رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

دبلومــــاسيـة الـ«ردع»

4-9-2025 | 14:35
طباعة

الدولة القوية أفعال ومواقف لا شعارات وتصريحات، وكلما زادت المؤامرات المدبرة ضدها أو تعددت المخططات المصنوعة لتشتيتها ازدادت صلابة فى تمسكها بالثوابت الوطنية بلا تراجع، وعضت بالنواجذ على محددات أمنها القومى بلا مواربة، وقبضت على ركائز سيادتها بلا تنازل، ولا ترضى بديلا مهما كانت الضغوط للقبول بأى وضع ينال من هيبتها أو يمس كرامتها، مع الاستعداد الكامل لمواجهة التحديات كافة، والعقبات جمعاء، لتظل كلمة الحق والوطن هى العليا وكلمة الباطل والمتآمرين هى السفلى، وكما أكدت دروس التاريخ، وأثبتت وقائع الجغرافيا، أن الدولة المصرية على مر العقود وتعاقب القرون لا تقبل المساومات، ولا تخضع للابتزازات، ومن يحاول بخبث وسبق إصرار وترصد أن يختبر رد فعلها فى أى مرحلة، رد الله كيده فى نحره، ورجع خاسرا من حيث دبر.

فى الجمهورية الجديدة، أصبح التعامل بالندية، والتصرف على قدم المساواة مع جميع الدول، وكل القوى عقيدة راسخة، ومسارا إجباريا لدى الدولة المصرية، ونهجا واضحا للرئيس عبد الفتاح السيسى والدبلوماسية المصرية فى التعاطى مع مختلف القضايا الإقليمية وجميع الملفات الدولية، والانطلاق من مصلحة القاهرة فى المقام الأول بما يحقق تطلعات الشعب المصرى، ويصون مقدراته، ويضمن السيادة الوطنية بلا منازع، وخارج أي حسابات، وهذا التوجه ليس وليد السنوات الأخيرة أو مع تداعيات حرب غزة وما بها من عدوان غاشم على الأشقاء فى القطاع، وضغوط شديدة على القاهرة لتمرير مخطط التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، وهذا لن يحدث أبدًا، لكن الواقع يؤكد أن هذا الموقف الثابت للرئيس السيسى هو قناعة تامة حتى قبل توليه مسئولية البلاد، وهو ما جعله يتحدى كل الضغوط من حلفاء جماعة الإخوان الإرهابية داخليا وخارجيا وما أكثرهم، والانحياز للشعب الأبى فى ثورة 30 يونيو العظيمة حتى إسقاط حكم المرشد، ثم توالت ملحمة تحرير الوطن من أغلال التبعية التى قطع فيها الإخوان خلال عام واحد شوطا طويلا، ومشوارا ممتدا ما يجسد خيانتهم بالصوت والصورة، ويوثق خطاياهم الكبرى على مر التاريخ.

كما أن الرئيس السيسى تبنى بقوة مسار الندية للدبلوماسية المصرية، وسار بحزم فى طريق استقلال القرار الوطنى، ومن البداية لم تشغله الصعوبات الاقتصادية بعد عام الانهيار الإخوانى، ولم تمنعه المشكلات التى تركوها قائمة مع غالبية العواصم لجهلهم بإدارة شئون الدول على المستويين الداخلى والخارجى، بل وضع الرئيس الأمور فى نصابها حتى يكون الجميع على بينة من الأمر، فلا فرصة لاستغلال الظروف الاقتصادية من أجل وضع إملاءات، ولا مجال لتوظيف الأوضاع السياسية لفرض شروط، فها هو الرئيس منذ أكتوبر 2015 يؤكد خلال كلمته بالجلسة الافتتاحية لحوار المنامة فى مملكة البحرين أن مصر على استعداد للتفاعل مع أعضاء المجتمع الدولى، فى إطار الندية والاحترام المتبادل، وصولا إلى منظومة أمن جماعى تعيد إطلاق عجلة التنمية والتبادل التجارى والاستثمارى والثقافى والسياسى، ثم تتابعت الرسائل الرئاسية، وتوالت المواقف العملية التى تعلى مبدأ «التعامل بالمثل» مع أى دولة أو قوى فى كل الظروف، وكما قال الرئيس فى أحد المؤتمرات الصحفية: «مصر تمارس سياسة شريفة فى زمن عز فيه الشرف، وهى دولة رشيدة تحترم نفسها وتحترم الآخرين ولها وجه واحد وتتعامل مع أى أزمة بالحوار، ومصر عمرها ما هتكون ديل لحد»، وبالفعل يصعب الحصر ويتعسر العد لمواطن تلك السياسة الرشيدة، لكنها كانت وما زالت وستظل فى مواجهة المؤامرات الإسرائيلية الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية، فقد رفضت القاهرة مئات المليارات من الدولارات مع تصفير ديونها الخارجية لتمرير مخطط التهجير، وتواصل مهمة إنقاذ الأشقاء الفلسطينيين بالمساعدات عن طيب خاطر رغم الاتهامات الصهيوإخوانية ضدها، ومكيدة حصار السفارات المصرية معروفة للجميع، وغنية عن التعريف، وما خفى كان أعظم.

وطالما الشيء بالشيء يذكر، حكمة الدبلوماسية المصرية تجلت فى أجمل صورها، وظهرت فى أقوى مفرداتها خلال الرد على الافتراءات الإسرائيلية والأكاذيب الإخوانية حول تعطيل المساعدات وغلق معبر رفح، فلم تدخل وزارة الخارجية فى مهاترات الرد بالبيانات أو سباق التصريحات، لكنها تحلت بالاتزان، وتزينت بالهدوء، وتجملت بالصبر فى تفنيد الشائعات، وفضح مظاهرات إخوان تل أبيب، وكشف مكيدة التعدى على السفارات فى الدول الغربية فى ظل تواطؤ لا تخطئه عين من أجهزة الأمن فى تلك العواصم لتبرئة دولة الاحتلال تارة، ومجاملة للتنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية تارة أخرى، فقد اتسم الرد المصرى بالعقلانية، وغلبت عليه الاحترافية، فكان ولا يزال الأقوى فى التأثير والأبلغ فى التعبير، فليس من سمع أو قرأ كمن رأى بعينيه، واطمأن بقلبه، فتوالت جولات كبار المسئولين الأممين والدوليين من عدة دول إلى معبر رفح للتأكد من أنه لم يغلق ساعة واحدة منذ بدء العدوان، ورغم أنه معبر للأفراد فتحت مصر أبوابه على مصراعيها لدخول المساعدات إلى غزة، واستمر هذا الأمر حتى تدمير قوات الاحتلال للجانب الفلسطينى من المعبر عدة مرات، ورغم ذلك المخطط الإسرائيلى تدفقت شاحنات المساعدات المصرية بمعدل يفوق 70 فى المائة من إجمالى المساعدات من مصر وحدها إلى القطاع المحاصر، لكن سلطات الاحتلال تماطل وتتلكأ فى دخول آلاف الشاحنات من معبر كرم أبو سالم لدرجة أن الأغذية والأدوية تفسد من طول الانتظار.

وقد تنوعت زيارات الوفود الأممية والدولية إلى معبر رفح لتفقد المراكز اللوجستية المكدسة بأطنان المساعدات الإغاثية من سكرتير الأمم المتحدة إلى رؤساء الوزراء من عدة دول أوروبية وعربية، وأحدثها زيارة الوفد الأمريكى من مجلس الشيوخ هذا الأسبوع، والذى أشاد بالجهود التى تبذلها الدولة المصرية من أجل إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، فى ظل تعنت وتعسف قوات الاحتلال الإسرائيلى لمنع تدفق هذه المساعدات، وقد عبر عضوان من الحزب الديمقراطى عن التقدير العميق لدور القاهرة على الأرض لإنفاذ المساعدات، وتخفيف الكارثة الإنسانية التى يعيشها سكان قطاع غزة، مع الاستياء من ممارسات الاحتلال الإسرائيلى، التى تعرقل دخول المساعدات رغم وجود مئات الشاحنات المحملة بها، والمصطفة أمام المعبر، وبشهادة الأمريكان، هذا الواقع يُبرز الفارق فى النهج، حيث تبذل مصر جهودًا يومية ومتواصلة، بينما تتذرع إسرائيل بمبررات إدارية ووقتية تعطل وصول الإغاثات.

ومن المؤكد أن تلك الزيارات المتتابعة، وهذه الجولات المتلاحقة كفيلة بكشف أي حيل إخوانية وصهيونية للإساءة إلى السفارات المصرية فى الخارج، وبالتالى من حق مصر المعاملة بالمثل مع أى دولة تتخاذل فى حماية السفارة المصرية، فلا يعقل أن تغض هولندا الطرف عن تجاوز شباب التنظيم الدولى للإخوان وعملاء الكيان الصهيونى من خلال الصمت على محاولات غلق السفارة أو التعدى على حرمها بدعوى حرية الرأى والتعبير، رغم أن السلطات الهولندية تعلم علم اليقين بالدوافع الحقيقية لهؤلاء الكارهين، وأن فرية المساعدات مجرد أكذوبة لتشويه الموقف المصرى الصلب والمشرف فى رفض مخطط التهجير الذى سبق ووافقت عليه الجماعة الإرهابية خلال حكم المرشد، فضلا عن تنفيذ أوامر حكومة الاحتلال بمحاولة شغل الرأى العام العالمى عن جرائم الإبادة الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية، ومن هنا كانت توجيهات د. بدر عبد العاطى أسد الخارجية المصرية ووزيرها الشجاع لكل بعثاتنا الدبلوماسية بالقبض على أى مجرم يستهدف مقراتنا وتسليمه إلى أجهزة الأمن فى كل دولة، مع التأكيد أن أى عاصمة تتهاون فى حماية قنصلياتنا وسفاراتنا سيتم تخفيف الإجراءات الأمنية على سفاراتها وقنصلياتها عندنا بنفس القدر سيرًا على مبدأ الندية فى التعامل.

ومع انتقال عدوى تجاهل حملات الكيان الصهيونى وجماعة الإخوان الإرهابية على السفارات المصرية من تل أبيب إلى هولندا ثم بريطانيا، سجل شباب المصريين بالخارج ملحمة بطولية فى التصدى لهؤلاء الخونة عن طريق تنظيم «ورديات حراسة» للدفاع عن ممتلكات الوطن وبعثاته الدبلوماسية، لكن المريب أن السلطات الإنجليزية بدلا من تقديم الدعم والمساندة للشباب المتطوعين لحماية السفارة فى لندن، خصوصا أن المواثيق الدولية تلزم كل الدول بتوفر الأمن لجميع السفارات على أراضيها إلا أن البوليس البريطانى فعل العكس، وقام بتوقيف أحد أبناء مصر المخلصين، المنتمى إلى اتحاد شباب المصريين فى الخارج، فى خطوة صادمة تمثل خرقا صارخا لأبسط مبادئ العدالة، واعتداء فجا على حقوق الإنسان، وتجاوزًا لكل قواعد العلاقات الدبلوماسية والاحترام المتبادل بين الدول، وهنا كانت الطامة الكبرى، فقد دشن رواد التواصل الاجتماعى عدة هشتاجات للإفراج عن البطل المصرى أحمد عبدالقادر «ميدو»، رئيس اتحاد شباب مصر فى الخارج وأقرانه، ثم دخل حزب الجبهة الوطنية على الخط استجابة لرغبات المصريين المطالبين بتحرك الحكومة المصرية لإزالة الحواجز المحيطة بمقر السفارة البريطانية بقلب العاصمة، مع التأكيد أن الوقت قد حان لإعادة النظر فى المعاملة الممنوحة للبعثات الدبلوماسية البريطانية بالقاهرة، وفى مقدمتها السفارة البريطانية بجاردن سيتى، والتى تحولت بفعل الحواجز الخرسانية والإجراءات الأمنية المبالغ فيها إلى منطقة مغلقة تعوق حياة المواطنين وتفرض واقعًا مشوهًا وسط العاصمة، وإلزام السفارة البريطانية بما تلتزم به السفارات الأجنبية الأخرى العاملة فى مصر، على قاعدة المساواة الكاملة والمعاملة بالمثل.

وأمام الضغوط الشعبية اضطرت الحكومة لرفع الحواجز من أمام السفارة البريطانية، ولأن الحماقة أعيت من يداويها، لم يستوعب المسئولون الإنجليز الدرس، ولم يحترموا إرادة الشعب المصرى فى المساواة بين كل السفارات داخل مصر، وتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل مع سفارتنا فى لندن، التى ليس أمامها أي حواجز تعوق حركة المواطنين هناك، لكن أحفاد المندوب السامى لجأوا إلى طريقة «لى الذراع» بالإعلان عن إغلاق المبنى الرئيسى، وتقديم الخدمات «أون لاين» حتى مراجعة تأثير هذه التغييرات، وهم واهمون، وقد اضطروا الرضوخ للأمر الواقع، لأنه فى الجمهورية الجديدة لا مكان لسياسة «لى الذراع»، ولا مجال لفرض الهيمنة، بل هو الندية التامة، والاحترام المتبادل، ولا تهاون مع أى مسلك يخدش كرامة المصريين أو يجرح سيادة الوطن..

حمى الله مصر وشعبها وقيادتها 

ومؤسساتها الوطنية من كل سوء

    كلمات البحث
  • الدولة
  • القوية
  • مصر
  • الرئيس
  • السيسي

أخبار الساعة

الاكثر قراءة