الحضر والريف على السواء، وتبادل جميع المواطنين التهانى بأقدم عيد مصرى احتفل به أجدادنا العظماء من المصريين القدماء، وتتابعت طقوس الفرحة من الخروج إلى الحدائق مرورًا بتلوين البيض وتناول الرنجة والفسيخ والخضراوات الطازجة، وقضاء السهرات فى المسارح والسينمات والمتنزهات، ربنا يكثر من أعيادنا وأفراحنا، فنحن شعب يستحق أن يفرح، ودائمًا يحول المحنة إلى منحة، والأزمة إلى نكتة، والحزن إلى ضحكة، وتلك الروح الحلوة تجعله قادرًا على قهر الصعاب، وتحقيق البطولات فى كل الميادين وجميع المعارك.
ومن المؤكد أن الذكرى الـ43 لعيد تحرير سيناء الغالية التى هلت علينا بشائرها العظيمة هذا الأسبوع بإطلاق إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة حملة توعوية وتثقيفية واسعة تحت شعار «عيد تحرير سيناء.. جيش الشعبـ درع الوطن» لتعزيز الوعى الوطنى وإبراز أهمية هذه الذكرى المجيدة فى تاريخنا الوطنى المشرف شعبيًا وعسكريًا وسياسيًا ودبلوماسيًا، فهى واحدة من أهم مناسباتنا الوطنية الخالدة عبر التاريخ، وانتصاراتنا الباقية بطول الزمان، وسنظل نحتفل بها على الدوام، لنتذكر جيلاً بعد جيل بطولات رجالنا السمر الشداد، وتضحياتهمبالدم والنفس لتحرير الأرض، ودحر العدوان، فقد هزموا خلال معركة العبور كل الصعاب الميدانية من ترويض المانع المائى المتمثل فى قناة السويس، ثم زلزلة الساتر الترابى وصولاً إلى اقتحام خط بارليف المنيع، وتحدوا جميع النظريات العسكرية التى تحدثت عن استحالة العبور، وحققوا نصرًا عزيزًا على عدو يمتلك أحدث المعدات وأقوى الأسلحة مع دعم متواصل من الغرب والأمريكان بلا حساب من مخازن السلاح إلى دفعات التمويل، لكن معجزة المقاتل المصرى ضربت بكل هذه المعوقات عرض الحائط، وكتبت تاريخًا جديدًا فى الإرادة العسكرية، والعقيدة القتالية، وسيبقى الـ25 من أبريل كل عام يومًا ناصعًا يؤكد أن التراب المصرى مقدس، ومَن يقترب منه يفتح على نفسه أبواب الجحيم، وسيخرج ذليلاً من حيث أتى، ومهانًا من حيث جاء.
وكما سجل التاريخ بأحرف من نور المحطات المضيئة لتحرير سيناء من دنس الإسرائيليين بقيادة الرئيس البطل أنور السادات، فإن التاريخ يُعيد نفسه، ويشهد للرئيس السيسى بأنه حقق المعجزات فى معركة تطهيرها من التنظيمات الإرهابية، بينما تعثرت حتى الآن غالبية الدول التى أصابها هذا الفيروس اللعين، ثم تكرر هذا النجاح الرئاسى فى عبور جديد بالتعمير الذى امتد لكل المجالات بفاتورة تعدت الـ700 مليار جنيه خلال 10 سنوات من ملحمة الإنفاق إلى مشروعات التنمية بمختلف القطاعات، والترجمة الواقعية لتلك الاستراتيجية المحكمة تخطيطًا وإدارة وتنفيذًا هو نقلة غير مسبوقة فى المرافق والخدمات بأرض الفيروز مع هيمنة كاملة للدولة على كل شبر فى أرضها، تأكيدًا على أن سيناء «كاملة لينا» بعد تحريرها مرتين الأولى من الاحتلال والثانية من الإرهاب، ثم خوض غمار معركة تعميرها بالتنمية وزرعها بالبشر والحجر معًا، وهذه ضمانة صمودها ضد أية مخططات خبيثة على شاكلة مؤامرة «التهجير»، الذى لن يحدث أبدًا على حساب سيناء أو غيرها من المناطق فى أى دولة منعًا لتصفية القضية الفلسطينية.
حمى الله مصر وأرضها وشعبها وقيادتها ومؤسساتها الوطنية من كل سوء.

