يستهدف القانون الفئات الأكثر احتياجًا والأولى بالرعاية، فى ظل ظروف اقتصادية تفرض تحديات غير مسبوقة على شرائح واسعة من المجتمع. فالقانون الجديد لا يكتفى بتقديم مساعدات، بل يسعى لبناء شبكة أمان اجتماعى متكاملة تضع المواطن فى قلب اهتمام الدولة، ويختلف القانون الجديد عن كل سابقيه؛ إذ يستهدف بشكل مباشر الفئات الأكثر فقرًا وضعفًا فى المجتمع، من كبار السن غير المؤمن عليهم، وذوى الإعاقة، والمطلقات، والأيتام، والمرضى الذين لا يملكون مصدر دخل، والعاطلين غير القادرين على العمل.
ويتألف القانون من ستة أبواب، ويضع إطارًا شاملًا لتقديم الدعم النقدى بنوعيه المشروط وغير المشروط، مع وضع ضوابط دقيقة لضمان وصوله إلى مستحقيه الحقيقيين. فلكل مواطن يقع تحت خط الفقر القومي، ولا يخضع لنظام التأمين الاجتماعي، الحق فى التقدم بطلب للحصول على الدعم متى توافرت فى حالته إحدى صور الاستحقاق التى حددها التشريع، سواء كان ذلك بصفة دائمة أو مؤقتة.
ويُقسَّم القانون الدعم إلى نوعين رئيسيين: الأول هو الدعم النقدى المشروط، ويُصرف للأسر الفقيرة التى لديها أبناء معالون لا يتجاوز عمرهم 26 عامًا أو حتى إتمامهم الدراسة الجامعية، وذلك بحد أقصى طفلين. يشترط للحصول على هذا الدعم التزام الأسر المستفيدة بمتابعة برامج الصحة والتعليم لأبنائها، حيث يُراقَب انتظام الأطفال فى المدارس وحصولهم على الرعاية الصحية كمعيار لاستمرار الاستحقاق، وفى حالة الإخلال بهذه الشروط، تُطبق إجراءات تصاعدية تبدأ بخصم من قيمة الدعم وقد تصل إلى الوقف الكامل للصرف لمدة عام، أما النوع الثانى من الدعم، فهو غير المشروط، ويُصرف للفئات التى لا يمكنها الكسب، مثل ذوى الإعاقة، وكبار السن، والأطفال الأيتام وأبناء الرعاية الاجتماعية، من أجل تمكينهم من عيش حياة كريمة، بعيدًا عن مخاطر الفقر والتهميش، كما يمنح القانون الجديد الدولة أدوات للتحقق من صحة الاستحقاق من خلال إنشاء لجان متخصصة، إلى جانب نظام رقابى فعال يعتمد على قاعدة بيانات رقمية متكاملة تشمل بيانات الأفراد والأسر المستفيدة، بما يضمن عدم تكرار الصرف أو التلاعب.
أحد أبرز ملامح هذا التشريع هو ما ينص عليه من إمكانية استفادة رعايا الدول الأخرى المقيمين داخل مصر من برامج الضمان الاجتماعى والدعم النقدى، بشرط المعاملة بالمثل، كما يمكن لرئيس الجمهورية إصدار قرار باستثناء هذا الشرط إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك، وهو ما يفتح الباب أمام شمول بعض اللاجئين فى هذه البرامج، خصوصًا أولئك الذين لا يتمتعون بأى حماية اجتماعية، فى خطوة تحمل أبعادًا إنسانية وتنموية فى آنٍ واحد.
على صعيد التمويل، ينص القانون على إنشاء صندوق مستقل يحمل اسم «صندوق تكافل وكرامة»، تُجمع فيه كافة الموارد المخصصة لبرامج الدعم، بما فيها أرصدة الصناديق القديمة، ويُدار بشكل مستقل بعيدًا عن قواعد تحويل الفوائض للخزانة العامة، لضمان الاستدامة المالية وتوفير المرونة فى إدارة موارد الدعم.
الدكتورة مايا مرسي، وزيرة التضامن أكدت أن «القانون يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية فى مصر. وأوضحت أن القانون يتماشى مع النصوص الدستورية التى تضمن توفير حياة كريمة للأفراد والأسر غير القادرة على تأمين دخل مناسب، حيث يسعى إلى مأسسة منظومة الدعم النقدى وتحويل برنامج «تكافل وكرامة» إلى حق قانونى يكفله الدستور».
وحول تفاصيل القانون، أشارت وزيرة التضامن الاجتماعى، إلى أن «الهدف الرئيسى هو ضمان استدامة قدرة الدولة على تقديم الدعم للفئات الأكثر احتياجًا من خلال إنشاء صندوق (تكافل وكرامة) مع تحديد مصادر تمويله»، وذلك قبل إضافتها أن «القانون يعزز الحوكمة من خلال إجراء تحقق دورى سنوى على ثلاثة مستويات لضمان استحقاق المستفيدين، وذلك عبر فرق مختصة من الإدارة العامة والمديريات والوزارة».
وبحسب وزيرة التضامن فإن «القانون يهدف إلى ضمان تخصيص الدعم من موازنة الدولة، بعيدًا عن الاعتماد على القروض أو المنح المؤقتة. ويشمل القانون آليات لخفض الدعم تدريجيًا فى حال عدم التزام المستفيدين بالشروط المحددة، بالإضافة إلى فرض عقوبات قانونية لمنع تسرب الدعم إلى غير المستحقين، مما يضمن تقديم الدعم للمستفيدين الفعليين».
وأضافت أن «القانون يشمل آليات تمكين اقتصادي، حيث يهدف إلى تحسين أوضاع الأسر الفقيرة وتمكينها من الخروج من دائرة الفقر عبر الاستفادة من المساعدات النقدية بشكل مستدام، بما يعزز العدالة الاجتماعية ويراعى الفئات الأشد احتياجًا، مثل كبار السن وذوى الإعاقة»، موضحة أن «القانون لا يقتصر فقط على تحسين شبكة الأمان الاجتماعي، بل يمتد ليشمل أيضًا مواجهة الممارسات الضارة، مثل الزواج المبكر وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، عبر فرض عقوبات رادعة، بما يعكس التزام الحكومة بتعزيز قيم العدالة الاجتماعية والحماية للمجتمع المصرى بأسره».
بدوره، قال الدكتور أحمد عبدالرحمن، رئيس الإدارة المركزية للحماية الاجتماعية بوزارة التضامن، إن «القانون الجديد يتبنى منهج «الدعم المشروط» الذى لا يكتفى بتقديم المساعدات، بل يربطها بتحقيق نتائج تنموية حقيقية، إذ يُلزم الأسر المستفيدة بالاهتمام بصحة أطفالها، خاصة خلال الألف يوم الأولى من حياتهم، والمتابعة الصحية للمرأة، بالإضافة إلى التأكد من انتظام الأبناء فى التعليم، بما يعزز من فرصهم فى مستقبل أفضل».
وأضاف، أن «تمكين المرأة يمثل محورًا أساسيًا فى القانون، من خلال تعزيز قدرتها على اتخاذ القرار داخل الأسرة، وتحقيق شمولها المالي، ودعم صحتها، ومحو أميتها، وإدماجها فى سوق العمل سواء من خلال المشروعات الصغيرة أو العمل لدى الغير»، موضحًا أن «القانون يسعى للخروج التدريجى للأسر من دوائر الفقر متعدد الأبعاد، عبر برامج التمكين الاقتصادى ودعم المشروعات متناهية الصغر، ما يسهم فى تحسين جودة حياتهم ويحولهم من متلقين للدعم إلى منتجين وشركاء فى التنمية، كما يتضمن مشروع القانون آلية دقيقة لتحديد الأسر المستحقة، من خلال معادلة علمية لقياس مؤشرات الفقر، تضمن توجيه الدعم لمستحقيه الحقيقيين، بما يحقق العدالة الاجتماعية».
«د. عبدالرحمن»، أشار إلى أن «الرئيس عبدالفتاح السيسى، يولى القانون اهتمامًا خاصًا بتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية، خاصة فى مجالات التعليم والصحة، للفئات غير المشمولة بدعم «تكافل وكرامة»، مثل طلاب التعليم المجتمعي، والأيتام، وذوى الإعاقة، وسكان المناطق النائية، وطلاب التدريب المهني».
وبحسب «عبدالرحمن»، يهدف القانون إلى تعزيز تكافؤ الفرص داخل المجتمعات المحلية، عبر تدخلات شاملة تراعى النوع الاجتماعي، والفئات العمرية، والتوزيع الجغرافي، وتغطى قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والإسكان والتمكين الاقتصادي، كما لفت إلى أن مرونة القانون الجديد تتيح ربط تدخلات الحماية الاجتماعية بالمتغيرات الاقتصادية كالتضخم ونسب الفقر والثراء، لضمان تقديم أقصى حماية ممكنة للفئات الأضعف.
من جهته، أكد الدكتور طلعت عبدالقوى، عضو لجنة التضامن الاجتماعى بمجلس النواب، رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية، أن «قانون الضمان الاجتماعى يهدف بالأساس إلى توسيع مظلة الحماية الاجتماعية وتحسينها، بما يتماشى مع المادة 17 من الدستور المصري، التى تنص على التزام الدولة بتوفير خدمات التأمين الاجتماعى لكل المواطنين»، مشيرًا إلى أن القانون الجديد يمنح مرونة أكبر للتدخلات الاجتماعية المتكاملة، خاصة فى ظل التغيرات الاقتصادية الراهنة، بما يتيح للدولة مواكبة المستجدات وتوجيه الدعم لمن هم فى أمسّ الحاجة إليه.
وأضاف «عبد القوى»، أن «القانون يستند إلى مبدأ «الكفالة» للفئات الأولى بالرعاية، وفى مقدمتهم كبار السن، وذوو الإعاقة، والأيتام، ويهدف إلى توفير أقصى درجات الحماية الممكنة لهم، ومن أبرز توجهات القانون تبنى مبدأ الدعم المشروط، الذى يتم تطبيقه فعليًا من خلال برنامج «تكافل»، والذى يشترط التزام الأسر بتعليم أبنائهم، والحصول على التطعيمات والتحصينات الصحية الأساسية، لضمان استمرارية الدعم»، مشددًا على أن الهدف الأوسع لهذا المشروع هو الاستثمار فى البشر، بما يسهم فى تحسين مؤشرات التنمية الشاملة.
كما لفت إلى أن القانون يضمن تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص داخل المجتمعات المحلية، لا سيما تلك التى تعانى من ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، مشيرًا إلى أن العدالة الاجتماعية ستكون أحد المرتكزات الأساسية، مع مراعاة التنوع الجغرافي، والفئات العمرية، والنوع الاجتماعي.
وفيما يتعلق بالدعم النقدى، أوضح «د. عبدالقوى» أن «القانون تضمن إنشاء صندوق تكافل وكرامة بغرض تمويل برامج التكافل الاجتماعى وتتكون موارد الصندوق من المبالغ المدرجة للموازنة العامة للدولة والتبرعات والهبات والوصايا وعائد الاستثمار وأموال الصندوق وحصلة الغرامات المحكوم بها وفقاً لاحكام القانون وحصيلة التعويضات التى يدفعها المتهم للتصالح».
في حين قالت الدكتورة راندا رزق، أمين عام المجلس العربى للمسئولية المجتمعية، إن «صدور هذا القانون يمثل نقلة نوعية فى فلسفة الحماية الاجتماعية فى مصر، فهو لا يكتفى بتقديم دعم نقدى مباشر، بل يربطه بمنظومة متكاملة تسعى لتغيير واقع الأسر الفقيرة عبر التعليم والصحة، وهو ما يفتح الباب أمام تحولات حقيقية فى حياة المواطنين المستفيدين».
وأشارت إلى أن القانون وضع إطارًا دقيقًا لتحديد الفئات المستحقة، مع الاعتماد على قاعدة بيانات موحدة، وهو ما يحد بشكل كبير من فرص التلاعب أو الازدواجية فى الصرف. كما أشادت بنصوص القانون التى تشترط الالتزام بشروط الصحة والتعليم للحصول على الدعم، معتبرة أن هذا الربط هو مفتاح التمكين الحقيقى وخروج الأفراد من دوائر العوز.
«د. رزق»، شددت على أن «إنشاء صندوق مستقل لإدارة موارد برامج الدعم يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة المالية للمنظومة، خاصة فى ظل التحديات الاقتصادية الراهنة»، مؤكدة أن الاحتفاظ بعوائد وأرصدة الصناديق داخل هذا الكيان يعزز من كفاءته فى الاستجابة للاحتياجات المتغيرة للمستفيدين.
كما اعتبرت أمين عام المجلس العربى للمسئولية المجتمعية، أن توسيع نطاق الاستفادة ليشمل بعض فئات اللاجئين، فى حال صدور قرار رئاسي، يعكس بُعدًا إنسانيًا مهمًا، خاصة أن عددًا كبيرًا من هؤلاء لا يمتلكون أى مظلة حماية اجتماعية، ما يعرضهم لمخاطر الفقر والتهميش.
ولفتت إلى أهمية التوعية المجتمعية بالقانون الجديد، خاصة فى القرى والمناطق النائية، حتى يتمكن المستحقون من التقدم والاستفادة، مطالبة بتعزيز آليات التظلم والتدقيق الميدانى بما يكفل العدالة فى التطبيق.
واختتمت حديثها بالتأكيد على أن هذا القانون لن ينجح فقط بنصوصه، بل بقدرة الجهاز التنفيذى على ترجمته إلى واقع ملموس، من خلال تدريب الموظفين، وتحديث قواعد البيانات، والتفاعل السريع مع الشكاوى. وترى أن الإرادة السياسية الداعمة لهذا القانون تبعث على التفاؤل، لكنه يضع مسئولية كبيرة على عاتق الجميع لضمان أن يصل الدعم إلى من يستحقه بحق، دون وساطة أو استغلال.
