تلك المقدمة كتبها المهندس محمد لطفى منصور، رئيس مجلس إدارة مجموعة المنصور للسيارات فى مطلع كتابه «مسيرتي.. سيرة حياة محمد لطفى منصور» الصادر حديثا عن مكتبة جرير، والذى يقدم فيه سيرة حياته التى تمتد من لحظة الميلاد إلى يومنا هذا، وهى مسيرة عظيمة تستحق أن تُقرأ وأن تُورث للأبناء، ليستفيدوا منها.
كنت أشعر بالدهشة والتأمل كلما قرأت سطرا فى هذه السيرة، فلا أعرف: هل هناك فعلا منْ يواجه كل تلك التحديات فى الحياة ويستمر؟ كنت أظن، حين قرأت العنوان، أن هذا الكتاب مجرد تكريم لرجل أعمال وطني، لكن ما إن بدأت القراءة، من أول سطر حتى آخر صفحة فى الكتاب، وعددها يزيد على مائتى صفحة، حتى أدركت أن هذا الكتاب لم يُكتب بدافع حب الظهور أو وضع الاسم على غلاف فخم، ولا من أجل تخليد ذاتي، إنما الكتاب هو جرعة من الأمل والتحدى لكل منْ يقرؤه.
فمحمد لطفى منصور ليس مجرد رجل أعمال، بل أحد أولئك الذين نسجوا لأنفسهم طريقا خاصا بين عالم المال والسياسة، وُلد عام 1948، فى زمن كانت مصر تبحث فيه عن ملامح نهضتها الحديثة، فاختار أن يشق طريقه نحو النجاح، فعبر المحيط إلى الولايات المتحدة، وهناك تفتحت أمامه آفاق العلم، فحصل عام 1968 على بكالوريوس هندسة النسيج من جامعة كارولينا، ثم ماجستير إدارة الأعمال من جامعة أوبورن بولاية ألاباما، قبل أن تعود الجامعة الأولى لتكرمه بعد نصف قرن تقريبا بمنحه الدكتوراه الفخرية عام 2022، اعترافا بما حققه من نجاحات وإنجازات.
عاد «منصور» ليغزل بخيوط الخبرة والذكاء إمبراطوريته الاقتصادية، فترأس مجموعة منصور، أحد أكبر الكيانات التجارية فى الشرق الأوسط، وامتدت استثماراته لتشمل مجالات الصناعة والتمويل والرياضة، غير أن طريقه لم يقف عند حدود المال، فقد خاض غمار العمل العام وتولى وزارة النقل بين عامى 2005 و2009، ليجمع بين التجربة الإدارية والسياسية فى آن واحد... وفى مارس 2024، عاد اسمه ليتصدر العناوين مجددا، حين أوصى رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك بمنحه وسام الفروسية «لقب سير» تقديرا لإسهاماته الاقتصادية وعلاقاته الدولية.
ومن خلال قراءتى للكتاب أعجبنى ذلك المزج بين الشرق والغرب؛ بين القيم العائلية التى تربى عليها الكاتب فى مصر، وبين التعليم الذى تلقاه فى الولايات المتحدة، وزياراته المتعددة للدول الأوروبية والإفريقية، هذا المزيج من الثقافات صاغ شخصية قادرة على التواصل مع كل الحضارات، منفتحة، مؤمنة بأن النجاح لا وطن له إلا العمل، وهذه الخلطة تحديدا كانت سر النجاح.
كما لفتنى بشدة كيف استكمل محمد لطفى منصور سلسال والده وجده، تشعر وأنت تقرأ أن ابنه سيكمل المسيرة، وأن الحفيد سيواصلها من بعده، يبدو أن هناك دستورا غير مكتوب يحكم هذه العائلة، مبادئ ثابتة وطقوس أصيلة، تمنحها قوة الاستمرار عبر الأجيال.
فلم يولد محمد لطفى منصور وفى فمه ملعقة من ذهب كما يظن البعض.. صحيح أن والده وجده كانا من عائلة عريقة ذات تاريخ طويل، لكنه لم يكن مرفها ولا مدللا، بل خرج من رحم المعاناة، ولد اسمه كبيرا وبقى كذلك، وسيخلده التاريخ لا بما ورثه، بل بما فعله.
حتى اسمه يحمل دلالة خاصة، فاسمه المركب «محمد يونس» لم يأتِ مصادفة، فقد اختار والده اسمه بالطريقة نفسها التى سمى بها إخوته إسماعيل ويوسف، إذ كان يفتح المصحف الشريف على صفحة دون تخطيط، ويختار اسم أول نبى تقع عليه عيناه، وعندما فعل ذلك هذه المرة، وجد اسم النبى يونس عليه السلام، فاختاره.. لكن المفارقة جاءت من خالته التى اتصلت بأبيه وكان آنذاك فى أمريكا، لتخبره بأن ميلاده تزامن مع الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، عندها قرر والده أن يضيف إلى الاسم «محمد»، ليصبح اسمه مركبا يجمع بين اسمى نبيين كريمين.
وتساءلت وأنا أقرأ الكتاب: كيف لطفل صغير يتعرض لحادث ألزمه الفراش ثلاث سنوات، أفقده القدرة على الحركة واللعب، أن يعود للحياة من جديد؟ وكيف لمنْ أصيب بالسرطان أثناء دراسته فى أمريكا أن يتحدى المرض ويبدأ من الصفر مرة أخرى؟ ثم أزمات الدراسة من هندسة الطيران إلى هندسة المنسوجات.. وتحديات متكررة حتى بعد التخرج.. من أزمة إلى أخرى، من شركة إلى أخرى، من كيان إلى كيان، وهو يزداد تحديا وخبرة وإصرارا.
كل أزمة قرأتها فى الكتاب كانت تزيده أملا وإيمانا بأن النجاح قادم، وهو ما تحقق فعلا فى هذا الكيان الاقتصادى العملاق الذى بناه، وقد أشار محمد لطفى منصور فى كتابه إلى أن قوة التحمل ورثها عن أبيه، فالأب أيضا كان كتلة من الصمود والإيجابية، وهذا ما جاء فى فصل بعنوان «أبى رجل ضد الصدمات».
واجه قرارات التأميم فى عهد عبد الناصر، وفقد شركاته، لكنه لم ينكسر، بل بدأ من جديد فى كل مرة، من الحكومة إلى القطاع الخاص ومن مصر إلى السودان، ومن تجارة القطن إلى تصنيع السيارات.
ومن هذه الطاقة ورث الابن دروس الصبر والعزيمة، وهو اليوم يحاول أن يورثها بدوره إلى أبنائه منصور ولطفى وأحفاده من بعدهم.
أعجبنى أكثر كيف يسعى محمد لطفى منصور إلى زرع القيم والخبرات فى نفوس أبنائه، فلا يمنحهم «ملاعق من ذهب»، بل يدفعهم إلى الاعتماد على أنفسهم، وتحمل المسئولية، ليعرفوا طعم الكفاح، فهو يؤمن أن البداية القوية تحتاج إلى تعب وتدرب ومشقة، حتى يأتى النجاح متينا ومستداما.
الكتاب يُظهر أن مجموعة منصور ليست مجرد كيان اقتصادي، بل تاريخ عائلى مؤسس على مبادئ العمل والالتزام.. فمجالات استثمارها تمتد من السيارات إلى التكنولوجيا، ومن الصحة والتعليم إلى الطاقة والتعدين والإسكان، فى مصر وإفريقيا وآسيا وأمريكا وأوروبا.. رحلة عالمية لا تعرف التوقف، تحكمها روح المبادرة وحكمة الإدارة.
وفى ثنايا السيرة، نجد الكثير من القيم الفلسفية والحكم التى شكلت وعى محمد لطفى منصور، إذ يستشهد منذ المقدمة ببيت للشاعر الأمريكى صامويل مانتوش يقول فيه: «لا يمتعنا الشراب الفائض إلا بعد صبه»، وهو ما يعنى أن تحقيق الغايات يستلزم عملا جيدا، وأن أصغر الأشياء يمكن أن يحقق أكبر الطموحات.
الكتاب يكشف كذلك عن الأثر العميق الذى تركته الإسكندرية فى حياته، تلك المدينة التى شكلت ملامح طفولته وشبابه، وشاطئ «نفرتيتى» فى قصر المنتزه الذى لا يزال يأخذه الحنين إليه كلما سمع أغنية «فى يوم فى شهر فى سنة» لعبد الحليم حافظ.
فى تلك اللحظات يستعيد محمد لطفى منصور شريط حياته من الإسكندرية إلى أمريكا، ومن الاقتصاد إلى السياسة إلى الرياضة، فى مسيرة طويلة تستحق أن تُروى للأجيال القادمة.
وبعيدا عن أن الكتاب يحمل بضعا من الذكريات إلا أننى أرى أن هذه السيرة يجب أن تُدرس فى المدارس، أو تقدم فى عمل تلفزيونى أو فيلم وثائقي، ليس لأنها تحكى عن رجل أعمال ناجح، بل لأنها تحكى عن إنسان صلب استطاع أن يحول كل محنة إلى منحة، وعن نموذج يُحتذى به فى الإيمان بالعمل والأمل.
وحسب ما جاء على غلاف الكتاب يقول الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء: يمثل رائد الأعمال المصرى محمد لطفى منصور نموذجا فذا للشخصيات المصرية الجديرة بالاحترام والتقدير، وهو بلا شك رجل أعمال وطنى يؤدى دورا عظيما فى مساندة اقتصاد بلده وتشجيعه، كونه قدوة حسنة، ومثالا شديد التميز، وقصة نجاح يحتذى بها للمستثمرين الجادين الراغبين فى عمل مشروعات تنموية مستدامة، وأيضا من خلال ما يبذله من عطاء فى دعم مصر ومساندتها بمبادرات خلاقة تمثل قيمة مضافة للصناعة والاستثمار، وتوفر فرص عمل لآلاف الشباب المتميز.
لقد شهدت بفخر بعض ما قدمته مجموعة منصور بقيادة محمد لطفى منصور من إسهامات اقتصادية، واجتماعية عظيمة للمصريين وهى تدل ليس فقط على وطنيته بل على حسه الأخلاقى، والإيمان بضرورة دمج التنمية بخدمة الوطن والمجتمع.
محمد منصور يمثل بحضوره العالمي، ونجاحه، وريادته فى مجالات الاستثمار المختلفة نموذجا يؤكد أننا قادرون على التميز، والإجادة، والقيادة، لقد أسس وأدار باقتدار كيانا عالميا يحمل اسم مصر.
بينما يقول الدكتور محمود محيى الدين الخبير الاقتصادى الدولى ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لتمويل التنمية: إن توثيق مسيرة الرواد وأصحاب الإسهامات المتميزة فى مجالات الحياة والعمل، لا يقتصر بحال على إبراز إنجازاتهم وتكريمهم، ولكنه يتعدى هذا إلى ما هو أعمق أثرا بالتعرف على دروس وعبر وعظات لتعميم الفائدة، وقد حرصت أثناء تكليفى بمسئولية الاستثمار فى مصر، على استحضار تجارب رواد الاستثمار المصريين فى النصف الأول من القرن العشرين، فى سلسلة حملت أسماء شكلت الحياة الاقتصادية من أهل السبق فى الصناعة، والزراعة، والتجارة.
فهذه السير تبدد الظنون بأن النجاح معلق بضربات حظ، أو أنه صفقات تثرى أصحابها بل تجد فى حياة الناجحين المعاصرين مثل محمد لطفى منصور صاحب هذه المسيرة المشوقة فى تفاصيلها، مزيجا من المثابرة والمغامرة ومواجهة المصاعب والتحديات، وهو أحد القلائل المعدودين فى محيطنا العربى الذين حققوا نجاحا مشهودًا، وحازوا مكانة عالمية رفيعة، بفضل تخطيط متقن، وإخلاص وتفان فى التنفيذ، بما يجعل فى الاطلاع على سيرته دروسا لمن ينشد التقدم، انتفاعا بخبرات متنوعة تراكمت على مدار مراحل حياته المثمرة.
وتشهد مسيرة رائد الأعمال المصرى محمد منصور على قدرة إنسان تميز فى تخطى الصعاب وتحقيق الطموحات، بسعى دءوب واجتهاد، خاصة أن نجاح صاحبها تجاوز حدود وطنه الأم مصر، إلى بلدان الجوار العربية، وامتد إلى بقاع مختلفة حول العالم.. وتجد فى هذه السيرة معالم عن كيفية بناء المؤسسات الكبرى بمعايير عالمية، وسبل مواجهة صعوبات العمل ومعوقاته المضنية، ولا تخلو المسيرة من لمحات إنسانية ودراما حياتية لصاحب حلم لا ينقطع فى طلب النجاح بعزيمة صمدت فى اختبارات عديدة، ومن الإسهامات المتوقعة من أصحاب الخبرات الفريدة والإنجازات الاستثنائية أن يشركوا معهم عموم الناس فى تجاربهم؛ إذ تشكل بنشرها، بصدق وتجرد، كما فعل محمد منصور، دليلا عمليا للطامحين إلى النجاح من الأجيال الجديدة فى مصر وحول العالم.
كما قالت الدكتورة هالة السعيد مستشار رئيس الجمهورية للشئون الاقتصادية ووزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية سابقا: سيبقى رجل الأعمال محمد لطفى منصور رمزا من الرموز المصرية التى تدعو إلى الفخر بما حققه من نجاحات، وما أسسه من مشروعات تنموية وخيرية فى مصر والعالم، إننا نشعر بسعادة بالغة أن هناك مواطنا مصريا أصيلا حقق هذه المكانة العظيمة فى العالم بمشروعاته واستثماراته. لقد حاز محمد منصور تكريما ملكيا بريطانيا فريدا من نوعه بحصوله على لقب سير ووسام الفروسية، وهو مدعاة للفخر والاعتزاز لأبناء الوطن العربى كافة. إن مجموعة منصور تحت قيادة سير محمد تسطر كل يوم حكاية نجاح عظيمة فى المجالات كافة، وهى نجاحات ناتجة عن فكر مؤسسى، وإدارة حكيمة واحترافية، وخبرات متراكمة، ولا شك أن التعرف على تفاصيل مسيرة حياة محمد منصور يمثل شغفا متواصلا للساعين إلى النجاح.
فى النهاية يمكننا القول إن مسيرة محمد لطفى منصور ليست فقط سيرة حياة رجل ناجح، بل كتاب فى فلسفة العمل والإصرار، كتاب يعيد تعريف معنى العائلة، ومعنى الوطنية، ومعنى أن تبنى حلمك بيدك لا بصدفة حظ، هى قصة إنسان بدأ من الصفر، وعلم أبناءه أن يبدأوا من الصفر، ليصنعوا من الإرادة مجدا جديدا، وهو دليل عملى لك أيها القارئ على أن النجاح لا يولد من الرفاهية والنعيم، بل فى العزيمة والصبر والجد.