أهدانى الدكتور خالد أبوالليل أستاذ الأدب الشعبى، وصاحب الكُتُب الكثيرة التى تتناول هذا الجانب. أهدانى باعتباره رئيسًا لهيئة الكتاب، كتاب: ليالى سُطيح للشاعر حافظ إبراهيم «1872 – 1932»، واسمه مكتوب بالداخل محمد حافظ إبراهيم، ضمن سلسلة أدباء القرن العشرين التى يرأس تحريرها الدكتور حسين البنهاوى، وتدير تحريرها شيماء حبشى، ويتولى سكرتارية التحرير ياسر محمد محمود.
وكتب له مقدمة عبدالرحمن صدقى المولود سنة 1896 والذى رحل 1973، وهو شاعر مصرى من المنصورة، وقد أهدى مكتبته إلى دار الكُتُب وعمل فى حياته فى وزارة المعارف وفى دار الأوبرا. يكتب فى مقدمته المهمة والتاريخية:
لعله من الواجب قبل أن نمضى فى حديث ليالى سُطيح المقصود من لفظ سُطيح المُضاف إلى الليالى فى عنوان الكتاب، هل هو كما قد يتبادر إلى بعض الأذهان المستلقى على ظهره من زمانه أو من مرضٍ أضناه أو وهن كهولة أعجزه عن القيام وأعياه؟ أم أنه اسم علم من الأعلام؟ أم الاثنين معًا؟ وهل هو شخصية تاريخية أم شخصية أسطورية؟
وهذا الكتاب له قيمة تاريخية، وقد شاء شاعرنا حافظ إبراهيم فى وصف لياليه على النيل، وهى الليالى التى جلاها علينا فى أوائل القرن الواحد والعشرين وعلى التحديد عام 1906 أن يجعل نسبة هذه الليالى إلى سُطيح الذى ترجع وفاته إلى الجزيرة العربية فى أواخر عهد الجاهلية فى القرن السادس الميلادى، وعلى التحديد عام 570، وهو العام الذى شهد مولد النبى الكريم محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب عليه الصلاة والسلام.
وهكذا نجد الراوية فى كتاب ليالى سُطيح، وهو يروى لنا وقائع زماننا الأخير يأبى إلا أن يتخذ سُطيح حكيم الزمان القديم وكاهن الجاهلية الأول وعرَّافها حكمًا يوَّثق فى القضايا الحديثة التى يعرضها عليه فى تلك الليالى العجيبة لينظُر فيها كعهده بعين الغيب فيجلو غامضها ويُخبِر عن عواقبها.
من المؤكد أن كل ما فى ليالى سُطيح ماعدا سُطيح نفسه لا يتعدى كونه شخصيات حقيقية وأحداث واقعية منقولة عن الماضى القريب، فمن أراد أن يعرف هذا الماضى القريب منذ محنة الاحتلال الإنجليزى لمصر عام 1882 حتى مأساة دنشواى 1906 لن يجد سوى أدبية مُصغَّرة لتلك الحقبة المضطربة الزاخرة خيرًا من هذا الكتاب، فهو على الرغم من صِغَرِه لم يترك واردة ولا شاردة إلا أحصاها، لا إحصاء المؤرخ الموضوعى الهادئ بل إحصاء الذى عاشها وانفعل بها بعد أن شق غبارها واكتوى بنارها وأشفى على أغوارها.
من المؤكد أن تاريخ الأدب العربى يؤكد ويقول إن ليالى سُطيح من الآثار الأدبية التى تجمع إلى المتعة الجمالية قيمة الوثيقة التاريخية، وطرافة اللوحات التصويرية الحيَّة، وقوة النقد الهجائية للبيئة الاجتماعية، وروعة الدعوى إلى الإصلاح والنهضة. ومن أجل هذا جميعه كان هذا الكتاب ليالى سُطيح جديرًا بأن تتزود به كل مكتبة عربية ليرجع إليه القارئ فى الوطن العربى فى الحين بعد الحين من أجل المتعة والعبرة.
إن هذا الكتاب تنعكس على مرآته السحرية ذكريات واقعية معظمها فاجع، ولكن هذا الواقع الفاجع يُلطِّف من واقعيته، ويُخفِّف من فجاعته أنه أصبح فى ذمة الماضى، كما أن ذكرياته المروية يُجمِّل سردها أنها محكية على نسق الحوار بين شخصياتٍ مُتعددة وبصفة أساسية بين شخصية حافظ الحقيقية وشخصية سُطيح الأسطورية.
وقد استهوى هذا النسق فى معالجة الموضوعات الأدبية عموم القُرَّاء، وارتضاه مُعظم نُقَّادنا المعاصرين. حتى جعل البعض يعتبر هذا العمل الأدبى الذى يهدف إلى النقد الاجتماعى من الفن القصصى.
يبدأ سُطيح لياليه هكذا:
- حدَّث أحد أبناء النيل قال: ضاقت عن النفس مساحتها لِهَمٍ نزل بي، وأمرٍ بلغ منى، خرجت أُروِّحُ عنها وأُهوِّن عليها، فمازلت أسير والنيل حتى سال ذهب الأصيل. فإذا أنا من الأهرام قريب، وقد فتر منى العزم، وسَئِمتُ الحركة، فجلست أُنَفِّسُ عن كرب المسير، واضَّجعتُ وما تنبعث فى جارحة من التعب، وكنتُ من نفسى فى وحدة الضعيف، وجعلتُ أفكر فى هذا الدهر وأبنائه، فجرى على لسانى ذِكر ذلك البيت:
- عوى الذئبُ فاستأنست للذئب إذ عوى
وصوَّت إنسانٌ فكدتُ أطيرُ.
فرددته ما شئت
وتغنيت به ما استطعت
وقلتُ أى والله لقد صدق القائل: ما خلق الله أقل شُكرًا من الإنسان، ولا أطبع منه على الافتراء والبُهتان.
إنه كتابٌ مهم، تطرحه الهيئة المصرية العامة للكتاب بسعر 50 جنيهًا، رغم أن عدد صفحاته يوشك أن يقترب من 150 صفحة. وقد صدر من هذه السلسلة أعمالٌ مهمة.
