رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

عُمان بين الهوية الاستراتيجية والتنافسية الدولية


18-3-2025 | 23:26

.

طباعة
بقلم/ أحمد تركي ... خبير الشؤون العربية

يوماً بعد يوم، تكشف التقارير الدولية ومؤشرات التنافسية العالمية عن منجزات ومكانة تحققها سلطنة عُمان بفضل التخطيط الاستراتيجي المستدام، والرؤية الحاكمة لمستقبل عُمان 2040، في مختلف محاورها وآلياتها.

 

ومن هنا يأتي تأكيد المكتب الوطني للتنافسية أن سلطنة عُمان حققت تقدمًا ملحوظًا في عدد من المؤشرات الدولية؛ إذ تمكنت في عام 2024 من التقدم 20 مرتبة في مؤشر مدركات الفساد لتأتي في المرتبة 50 عالميًّا من ضمن 180 دولة، وتقدمت أكثر من 90 مرتبة في مؤشر الأداء البيئي لتصبح في المرتبة 55 عالميًّا، وفي مؤشر جاهزية الشبكات تقدمت 4 مراتب لتصبح في المرتبة الـ50 من أصل 133 دولة. 

 

كما ارتفعت نتيجة سلطنة عُمان في الحرية الاقتصادية في عام 2025م من 62.9 إلى 65.4 من 100 ويصنف اقتصادها "حر إلى حد ما"، وفي مؤشرات الحوكمة العالمية ومؤشر سيادة القانون إلى 70.2 من 100 ومؤشر الجودة التنظيمية إلى 66.5 من 100 ومؤشر فاعلية الحكومة 62.2 من 100.

يأتي التحسن العُماني في المؤشرات العالمية مرتكزاً على الأداء الحكومي الكلي الذي أسهم في تحسن عدد من المؤشرات، إلى جانب صدور عدد من القوانين وحوكمة بعض الجهات الحكومية وتنفيذ بعض المشروعات التي خرجت من الجهاز الحكومي أو من الجهات الحكومية المختلفة ضمن خططها السنوية، إلى جانب دور المركز الوطني للإحصاء والمعلومات وسعيه المستمر لتوفير البيانات وتحسينها وتحديثها في المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة.

وتسعى سلطنة عُمان حاليًّا إلى التحسن في عدد من المؤشرات من ضمنها مؤشر الابتكار ومؤشر الأداء البيئي، ومؤشر جاهزية الأعمال ومؤشر مستقبل النمو، لأن ذلك يترتب عليه عدة فوائد، أهمها إعطاء المؤسسات الدولية خارطة طريق لمتخذي القرارات وواضعي السياسات لمعالجة الأوضاع التي تتطرق لها المؤشرات وتحقيق السمعة الإيجابية التي تهم العديد من المستثمرين ورجال الأعمال والمختصين والباحثين.

 

ويأتي السعي العُماني المدفوع نحو المزيد من تحسن التصنيف في المؤشرات الدولية، باعتبار أن مؤشرات التنافسية الدولية تعد أداة مهمة تستند عليها الدول للتأكيد على التحسن في بيئة الأعمال لاجتذاب المستثمرين، وتمكينها من المنافسة في بيئة تنافسية محتدمة سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي لاجتذاب الشركات العالمية وأصحاب المهارات والخبرات المتميزة، كما أن مؤشرات التنافسية توفر منهجية واضحة يمكن أن تستند إليها في تحسين أوضاع بيئة الأعمال الداخلية وخاصة في المجال الذي يغطيه المؤشر التنافسي.

 

لا شك أن ثمة اهتمامًا عُمانياً مبكرًا برصد مؤشرات التنافسية العالمية وحرصًا على تحقيق تقدم مطرد في المراتب التي تحتلها سلطنة عُمان؛ إذ استندت "رؤية عُمان 2040" في معظم مؤشراتها على المؤشرات الدولية لتحقيق التوجه الاستراتيجي الخاص بالاندماج وزيادة التعاون الدولي وجذب الاستثمار الأجنبي وزيادة الصادرات وتفعيل دور القطاع الخاص.

 

كما شهد التقييم الائتماني لسلطنة عمان من قبل مؤسسات التقييم الدولية الرئيسية تحسنا في عام 2024، حيث رفعت وكالة "ستاندرد اند بورز" تصنيفها إلى (BBB-) مع نظرة مستقرة ورفعت الوكالات المالية في تقرير تصنيفها الائتماني الثاني عن سلطنة عُمان، وبذلك تمكنت سلطنة عمان من استعادة مؤشر الجدارة الاستثمارية والحصول على بيئة استثمارية آمنة، حيث عادت سلطنة عمان لهذه الفئة من التصنيف بعد انخفاض دام قرابة 7 سنوات (منذ عام 2017م) جراء تأثيرات الأزمات الناتجة عن انخفاض أسعار النفط العالمية وجائحة كورونا "كوفيد-19".

 

هوية إستراتيجية ومحاكم في الاستثمار

وفي إطار سعييها المتواصل لتحقيق أهدافها، دشنت سلطنة عُمان هوية إستراتيجية ترويجية جديدة، تركز الضوء على مزايا السلطنة كمكان جاذب للاستثمار والزيارة والإقامة، وتم التركيز على تعزيز الهوية عالميا عبر استراتيجيات متكاملة. وتحديد الأسواق المستهدفة بناءً على التوجهات الاقتصادية، والتركيز على استثمار جهود سلطنة عمان في حفظ السلام عبر تنظيم مؤتمرات دولية، إلى جانب إبراز التراث والفنون والثقافة من خلال مشاركات عالمية ، حيث إن الدراسات تظهرأن سلطنة عمان تحظى بسمعة إيجابية في دبلوماسيتها السياسية والاقتصادية، مجالات السياحة والاستثمار، واستقطاب المواهب، والمرحلة المقبلة تستدعي توسيع نطاق الترويج الإيجابي لجذب الاستثمارات والسياح والمواهب.

فالمتابع لمشهد التطورات الاقتصادية التي تشهدها سلطنة عُمان خلال الخمس سنوات الأخيرة، في إطار رؤيتها المستقبلية "عُمان 2040"، يتأكد بما لا يدع مجالاً للشك، أنها تتجه وبقوة نحو تحقيق مستهدفات رؤيتها في التنويع الاقتصادي وجذب الاستثمارات وتهيئة بيئة ومناخ الاستثمار الآمن.

 

إذ يمثل إنشاء محاكم متخصصة في الاستثمار والتجارة، خطوة استباقية استراتيجية نحو تطوير المنظومة القضائية في سلطنة عُمان لتكون أكثر كفاءة ومرونة، بما يسهم في تسريع عجلة التنمية الاقتصادية، من خلال معالجة العديد من التحديات التي يواجهها قطاع الأعمال، وتسريع الفصل في القضايا التجارية والاستثمارية لضمان كفاءة وعدالة الإجراءات وتخفيف العبء عن المحاكم العامة، وتحقيق العدالة الناجزة وتعزيز استقرار بيئة الأعمال وتشجيع المزيد من الاستثمارات.

 

يعكس إنشاء هذه المحاكم، ثقافة التكامل المؤسسي والشراكة بين مختلف مؤسسات الدولة وفق توجيهات القيادة السياسية، من أجل تحقيق أولويات الرؤية والمبادئ والمفاهيم المرتبطة بالحوكمة وقياس الأداء واللامركزية وتبسيط الإجراءات وتعزيز الاستثمارات وتحقيق أفضل للملاءة المالية والاستدامة الاقتصادية، وتوظيف مفهوم إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة كنواة للتحوُّل في المجتمع الوظيفي وبناء اقتصاد وطني قادر على التنافسية وجذب الاستثمارات الأجنبية. وبحسب الدراسات الاقتصادية فإن هذه الخطوة العُمانية تحقق عدة فوائد تتمثل في الأتي:

أولاً: توفير بيئة قانونية مستقرة تسهم في جذب الاستثمار وذلك بوجود محكمة متخصصة في القضايا التجارية والاستثمارية مما يعزز الثقة بين المنظومة القضائية في سلطنة عمان وتشجيع جذب الاستثمارات الأجنبية.

ثانياً: تسهم المحكمة في سرعة الفصل في المنازعات التجارية والاستثمارية وبوتيرة سريعة، وهذا الأمر مهم نظراً لتأثير مثل هذه القضايا على الأنشطة الاقتصادية.

ثالثاً: هذه الخطوة ستسهم بشكل كبير في رفع تصنيف سلطنة عُمان وفقاً لمؤشر سهولة ممارسة الأعمال التجارية التابع للبنك الدولي، ويعزز سمعة سلطنة عمان في المؤشرات والتقارير الخاصة بجاذبية الاستثمار وسهولة ممارسة الأعمال، مما يسهم في رفع ثقة المستثمرين بوجود بيئة صحية مشجعة للاستثمار ولاستقطاب الاستثمارات الأجنبية.

وختاماً يمكن القول أن عُمان لا تألو جهداً من أجل تحقيق المزيد من التقديرات وفق مؤشرات التنافسية العالمية، ولذا تواصل مبادراتها المبتكرة لخلق بيئة استثمارية محفزة تتميز بالاستقرار والتنافسية، ولعل من بين المبادرات العُمانية التي تتعلق بحزمة حوافز جديدة في المناطق الحرة، تلك التي تتضمن الإعفاء من المديونيَّات بنسبة 30 في المائة وتخفيض الإيجارات بنسبة 50 في المائة لِمدَّة خمس سنوات، وهو الأمر الذي يسهم في تسهيل العمليَّات الاستثماريَّة وزيادة جاذبيَّة سلطنة عُمان للشَّركات الدّوليَّة ويعزز من مكانتها في التنافسية العالمية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة