رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«دكتور فاوست» وقضية العدالة الثقافية (1)


25-9-2025 | 16:59

.

طباعة
بقلم: محمد عبد الحافظ ناصف

قضية العدالة الثقافية واحدة من القضايا الثقافية المهمة التي توليها وزارة الثقافة بقيادة الدكتور أحمد فؤاد هنو اهتماما كبيرا في صورة عدد من البرامج والمبادرات والأنشطة النوعية التي تقدمها لعدد من الفئات الخاصة على مستوى الفئات والمكان.

يأتي برنامج العدالة الثقافية مأخوذا من الهدف الثاني لبرنامج الحكومة بصفة عامة وبرنامج وزارة الثقافة بصفة خاصة، فبناء الإنسان المصري أحد أهم الأهداف الاستراتيجية بعد حماية الأمن القومي وهو الهدف الذي يهتم به الرئيس عبد الفتاح السيسي اهتماما كبيرا.

 

قد انبثق من هذا الهدف عدة مشاريع ومبادرات عظيمة مثل «حياة كريمة» للقرية المصرية و«بداية جديدة لبناء الإنسان و«100 مليون صحة» وأخيرا مشروع المواجهة والتجوال فى ثوبه الجديد الشامل بعد رعاية الرئيس له؛ هذا المشروع الثقافى الفنى الضخم الذى يستهدف مليون مواطن وما يقرب من 120 قرية مصرية.

ومن المشاريع الفنية الشاملة التى تستهدف وعى وثقافة وترفيه المواطن فى الأقاليم مشروع 500 ليلة مسرحية؛ وهو مشروع يواجه مجموعة من التحديات والفرص التى من الممكن أن تحول المواقع من قصور وبيوت ومكتبات فى الأقاليم لشعلة نشاط متكامل، وقد سعدت الأسبوع الماضى بمشاهدة عرض مسرحى متكامل بقصر ثقافة الزقازيق مع رئيس إقليم شرق الدلتا الثقافى الشاعر والمسرحى أحمد سامى خاطر الذى زلل أية عقبات لتنفيذ هذا العرض ضمن مهرجان «500 ليلة مسرحية» بثقافة الشرقية وكان العرض المسرحى «نهاية فاوست» الذى تنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان، فى إطار برامج وزارة الثقافة لدعم برنامج العدالة الثقافية إضافة للبرامج الأخرى.

ويصنف العرض ضمن التجارب النوعية التى تقدمها الإدارة العامة للمسرح بقصر ثقافة الزقازيق التابع لفرع ثقافة الشرقية، وتم تنفيذه فى قاعة بالدور الثانى من القصر وليس على خشبة مسرح كعلبة إيطالى، ويأتى عرض «نهاية فاوست» كمعالجة درامية مستوحاة عن نص رواية «فاوست» للأديب الألمانى يوهان جوته، دراما تورج وإخراج الفنان محمد الدرة.

والجدير بالذكر أن عروض مسرح القاعة تتميز دائما بحالة فنية عالية نتيجة تفاعل الممثل المباشر مع المتفرج من المسافة صفر كما يقول العسكريون وكذلك باقى عناصر العمل، لدرجة أن الجميع فى النهاية يتحولون لشيء واحد وهدف واحد داخل تلك القاعة المتعددة الأغراض؛ فتداخل أنفاس الممثل مع الجمهور والديكور والموسيقى والغناء والاستعراض يضعنا جميعا فى حالة مسرحية متكاملة، وهذا ما تم التعبير عنه العرض فعلا، فلن يشعر المتفرج أنه بعيد عن أى عنصر من عناصر العرض المسرحى بل سيشعر أنه مشارك فيه وجزء منه، لذا أرى أن نتوسع فى عروض التجارب النوعية التى تقدم فى القاعات لعدة أسباب منها السبب الفنى الذى سبق ذكره، إضافة إلى أن عروض القاعة من الممكن أن تحل العديد من المشاكل مثل عدم وجود مسرح علبة إيطالى يحتاج لعشرات الملايين وتحتاج أكواد الحماية المدنية لها لملايين الجنيهات أيضا، وقد استطاع المخرج محمد الدرة مع مهندس الديكور محمد حسن وإضاءة محمد ممدوح من تشكيل القاعة لتناسب معمل الدكتور فاوست فصمم فى تلك القاعة دخول وخروج الممثلين بشكل سلس وبسيط لم يحدث أى ارتباك بسبب ضيق القاعة إلى حد ما ولكن ذلك أحدث حالة من التوحد ما بين الممثلين والمتفرجين.

تدور أحداث المسرحية حول العالم الشهير فاوست ورغبته فى تحقيق المتعة المطلقة والتغلب على حقيقة الموت التى لم يستطع الطب أن يتغلب عليها فيلجأ للسحر من خلال كتاب كان فى معمله وضعه الشيطان الأكبر كى يشتته بالطبع، ويبدأ الدكتور فاوست فى البحث عن وسيلة أخرى ربما يجدها عند الشيطان الذى يظهر له فى صورة أنثى ويقيم معه معاهدة لمدة عامين من المتعة على أن يصبح فاوست تابعا وعابدا لها الشيطان، ويستخدم فاوست فى كتابة عقد الطرفين بحبر يتم اختفاؤه بعد عامين كى يكون فى حل من هذا الاتفاق ويحاول أن يكتشف طبيعة الحياة والسؤال الذى يطرح ببساطة: من قادر على خداع من، الإنسان أم الشيطان؟ قدم لنا المخرج والمؤلف محمد الدرة رؤية جديدة جديرة بالتقدير؛ فالسحر وتحضير الأرواح الشيطانية كان وسيلة لفاوست لمعرفة ما الذى ربما يحدث فى المستقبل، وترافقه فى هذه الرحلة مساعدته “فاكثر” السكرتيرة الذكية المجتهدة التى تعشقه وتحبه وتجيد ما تقوم به كما كانت تتابع ما يحدث له، والجدير بالذكر أن أحداث العرض تدور فى إطار درامى خفيف الظل من جانب محمود رفعت «فاوست» وسكرتيرته «فاكثر».

وأرى أن عرض “نهاية فاوست” أحد العروض المتميزة التى شاهدتها لعروض مسرح الثقافة الجماهيرية خلال هذا العام ويتميز بأنه تجربة نوعية حققت فعلا مقاييس الأعمال التى تتمتع بحالة من التدريب وتحتاج إلى مجهود ورؤية لتنفيذها وقد قام المخرج وفريق العمل بتقديم عرض مميز استطاع أن يمسك بتلابيب ومشاعر المتفرج من البداية للنهاية وذلك لتنوع فى الأداء وتميزت كل عناصره بحالة جيدة جدا وخاصة الأداء التمثيلى “لنهاية فاوست” ومنهم محمود رفعت الذى حقق جائزة أحسن ممثل والشيطانة سهر عثمان بجائزة أحسن ممثلة، كما تميزت السكرتيرة جنا فاروق بأداء تمثيلى متميز يستحق التقدير.

وقد استطاع الإخراج تقديم العرض فى حالة قريبة من الاكتمال والمتعة جعلتنى مشبعا مسرحيا بفرجة جيدة جديرة بالمشاهدة وسعيدا بقدرات وإمكانيات أحد شباب الهيئة المتميزين فى كثير من الشئون الفنية، فمحمد الدرة كادر فنى يمتلك ناصية الكتابة والإخراج والتصوير وصناعة بعض فنون السينما.

وجاء تصميم إضاءة محمد ممدوح جيداً جداً ومتلائماً مع واقع الديكور وحجم القاعة ومناسبة الملابس والأداء، وتنفيذ إضاءة المسرحية حسين على وعبد الله أحمد، وجاء ديكور محمد حسن متميزاً ومناسباً لحجم القاعة ومعبراً عن معمل دكتور فاوست وتنفيذ محمود عبد الحميد، وآية لطفى وفرح وفائى ولقاء محمود، تناغمت ألحان محمد شحاته مع الحالة المتنوعة والمختلفة التى كان عليها فاوست والشيطانة وكذا الحالة العامة، ورغم ضيق القاعة إلى حد ما إلا أن استعراضات وليد المصرى ناسب المكان والحالة الصراعية بين فاوست والشيطان، شارك فى أعمال الإخراج وكتابة الأشعار مريم عمر، تنفيذ موسيقى محمد أصيل.

وختاماً كل التحية للمسئولين بإقليم شرق الدلتا برئاسة الشاعر أحمد سامى خاطر وفرع ثقافة الشرقية وقصر ثقافة الزقازيق الذى دبر مكانا جيدا لتقديم هذا العرض النوعى المختلف وكذا لفنانى الشرقية الحقيقيين الذين قدموا عرضا فنيا راقيا يليق بهم ولإدارة المسرح برئاسة سمر الوزير والشئون الفنية بالهيئة برئاسة الفنان أحمد الشافعى للتأكيد على تنفيذ مهرجان الـ 500 ليلة مسرحية رغم بعض الصعوبات.

الاكثر قراءة