ناقشت مجموعة من الشباب خلال فعاليات النسخة الرابعة من مبادرة "رواد الشباب العربي"، التي ينظمها "مركز الشباب العربي" وتستمر حتى 19 سبتمبر الجاري في أبوظبي، إجابات بعض الأسئلة المحورية حول إلى أي مدى يستطيع الشباب العرب دخول ميادين الفضاء والذكاء الاصطناعي؟ وهل تكفي الحماسة الفردية وحدها لتجاوز التحديات، أم أن الأمر يحتاج إلى شراكات، بنى تحتية، ومعايير عربية تضع المنطقة في موقع الشريك الفاعل لا المستهلك؟
وقدّم الشباب المشاركون في مسار "الفضاء والتكنولوجيا"، أحد المسارات العشرة للمبادرة، رؤى متنوعة تلتقي عند هدف واحد: ترسيخ حضور عربي مؤثر على خريطة الفضاء والتقنيات المتقدمة.
يأتي هؤلاء الرواد ضمن 40 شاباً وشابة يمثلون 13 دولة عربية من بينهم مصر، حيث وقع اختيار الرواد في 10 مسارات متخصصة تشمل الصناعات والابتكار، الخدمة المجتمعية، البحث العلمي، الفضاء والتكنولوجيا، الطب والعلوم الصحية، الاستدامة والبيئة، ريادة الأعمال، التعليم، الهندسة، والإعلام والمواطنة الرقمية للمشاركة في هذه النسخة.
وبين من يرى أن البنية التحتية للإطلاق الفضائي هي الأولوية، ومن يؤكد أن الذكاء الاصطناعي يجب أن ينطلق من تحدياتنا اليومية، ومن يدعو إلى تحالف عربي وصوت موحد في الأمم المتحدة، جاءت الدعوة إلى أن تكون قطاعات الفضاء والتقنيات المطورة مشاريع وأفكاراً قابلة للتحقق من واقع العالم، وبما يتناسب مع منظور المواطن العربي.
ويرى مروان محي مصطفى، فيزيائي ورائد الأعمال في قطاع الفضاء، من مصر أن دخول الشباب العربي إلى قطاع الفضاء يتطلب ما هو أكبر من شغف فردي، إذ يحتاج إلى دعم حكومي قوي واستثمارات خاصة؛ حيث يقول: "القطاع في أساسه نشأ عالمياً بتمويل ضخم من الحكومات في الستينات والسبعينات، ثم دخلت الاستثمارات الخاصة لاحقاً. من دون هذا الدعم، يصعب على الشباب وحدهم اقتحام مجالات معقدة مثل بناء الصواريخ أو أنظمة الأقمار الصناعية أو حتى تحليل بياناتها". ويضيف أن الفضاء ليس قطاعاً منفصلاً، بل يخدم مجالات حيوية مثل الزراعة، التشييد، الإعلام، والخدمات اللوجستية، إلى جانب التطبيقات الدفاعية والتكنولوجية.
ويؤكد مروان أن الأولوية القصوى هي البنية التحتية الفضائية، وبالتحديد امتلاك وسيلة عربية مستقلة لإطلاق الأقمار الصناعية والحمولات إلى الفضاء؛ مشيراً إلى أن امتلاك منصات إطلاق وصناعة صواريخ عربية مشتركة سيمنح المنطقة استقلالية حقيقية، ويختصر سنوات الانتظار أمام "طوابير الإطلاق" في الخارج. ويرى مروان أن دولة الإمارات والسعودية والبحرين والكويت حققت خطوات مهمة في الأقمار الصناعية، لكن التحدي الأكبر ما يزال في الوصول المستقل إلى الفضاء.
من التذمّر إلى الإبداع
وحول مكان الشباب العرب من عالم الذكاء الاصطناعي، يشدد شريف غسان من الأردن، رائد الأعمال في قطاع الذكاء الاصطناعي، على أن العالم العربي بات مطالباً بأن ينظر إلى الذكاء الاصطناعي من زاوية مختلفة؛ إذ يرى أن المطلوب ليس استنساخ ما يفعله الغرب، بل استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة لحل مشكلاتنا المحلية؛ لأن التحديات التي يواجهها المواطن العربي ليست هي نفسها التي يواجهها المواطن الغربي، ومن ثمّ يجب أن تكون الحلول مبتكرة ومصممة بما يخدم الواقع العربي.
ويرى شريف أن المواطن العربي "كثيراً ما ينتقد الصعوبات التي تواجهه خلال يومه"، وهذا ليس سلبياً بالضرورة، بل يمكن تحويله إلى وقود للإبداع؛ فإذا كان الناس يعانون من الازدحام المروري، أو من ضعف الخدمات، فإن هذه شكاواهم تجاهها يجب أن تكون منطلقاً لتطوير حلول عملية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، بدلاً من الاكتفاء بإلقاء اللوم على الحكومات أو انتظار القرارات الكبرى. ويضيف أن صنّاع القرار في العالم العربي يلعبون دوراً محورياً، إذ وفروا دعماً متزايداً للابتكار، لكن التحدي الحقيقي يكمن في سرعة التنفيذ.
تحالف عربي لبناء وكالات فضائية
من جهتها، تشير المهندسة الميكانيكية ورائدة الفضاء التناظري، لمى العريمان من الكويت، إلى أن الدول العربية كانت من أوائل السبّاقين للإبداع في قطاع الفضاء، لكنها لم تستثمر هذا التقدّم بالشكل الكافي، وتؤكد أن الوقت قد حان لتغيير معادلة استيراد التقنيات الفضائية إلى تصديرها، خصوصاً مع الأمثلة البارزة التي تقودها دول مثل الإمارات والسعودية والبحرين.
وترى العريمان أن التجارب العالمية تثبت أن القوة الحقيقية في الفضاء تأتي من التعاون، كما فعلت وكالة الفضاء الأوروبية التي وحّدت جهود دولها وأصبحت قوة مؤثرة عالمياً. وبالنسبة للعالم العربي، فإن الخطوة الأولى يجب أن تكون في بناء وكالات فضاء وطنية، يليها تأسيس تحالف عربي موحّد، على أن يترافق ذلك مع تمثيل رسمي للعرب في لجان الفضاء التابعة للأمم المتحدة، مثل لجنة الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي؛ مؤكدة أن هذا التمثيل سيمنح المنطقة صوتاً مؤثراً في القرارات الدولية، ويفتح الباب أمام شراكات تقنية وبحثية تعزز حضور العرب في صناعة الفضاء العالمية.
المعايير وحضور الصوت العربي
وحول حل معادلة ضرورة التقنيات الحديثة مع الالتزام بأخلاقيات استخدامها، تؤكد سندس جابر الفارسي من الكويت، المتخصصة في البرمجيات والمديرة التقنية التنفيذية، أن الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتطورة بحاجة ماسة إلى إطار عربي واضح من المعايير والقوانين. وتشير إلى أن الاعتماد الكلي على النماذج والمعايير الغربية قد يعرّض بيانات المؤسسات والأفراد في المنطقة لمخاطر كبيرة، خاصة في ظل غياب ضمانات حقيقية لالتزام الشركات العالمية بحماية المعلومات.
وترى الفارسي أن المطلوب هو دمج التكنولوجيا بالقوانين والمعايير الدولية، مع العمل على صياغة معايير عربية خاصة تعكس خصوصية المجتمعات العربية، وتعزز أمن المعلومات وجودة التطبيقات، بما يمنح "الصوت العربي" حضوراً أوضح وأكثر تأثيراً في المشهد العالمي للتقنيات الحديثة.

