رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

السيسى وماكرون شراكة الأمن والسلام

10-4-2025 | 01:07
طباعة

تواصلت المشاهد فى زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون التى تؤكد القناعة الفرنسية بأن «مصر واحة الأمن والأمان» فى منطقة الشرق الأوسط، وتتفوق فى هذه الميزة على كبرى الدول وأقوى العواصم، وتوالت المواطن التى تجسد إدارك ضيف القاهرة لوحدة الصف الوطنى، ووقوف الشعب فى ظهر الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كافة القرارات عن اقتناع وثقة فى حكمته وحسن تقديره لكل المواقف، مما يفسر سر الشعبية المتجددة والاصطفاف الوطنى الدائم، وتواترت المحطات التى تكشف إعجاب ماكرون بنجاحات المصريين خلال السنوات الإحدى عشرة الأخيرة رغم صعوبة الظروف وتعدد التحديات، وتتابعت الوقائع التى وثّقت بالصوت والصورة انبهار ساكن الإليزيه بعظمة الحضارة المصرية جيلاً بعد جيل، وفى الوقت نفسه تعاقبت الدلائل التى توضح فطنة الزعيم الأوروبى لقوة ثقل الدولة المصرية على كافة المستويات، ومحورية دورها إقليميًا ودوليًا فى مختلف القضايا وجميع الملفات، وبالتالى حرصه على ترفيع العلاقات معها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية ليكون تحالف الأقوياء.

 

الأمر المؤكد أنه باستعراض سريع لشريط جدول زيارة ماكرون إلى مصر من المحطة الأولى وهى المتحف الكبير - هدية أم الدنيا للعالم - وحتى المحطة الأخيرة فى مدينة العريش سنجد أن هذا القول له حقيقة مؤكدة بالصوت والصور والفيديوهات، بل هو موثق فى متابعات الصحف العالمية والقنوات الدولية وحتى الصفحة الرسمية للرئيس الفرنسى نفسه، ناهيك عن ملايين الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعى بكافة أنواعها، ومختلف أشكالها، وإذا بدأنا بنجاح التجربة المصرية فى نشر الأمن والأمان بكافة ربوع وطننا العظيم رغم معركتنا الشرسة مع الإرهاب الملعون حتى عام 2022 بينما تعثرت دول أخرى حتى الآن، فليس أدل من جولات الرئيس الفرنسى فىالقاهرة الكبرى من المتحف الكبير جنوبًا ثم منطقة الجمالية بصحبة الرئيس السيسى وسط القاهرة الفاطمية ثم مترو الأنفاق ومحطة عدلى منصور التبادلية شرقاً، مرورًا بجامعة القاهرة قبلة العلم والمعرفة، وصولاً إلى جولة مدينة العريش الباسلة التى احتشد فيها ملايين المصريين دعمًا للقضية الفلسطينية ورفضًا لمخطط تهجيرالفلسطينيين أثناء الزيارة التى قام بها الرئيسان السيسى وماكرون أمس الثلاثاء وفى آخر أيام تلك الزيارة الرسمية العامرة بالأحداث، والزاخرة بالتجمعات والحشود الشعبية ترحيبًا بضيف مصر، وبدون تزويق للكلام أوالدخول فى مزايدات لا حاجة لها لأن الصور لا تتجمل، إنها مصر الآمنة المستقرة، وما أعظمها من نعمة، وهذه قناعة عموم المصريين التى لا يرضون بها بديلاً لأنهم عاشوا محنة غياب الأمن بعد أحداث يناير 2011 وحتى ثورة يونيو العظيمة، ومنذ إسقاط حكم المرشد وإفساد مؤامرة الأخونة يعضون بالنواجذ على نعمة الأمان، وكفى بها نعمة يشهد بها القاصى والدانى.

وحدِّث بلا حرج، وقل ما تشاء عن الاصطفاف الوطنى، ووقوف الشعب فى ظهر قائده الرئيس السيسى الذى تتجدد شعبيته بين المصريين باستمرار، لدرجة أنها تصبح من فترة لأخرى كالنهر الجارف الذى يكتسح أكاذيب صناع الشائعات ومروجى الافتراءات من جماعات الضلال وأذرعهم الإعلامية العميلة وميليشياتهم الإلكترونية المأجورة لتعود تلك الشعبية أقوى مما كانت فى العدد، وأوسع انتشارًا مما هى عليه فى المساحة، وأعظم تأثيرًا بمرور الوقت، فقد شاهد ضيف المحروسة ـ ومعه الرأى العام العالمى على الهواء مباشرة ـ خلال ثلاثة أيام فى أماكن عدة، ومواقع مختلفة وبين فئات متنوعة من المواطنين سواء وسط الحشود أو اللقاءات الجماهيرية، الحجم الهائل من التأييد الشعبى للرئيس السيسى، والحفاوة الضخمة به وبضيفه، وتأييده فى كل القرارات والمواقف وعلى رأسها الرفض القاطع لتصفية القضية الفلسطينية والتصدى الحاسم لمخطط تهجير الفلسطينيين من أرضهم، ورغم أن المشاهد هنا كثيرة إلا أننى سأكتفى باصطحاب الرئيس السيسى لماكرون فى جولة بمنطقة الجمالية، وما رآه بعينيه وسمعه بأذنيه من حفاوة شعبية غير مسبوقة فى أى دولة أخرى بالرئيس وضيفه، وبالطبع ما نقلته الكاميرات فى مدينة العريش على مدى عدة ساعات غنى عن أى تحليل أو تفسير، فالصورة جامعة مانعة فى حد ذاتها.

أما عن اللقطات التى تكشف إعجاب الرئيس الفرنسى بنجاحات المصريين خلال السنوات الـ11 الأخيرة رغم صعوبة الظروف الداخلية فى ظل إعادة بناء الدولة التى تراجعت بنيتها التحتية فى كل المجالات لدرجة أنها تكلفت فى هذا البند فقط أكثر من 10 تريليونات من الجنيهات فى وقت عثرات متعاقبة اقتصادية، مع تعدد التحديات الخارجية من جائحة كورونا إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وحتى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وما خلفته من خسائر فادحة للاقتصاد المصرى، فقد تتابعت المشاهد التى أكدت حرص ضيف المحروسة على التنقل بين مشروعات القاهرة العملاقة التى تم تشييدها بعزيمة قوية ومنها المتحف المصرى الكبير، لدرجة أنه ظل منبهرًا بهذا المشروع العظيم على مدى 45 دقيقة وفقًا لتأكيدات د. أحمد غنيم، الرئيس التنفيذى للمتحف المصرى الكبير فى تصريحات إعلامية، وأن ماكرون حرص على البقاء داخل جنبات المتحف أطول فترة، واضطر للمغادرة للوفاء بمواعيد أخرى مع الوعد بالعودة فى زيارة لاحقة، فهى مجرد «فتح شهية» على حد وصفه، فضلاً عن طرح عدة أسئلة للمقارنة بين المتحف المصرى الكبير ومتحف اللوفر فى باريس، وتكرر هذا أيضًا خلال تفقده بصحبة الرئيس السيسى محطة عدلى منصور المركزية التبادلية العملاقة وعدد من محطات الخط الثالث لمترو الأنفاق، والذى تديره إحدى الشركات الفرنسية مع القطار الكهربائى، وبالطبع نجاح التجربة المصرية فى التنمية هو الذى مهّد الطريق لزيادة العلاقات الاقتصادية بين القاهرة وباريس، وتوقيع هذا الكم الكبير من مذكرات التفاهم وبرتوكولات التعاون خلال تلك الزيارة التاريخية.

وارتباطًا بهذه اللفتة، تتابعت الوقائع التى وثقت بالصوت والصورة انبهار ساكن الإليزيه بعظمة الحضارة المصرية جيلاً بعد جيل، كما حدث فى جولته بالمتحف الكبير، وهذا يتضح من تركيزه على «الدرج العظيم»، الذى يحتوى على59 تمثالاً لملوك مصر القديمة، والتوقف بإعجاب ودهشة عارمة أمام عدة قطع أثرية تحكى مراحل مختلفة من الحضارة المصرية العظيمة مع الاستفسار عنها ضمن سيرة وطننا العظيم، ثم متابعة مسيرة شعبنا الأصيل فى بقية الجولات ومنها على وجه الخصوص منطقة خان الخليلى التى تغزل فى عراقتها عبر بعض التويتات على صفحته الرئيسة على موقع «X».

وفى الوقت نفسه تعاقبت الدلائل التى توضح فطنة الزعيم الأوروبى لقوة ثقل الدولة المصرية على كافة المستويات، والتعامل معها من منطلق أنها دولة كبيرة بلغة الأفعال، وفى هذا الاتجاه يأتى توقيع الرئيسين السيسى وماكرون للإعلان المشترك لترفيع العلاقات بين مصر وفرنسا إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية فى جميع المجالات، تأكيدًاعلى تحالف الاقوياء، وتجسيدًا لمسيرة طويلة من التعاون الثنائى الطويل، إلى جانب أنه خطوة مهمة، نحو تعزيز التعاون المشترك، وفتح آفاق جديدة، تحقق مصالح البلدين وتطلعات الشعبين، فى ظل رصيد وافر خلال السنوات والعقود الماضية فى المجالات المختلفة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، وهنا ألفت النظر إلى دلالة استقبال طائرات الرافال المصرية لضيف مصر الكريم فى الأجواء المصرية، وتأكيد ماكرون أن مصر من أولى الدول التى وثقت فىهذه الطائرات وصناعتها الفرنسية، بعدما شهد الرئيس السيسى فى فبراير 2015 مراسم توقيع بروتوكولات مشتركة بين وزيرَ الدفاع المصرى ونظيره الفرنسى، تضمنت الاتفاقيات شراء 24 طائرة من طراز «رافال» والفرقاطة «فريم» متعددة المهام، وغيرها من المعدات العسكرية المهمة، وقد توقفت أمام بعض عبارات ماكرون خلال المؤتمر الصحفى مع الرئيس السيسى يوم الإثنين الماضى ومنها «مصر شريك استراتيجى وتاريخى لفرنسا» و«لدينا إرادة قوية لتطوير التعاون الثنائى فى جميع المجالات» و«نحرص على دعم استقرار مصر فى ظل ظروف إقليمية متدهورة» و«فرنسا ستواصل دعم الاقتصاد المصرى من خلال مؤسسات الاتحاد الأوروبى».

وبخصوص اليقين الفرنسى بمحورية دور القاهرة إقليميًا ودوليًا فى مختلف القضايا وجميع الملفات، وخاصة قضية القضايا العربية وهى القضية الفلسطينية، فإن ماكرون يعلم خبرتنا الواسعة فى الصراع العربىالإسرائيلى، ورؤيتنا الشاملة لكل تطوراتها، وأن مصر هى الأقدر على طرح سيناريوهات الحل، وتوضيح طرق التنفيذ على الأرض، مع توقع النتائج الميدانية بحكمة لأنها تتصرف بحيادية مع كل الأطراف، والمفاوض المصرى لا يشغله الشو الإعلامى لتأكيد دوره ولا يسعى لتحقيق مصلحة على حساب أحد، فالموقف المصرى ثابت لا يتغير، وراسخ لا يتبدل فى دعم حقوق الشعب الفلسطينى، والإصرار على حل الدولتين الذى بدونه لا استقرار ولا أمن ولا سلام دائم بالمنطقة، وهنا تحضرنى عبارة كاشفة للرئيس الفرنسى «نقدر الدور المصرى فى تحقيق الاستقرار الإقليمى، ونشيد بجهود الرئيس السيسى فى دعم السلام وتعزيز الحلول السياسية فى أزمات المنطقة»، فضلاً عن توافق الرئيسين على ضرورة العودة إلى وقف إطلاق النار بشكل فورى، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل، ورفض أية دعوات لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، مع تأييد ماكرون الخطة العربية للتعافى وإعادة إعمار قطاع غزة التى هى فى الأصل خطة مصرية متكاملة.

وهو نفس الموقف الذى تجدد التأكيد عليه فى القمة الثلاثية بين الرئيس السيسى والعاهل الأردنى الملك عبدالله والرئيس ماكرون حول الوضع الخطير فى غزة، وعبر القادة الثلاثة عن قلقهم البالغ بشأن تردى الوضع الإنسانى فى الضفة الغربية والقدس الشرقية، مع الدعوة إلى وقف كل الإجراءات الأحادية التى تقوض إمكانية تحقيق حل الدولتين وتزيد التوترات، وضرورة بلورة الجهود فى مؤتمر يونيو الذى ستترأسه فرنسا والمملكة العربية السعودية من أجل بناء أفق سياسى واضح لتنفيذ حل الدولتين مع دعمهم لمؤتمر إعادة إعمار غزة الذى سيعقد بالقاهرة فى المستقبل القريب، بل يحسب للقادة الثلاثة إجراء المكالمة المشتركة مع الرئيس الأمريكى ترامب، على هامش القمة الثلاثية لمناقشة سبل ضمان وقف إطلاق النار بشكل عاجل فى قطاع غزة، والتشديد على أهمية تهيئة الظروف المناسبة لتحقيق أفق سياسى حقيقى وتعبئة الجهود الدولية لإنهاء معاناة الشعب الفلسطينى، واستعادة الأمن والسلام للجميع، وتنفيذ حل الدولتين.

والخلاصة، إن هذه الزيارة التاريخية للرئيس الفرنسى لمصر فعالياتها كافة، وأحداثها جميعًا تؤشر بوضوح على أن الزعيمين السيسى وماكرون يؤمنان بصدق، ويتحركان بعزيمة لشراكة الأمن والسلام، وأن الثقافة والعلم والتنمية هى الطريق الصحيح لإعادة تشكيل العالم وليس القوة ولغة السلاح التى تقطع الأوصال، وتهدم الأوطان، وتدمر العالم.

حمى الله مصر وشعبها وقيادتها ومؤسساتها الوطنية من كل سوء.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة