على ضفاف نهر الفرات في مدينة السماوة جنوب العراق، ولد عام 1928 رجل قُدّر له أن يصبح أحد أعمدة المسرح العربي وأيقوناته الخالدة، وهو كاتب وممثل ومخرج عراقي، ساهم كثيرا في إثراء الحركة الفنية بصفة عامة والمسرحية بصفة خاصة بالعراق، وكان أستاذًا متمرس في العلوم المسرحية بكلية الفنون الجميلة جامعة بغداد، إنه سامي عبد الحميد الذي حمل لقب «عميد المسرح العراقي» عن جدارة واستحقاق، بعد مسيرة فنية وأكاديمية امتدت لأكثر من ستة عقود من العطاء المتواصل.
ولم يكن سامي عبد الحميد فنان بارع يجيد فنون التمثيل والإخراج فحسب، فقد كان مؤسسة ثقافية متكاملة جمعت بين الإبداع الفني والبحث الأكاديمي والتنظير المسرحي، ككاتب وممثل ومخرج وأستاذ جامعي، ساهم في إثراء الحركة المسرحية العراقية والعربية بصورة لا تُضاهى، تاركا بصمة واضحة في كل مجال لمسته يداه المبدعتان.
من خشبة متواضعة في مدينة تكريت حيث قدّم دوره الأول في مسرحية «البخيل» لموليير وهو طالب في المرحلة المتوسطة، إلى أرقى المنصات المسرحية في العالم العربي وخارجه، رسم سامي عبد الحميد مساراً استثنائياً يجمع بين الشغف الفني والصرامة الأكاديمية، بين الأصالة العربية والانفتاح على التجارب العالمية، بين النظرية والتطبيق.
درّس العلوم المسرحية في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، حاملًا مؤهلات أكاديمية رفيعة من بريطانيا والولايات المتحدة، وشغل مناصب قيادية مهمة كرئيس لاتحاد المسرحيين العرب ونقيب للفنانين العراقيين، لكن أعظم إنجازاته تبقى في تلك العروض المسرحية الخالدة، والكتب المرجعية، والترجمات القيّمة، والبحوث العميقة التي أغنت المكتبة المسرحية العربية.
الميلاد والنشأة
ولد الفنان سامي عبد الحميد في السماوة عام 1928م، بجنوب العراق، م على ضفاف نهر الفرات وهي مركز محافظة المثنى، ووالده عبد الحميد كان مديرا للمال في الحكومة العراقية، كانت المرة الأولى التي اعتلى فيها خشبة المسرح في مدينة تكريت، عندما كان طالبا في متوسطة التفيّض الأهلية بعد أن لعب دورا في مسرحية «البخيل» للشاعر الفرنسي موليير، ولبراعة أكمل دراسته الإعدادية في مدينة الديوانية، وأكمل دراسة الحقوق في بغداد.
درّس «عبد الحميد» العلوم المسرحية في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، حاصل على ليسانس الحقوق ودبلوم من الأكاديمية الملكية لفنون الدراما في لندن وماجستير في العلوم المسرحية من جامعة أوريغون في الولايات المتحدة، شغل منصب رئيس اتحاد المسرحيين العرب وعضو لجنة المسرح العراقي وعضو المركز العراقي للمسرح ونقيب سابق للفنانين العراقيين.
انضم «عبد الحميد» لفرقة المسرح الحديث من وقت تأسيسها في عام 1959م، وشارك في أغلب أعمالها في الإخراج والتمثيل. ألّف عدة كتب تخص الفن المسرحي منها: فن الإلقاء، وفن التمثيل، وفن الإخراج.
ترجم «عبد الحميد» عدة كتب تخص الفن المسرحي منها: العناصر الأساسية لإخراج المسرحية لألكسندر دين، وتصميم الحركة لأوكسنفورد، والمكان الخالي لبروك.
وكتب عشرات البحوث من أهمها: الملامح العربية في مسرح شكسبير، والسبيل لإيجاد مسرح عربي متميز، والعربية الفصحى والعرض المسرحي، وصدى الاتجاهات المعاصرة في المسرح العربي.
شارك المسرحي العراقي سامي عبد الحميد في عدة مهرجانات مسرحية ممثلًا ومخرجًا أو ضيفًا منها: «مهرجان قرطاج، ومهرجان المسرح الأردني، ومهرجان ربيع المسرح في المغرب ومهرجان كونفرسانو في إيطاليا ومهرجان جامعات الخليج العربي وأيام الشارقة المسرحية».
ومن أشهر عروض سامي عبد الحميد الإخراجية المسرحية.. «ثورة الزنج»، و«ملحمة كلكامش»، و«بيت برناردا»، و«ألبا»، و«أنتيجوني»، و«المفتاح»، و«في انتظار جودو»، و«عطيل في المطبخ»، و«هاملت عربيا»، والزنوج، و«القرد كثيف الشعر».
أفلام سينمائية
وشارك سامي عبد الحميد في أفلام.. «من المسؤول»؟ - 1956م إخراج: عبد الجبار ولي، فيلم «نبوخذ نصر» 1962م، إخراج: كامل العزاوي، أول فيلم عراقي ملون، المنعطف » 1975، إخراج: جعفر علي.
و«الأسوار» 1979م إخراج محمد شكري جميل، «المسألة الكبرى» 1982م، إخراج محمد شكري جميل، «الفارس والجبل »1987م، إخراج محمد شكري جميل، «كرنتينا» للمخرج: عدي رشيد.
المسرحيات التي مثلها
«مسرحيتي النخلة والجيران »، «بغداد الأزل بين الجد والهزل» للمخرج المسرحي الراحل: قاسم محمد.
مسرحية «الإنسان الطيب» للمخرج المسرحي الراحل عوني كرومي، ومسرحيتي «انسو هيروسترات» لمؤلفها العالمي جريجوري غورين و«قمر من دم» إخراج فاضل خليل «غربة» إخراج كريم خنجر.
مشاركات في التلفزيون
مسلسل «النسر وعيون المدينة» عام 1983م «رجال الظل» عام 1997، «أبو جعفر المنصور» عام 1998م أشهى الموائد في مدينة القواعد عام 1999م الإمام الشافعي عام 2002
جوائز وتكريمات
حصل سامي عبد الحميد على الكثير من الجوائز والأوسمة منها: جائزة التتويج من مهرجان قرطاج، ووسام الثقافة التونسي من رئيس جمهورية تونس، وجائزة الإبداع من وزارة الثقافة والإعلام العراقية، وجائزة أفضل ممثل في مهرجان بغداد للمسرح العربي الأول، وجائزة التجريب من مهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة.
رحيل وأثر باق
رحل عن عن عالمنا سامي عبد الحميد في مثل هذا اليوم صباح الأحد 29 سبتمبر 2019 م ،في العاصمة الأردنية عمان عن عمر ناهز الواحد والتسعين عامًا، بعد صراع مع المرض، تاركًا إرثًا ثقافياً وفنياً لا يُقدّر بثمن، وذكرى خالدة في قلوب كل من عرفه أو تتلمذ على يديه أو تابع أعماله الفنية الرائدة، وسيبقى أثره في المسرح العراقي والعربي باقيًا ما حيينا.