تارة بأوكرانيا وتارة غزة، محاولة هنا وسعى هناك، والهدف فى النهاية كان الحصول على نوبل للسلام، وعلى الرغم من نجاحه فى التوصل لاتفاق فى غزة، فإن هذه المحاولة الأخيرة لم تمكّنه من احتضان حلمه بيده، وفى اللحظة الأخيرة ذهبت نوبل للسلام للمعارضة الفنزويلية، ماريا كورينا ماتشادو، ليتبخر حلم ترامب الذى كان ينشده.
اتهم البيت الأبيض لجنة نوبل بتغليب السياسة على السلام لمنحهم الجائزة لماتشادو المؤيدة للديمقراطية وذلك لعملها الدءوب فى تعزيز الحقوق الديمقراطية لشعب فنزويلا، وذلك رغم إعلان ترامب علانية عن رغبته فى الحصول على الجائزة، منسبًا إليه الفضل فى إنهاء العديد من النزاعات العالمية، وقد أثار ذلك خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر.
ومع ذلك، صرح مسئول كبير فى البيت الأبيض لشبكة «سى بى إس»، بأن ترامب اتصل بماتشادو لتهنئتها لاستحقاقها الجائزة، وكان ستيفن تشيونغ، مدير الاتصالات فى البيت الأبيض، كتب على موقع «إكس» عقب الإعلان «أن لجنة نوبل تعلى من شأن السياسة على حساب السلام، وقال إن ترامب سيواصل إبرام اتفاقيات السلام وإنهاء الحروب وإنقاذ الأرواح وأنه شخص ذو قلب حىّ، ولن يكون هناك مَن يضاهيه فى تحريك الجبال بقوة إرادته».
يُذكر أن ترامب لعب دورا هاما فى فرض اتفاق متعدد المراحل لوقف إطلاق النار فى غزة، والذى أعلن عنه قبل يومين من منحه جائزة نوبل للسلام، كما كان ترامب قد أكد سابقا أنه أنهى العديد من الصراعات العالمية خلال الفترة التى قضاها فى ولايته السابقة، لذا كان طموح ترامب بنوبل لا يخفى على أحد، وأصبح إقران اسمه بالجائزة أمرًا شائعًا بين القادة الذين يسعون إلى تعزيز المصالح الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، حتى إن البيت الأبيض أطلق عليه «رئيس السلام» عقب إعلان وقف إطلاق النار فى غزة.
لكن يبقى السؤال: لماذا بعد تلك الجهود لم ينَل ترامب ما تمناه، السر يكمن فيما تعتقده لجنة الجائزة فى أوسلو، حيث تعتقد اللجنة أنه يسعى لتفكيك النظام العالمى الذى تتمسك به اللجنة، كما أن ضغوطه فى فرض نفسه على الجائزة ربما أتت بنتائج عكسية، حيث كانت اللجنة تطرح أن تذهب الجائزة لإحدى المنظمات الإنسانية التى خفّض ترامب الدعم عنها؛ مثل مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، أو اليونيسيف وغيرهما.
كما صرح آسلى سفين، مؤرخ الجائزة، بأن ترامب لم تكن له فرصة للفوز بالجائزة وذلك لدعمه لإسرائيل فى حرب غزة وكذلك محاولة التقارب مع روسيا التى تشنّ حربًا على أوكرانيا، وهو ما يخالف نص وصية ألفريد نوبل صاحب الجائزة الذى نص على أن نوبل للسلام تُمنح للشخص الذى بذل أقصى جهد أو أفضله لتعزيز الصداقة بين الأمم.
وهذا ما لم يفعله ترامب كما صرحت لينا غرايغر، مديرة معهد أبحاث السلام فى أوسلو، التى قالت فى تصريحات لـ«رويترز» قبل الإعلان عن النتائج إن ترامب لم يفعل ذلك، فقد انسحبت الولايات المتحدة تحت حكمه من اتفاقية باريس للمناخ، ومنظمة الصحة العالمية، وشنت حربًا تجارية على أصدقائها الحاليين والقدامى.
وصرح الدكتور مهدى العفيفى عضو الحزب الديمقراطى فى تصريحاته للمصور بأن ترامب كرر الإشارة لجائزة نوبل بخطاباته مما يعتبر نوعاً من الضغط غير المقبول، كما أن اتصالاته بمسئولين أوروبيين وسعيه لإقناع لجنة نوبل اعتبرت تصرفا غير لائق، غير أن الترشيحات كانت قد أقرت بالفعل منذ بداية العام، وما تبقى إلا أن تقرر اللجنة، ولم تحاول اللجنة أن ترضى غرور ترامب فى أن يكون أهم شخص فى العالم.
وبحسب البعض، فإن بعض الأشخاص غير المتوقعين قد يحصلون على نوبل للسلام حتى أولئك الذين لهم سجل استبدادى أو الذين لهم تاريخ ساهموا فيه فى الشر أو على الأقل فى ارتكاب أفعال خاطئة، لكنهم فى وقت ما يدركون أن الأمور التى ساهموا فيها كانت خاطئة، وبالتالى اتخذوا الخطوات لتصحيح ما فعلوه مثل فريدريك دى كليرك آخر زعيم فى فترة الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا، والذى فاز بالجائزة مناصفة مع نيلسون ميندلا عام 1993.
كما أن حملته وضغطه الشديد للحصول على الجائزة كان لها تأثير سلبى أكثر من تأثيرها الإيجابى، فهو أسلوب لا ينفع مع لجنة الجائزة التى تفضل العمل فى الغرفة المغلقة دون أى محاولات للتأثير عليها، لكن من جهة نظر البعض أيضا أن اختيار ماتشادو ربما جاء لتجنب ردود فعل ترامب ومحاولة لتجنب نوبات غيظه.
ففى النهاية، ماتشادو تمثل المعارضة فى فنزويلا التى تدعمها الولايات المتحدة على كل حال، فى مقابل الرئيس الحالى نيكولاس مادورو الذى تصفه الولايات المتحدة بالديكتاتور، وتفرض عليه عقوبات اقتصادية وتسعى للإطاحة به من منصبه.
ماتشادو أيضا استغلت الموقف وقالت إنها تهدى الجائزة لترامب، حيث كتبت منشورًا على منصة «إكس» قالت فيه: «نحن على عتبة النصر، واليوم أكثر من أى وقت مضى نعول على الرئيس ترامب وشعب الولايات المتحدة وشعوب أمريكا اللاتينية والدول الديمقراطية فى العالم كحلفائنا الرئيسيين لتحقيق الحرية والديمقراطية، أهدى هذه الجائزة إلى الشعب المعذب فى فنزويلا وإلى الرئيس ترامب لدعمه الحاسم لقضيتنا».
ترامب أيضا كان أظهر دعمه لماتشادو فى يناير الماضى لتعبيرها السلمى عن أصوات وإرادة الشعب الفنزويلى من خلال مئات الآلاف من المتظاهرين ضد النظام، وفازت ماتشادو بعضوية الجمعية الوطنية فى البلاد عام 2010، ورغم فرار الملايين من الأشخاص بقت ماتشادو لتخوض الانتخابات الرئاسية كمرشحة المعارضة ضد الرئيس، لكن تم حظر ترشحها بحجة اتهامها بانتهاكات مالية أثناء عملها كمشرعة وأيدت مرشحًا آخر فى 2024، التى ادعت المعارضة خلالها أنها فازت بها، لكن مادورو رفض التخلى حينها عن الرئاسة.
أما لجنة نوبل، فقالت إن ماتشادو تستوفى المعايير الثلاثة للجنة والواردة فى وصية ألفريد نوبل لاختيار المرشح لجائزة السلام وهى نزع السلاح، حيث أصرت على انتقال سلمى للسلطة، والأخوة بين الأمم ومؤتمرات السلام، لتبعد بذلك ماتشادو حلم ترامب على الأقل هذا العام.